تأثير الناتج الإجمالي المحلي الزراعي على تخفيض الفقر يعادل ضعفي تأثير نظيره من بقية القطاعات
دمشق – البعث
ليس لنا أمام واقع اقتصادي متعثر، إلا الإنتاج، فهو الرافعة الحقيقية لأي اقتصاد كان لاسيما إذا كان هذا الاقتصاد يتمتع بمقومات وخامات تكفل نهوضه وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لتبقى المسألة مسألة إدارة بالدرجة الأولى، مصحوبة بدعم لتأمين مستلزماته!
وإذا كان قوام هذا الاقتصاد زراعياً كـ “الاقتصاد السوري”، فإن المسألة تأخذ زخماً أكبر سينعكس على أغلب مفاصل الاقتصاد ككل، بدليل ما بينته دراسة صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية تحت عنوان “التحول من اقتصادات الحرب إلى اقتصاد السلم.. القطاع الزراعي نموذجاً”، من أن تأثير الناتج الإجمالي المحلي الزراعي على تخفيض الفقر يعادل ضعفي تأثير الناتج الإجمالي المحلي من بقية القطاعات، فزيادة الإنتاج الزراعي تزيد الطلب على النشاطات والقطاعات المرتبطة كتطوير الريف والخدمات الريفية والبنى التحتية والصناعات الزراعية والتجارة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أشارت الدراسة، إلى أن توفير فرص العمل وتحسين المعيشة وخاصة في الريف، لا يعد أمراً ضرورياً فقط من أجل تخفيض معدلات الفقر، وإنما أيضا من أجل المحافظة على السلم والأمن وعودة الاستقرار الأمني والاجتماعي أيضا إلى كافة ربوع القطر، ولعلّ خير أداة لتحقيق ذلك هي المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفي هذا السياق أشارت الدراسة إلى أن للأخيرة دورا حاسما ومركزيا ولاسيما بالنسبة لجهة الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة ومن شأن القطاع الزراعي تقليدياً أن يلعب دوراً هاماً في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.
ولكي تنجح عملية إعادة تموضع الاقتصاد، أوضحت الدراسة أنه يجب إعادة هيكلة الاقتصاد الزراعي من خلال إصلاح أنظمة الائتمان والاستفادة من مشاريع الائتمان الصغير الوطنية والإقليمية والدولية، ومراكز التدريب، وتأسيس مثل هذه المنظمات التمويلية والمشاريع الإعمارية في حال عدم وجودها، والاهتمام بتطوير وإدخال التقنيات بهدف توسيع الإنتاج واستيعاب الأجيال الجديدة التي تتطلب فرص العمل والاستفادة من النشاطات الاقتصادية التي كانت قائمة خلال فترة النزاع وإيجاد طرق إعادة تكاملها ضمن المخططات الجديدة، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وإيجاد بيئة قانونية مناسبة للمشاريع، وإنشاء قاعدة اقتصادية جديدة تستند إلى زراعات تقليدية وجديدة مجدية اقتصادياً، ورعاية وتشجيع الصناعات الوطنية وخاصة الغذائية.
وأكدت الدراسة أنه على المدى المتوسط من المهم للسياسات أن تتوجه نحو توفير فرص العمل من خلال النشاطات ذات القيمة المضافة الأعلى كالتصنيع الزراعي، وخاصة أن الأجيال المؤهلة حديثاً من خريجي الجامعات والمعاهد تميل للعمل في غير القطاعات التقليدية وتبحث عن فرص عمل متطورة، وتقديم التدريب الفني والعملي للمعنيين ضمن كل قطاع، وتوفير مصادر للدخل من خلا مشاريع إنتاجية وتجارية جديدة.
واقترحت الدراسة أنه، على صعيد التجارة الزراعية الخارجية، من الضروري تأمين الأسواق المناسبة لمنتجاتها وإمكانية الدخول لهذه الأسواق، مشيرة إلى أن أسواق الدول العربية في إطار اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى هي المثلى اقتصادياً لبعض المنتجات السورية الزراعية، ويمكن للصادرات الوطنية أن تعيد الاستفادة من التصفير الجمركي للتجارة بين الدول الأعضاء في الاتفاقية، وكذلك من قرب هذه الأسواق جغرافيا وسهولة التواصل معها، كما أنه من المفيد تشجيع المواطنين السوريين والجاليات السورية في الخارج على شراء المنتجات الزراعية السورية والترويج لها، وكذلك وضع علامات تجارية للمنتجات من المناطق التي يجري إعادة إعمارها بهدف تشجيع المستهلك الخارجي على المساهمة في إعادة الإعمار من خلال شراء هذه المنتجات، مع الإشارة إلى أن من الضروري للسلع الزراعية أن تخضع لمعايير النوعية وأن تحصل على شهادات جودة ومطابقة للمواصفات قبل محاولة الشروع باختراق الأسواق الكبرى.