دراساتصحيفة البعث

اتفاقيات “مينسك” لعبة ألمانية- فرنسية قذرة

هيفاء علي

اعترفت المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، بأن اتفاقيات مينسك عملت فقط على كسب الوقت للسماح لأوكرانيا بتسليح نفسها، ما يكشف حقيقة من أراد الحرب فعلاً، أي الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لم يثر هذا الأمر الخطير أي نقاش حقيقي في فرنسا، وهذا هو المكان الذي يقاس فيه غياب الحزب الشيوعي واليسار عموماً بشأن هذه القضايا الدولية، تماماً كغياب الإعلام الفرنسي عن تغطيتها والتطرق إليها.

وفقاً للمستشارة ميركل، تمّ استخدام اتفاقية مينسك لكسب الوقت لإعادة تسليح أوكرانيا ومحاولة منحها الوقت، وبحسب المحللين الفرنسيين، تعدّ المقابلة الطويلة التي نشرتها “دي تسايت”، في 7 كانون الأول الماضي، استثناءً نادراً. ولكن وراء الكواليس، لا تزال ميركل نشطة سياسياً في مكتبها، حيث يحق لها العمل كمستشارة سابقة، توظف تسعة أشخاص، وتحافظ على اتصال منتظم مع المستشار الحالي شولتز، كما أفاد هو نفسه.

لقد تم تصوير اتفاقية مينسك، التي وقعتها ميركل مع الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا هولاند، والرئيس الأوكراني بيترو بوروشنكو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أيلول 2014، على أنها جهد سلام، ولكن تؤكد ميركل الآن أن الناتو أراد الحرب منذ البداية، لكنه احتاج إلى وقت للاستعداد عسكرياً، فمنذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، في عام 1991، سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق هدف البقاء “قوة وحيدة في العالم”. ولتحقيق هذه الغاية، شنّت واشنطن العديد من الحروب الإجرامية، ووسعت الناتو في أوروبا الشرقية. والآن تريد أيضاً ضم أوكرانيا وجورجيا وغيرهما من الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى الناتو، وإخضاع روسيا لنهب مواردها، وعزل الصين. بينما تستخدم الحكومة الألمانية الحرب في أوكرانيا لتأكيد مطالبتها بأن تصبح القوة الرائدة في أوروبا وقوة عسكرية كبرى، لذلك وضعت حكومة ميركل الثالثة، وهي تحالف كبير يتألف من الديمقراطيين المسيحيين، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذا الهدف في قلب برنامجها في عام 2013. ومن حيث السياسة الخارجية، فهي تتبع نموذج قوة الخطط الكبرى المستقاة من الإمبراطورية، والنظام النازي.

في هذا الصدد، أشار وزير الخارجية آنذاك فرانك فالتر شتاينماير، إلى أنه يجب أن تكون ألمانيا مستعدة للانخراط في وقت مبكر، وبشكل أكثر حسماً وأكثر جوهرية، في السياسة الخارجية والأمنية. بعد شهرين فقط من تولي حكومة ميركل الثالثة السلطة، قامت الولايات المتحدة وألمانيا بانقلاب في أوكرانيا، في شباط 2014، استخدمتا فيها الميليشيات الفاشية لمساعدة النظام الموالي للناتو للاستيلاء على السلطة، ولكن واجهت واشنطن وبرلين مشكلة بعدما أدى الدور المهيمن الذي لعبه القوميون اليمينيون، والمعجبون بالمتعاون النازي ستيبان بانديرا ، والميليشيات الفاشية، في تقسيم البلاد، ولاسيما في الشرق الذي يغلب عليه الطابع الروسي، حيث استقبل الأوكرانيون احتمال أن يحكمهم القوميون المتطرفون برفض شديد.

في ظلّ هذه الظروف، نظمت ميركل وهولاند اتفاقية مينسك -كما تعترف ميركل الآن- لتجميد الصراع وكسب الوقت، حيث نصّت الاتفاقية على وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة، وإنشاء منطقة أمنية تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. تعهدت الحكومة الأوكرانية بتعديل الدستور لمنح وضع خاص لدونيتسك ولوغانسك ومنحهما قدراً أكبر من الحكم الذاتي، ولكن لم يتم تنفيذ أي من هذه البنود، بل قاطع الجانب الأوكراني جميع الاتفاقات. وبسبب نقص الجنود المستعدين للقتال، حشد الرئيس بترو بوروشنكو الجديد كتيبة آزوف والميليشيات الفاشية الأخرى، التي قامت الأوليغارشية بتمويلها بشكل جزئي. ومن ثم تم دمج هذه الميليشيات في القوات المسلحة وإرسالها إلى المناطق الانفصالية لترويع السكان المحليين والحفاظ على الصراع. وهكذا فإن نظام كييف -سواء في عهد بوروشنكو أو خليفته زيلينسكي- وداعميه في برلين وواشنطن لم يرغبوا أبداً في حلّ سلمي، بل كل ما كان يهمّهم هو شراء الوقت لتصعيد الحرب، حتى لو كان لذلك عواقب وخيمة على سكان المناطق المتضررة.

في شباط 2019، أي قبل ثلاث سنوات من اندلاع الحرب الحالية، نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، المقرّب من الحكومة الألمانية، وليس لديه أي تعاطف مع روسيا، وثيقة بعنوان “صراع دونباس” تظهر بوضوح أن نظام كييف كان دائماً مشغولاً بالأهداف الجيوسياسية في صراع دونباس للانضمام إلى الناتو لعزل روسيا، وأنه كان مستعداً للتضحية بلا هوادة بمصير الشعب الأوكراني من أجل هذه الأهداف. وجاء في الوثيقة أن خطاب كييف حول حرب دونباس يركز بشكل شبه حصري على المستوى الجيوسياسي والعلاقة مع روسيا.

انضمّ الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند إلى أنجيلا ميركل لتأكيد أن اتفاقيات مينسك كانت “محاولة لمنح أوكرانيا الوقت” لتقوية نفسها عسكرياً في ضوء المواجهة المستقبلية مع موسكو، وذلك خلال مقابلة مع “دي سايت”. رسمياً، تم إبرام هذه الاتفاقيات، الموقعة في 5 أيلول 2014، بهدف معلن وهو استعادة السلام بين جمهوريتي كييف ودونباس، ورداً على سؤال حول ما إذا كانت مفاوضات مينسك تهدف إلى تأخير التقدم الروسي في أوكرانيا، أجاب فرانسوا هولاند بالإيجاب، مؤكداً أن ميركل محقة في هذه النقطة. وبحسب هولاند، فقد أوقفت اتفاقيات مينسك الهجوم الروسي لبعض الوقت، وما كان مهماً هو كيف سيستخدم الغرب فترة الراحة هذه لإحباط أي محاولات روسية لاحقة. يدّعي هولاند أن اتفاقيات مينسك سمحت بتعزيز الجيش الأوكراني، ومنحت الغرب فترة راحة استفاد منها هو وكييف. ومن مزايا اتفاقيات مينسك أنها أعطت الجيش الأوكراني هذه الفرصة.

أثار اعتراف ميركل وهولاند رد فعل قوياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أشار إلى أن “الثقة تكاد تكون معدومة، ولكن بعد مثل هذه التصريحات، كيف تتفاوض؟ وعلى ماذا؟ وإذا كان من الممكن التفاوض مع شخص ما، فما هي الضمانات؟ لقد اتضح أنهم كانوا يخونوننا أيضاً”.