أوكرانيا.. أول نزاع متعدد الأقطاب
هيفاء علي
على عكس ما يروّج له الخبراء الزائفون الغربيون، فقد تطوّر الجيش الروسي بشكل كبير نحو الأفضل منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. ويعود سبب هذا التطور إلى الدعم المعنوي الهائل الذي يقدّمه الشعب الروسي، مما يجعل العملية تبدو وكأنها واجب وطني.
يمكن ملاحظة هذا التغيير بسهولة أكبر إذا اتبع المرء الطريقة التي خطّط بها الجيش الروسي لعملياته الأخيرة هذا الشتاء. على سبيل المثال، خلال موجة الضربات، في 29 كانون الأول الماضي، كان على هيئة الأركان العامة للقوات الجوية الروسية اتخاذ أفضل القرارات في وقت قصير جداً، وبعد إطلاق نحو 10 طائرات مسيّرة روسية غير مسلحة من طراز E-95M “شرك”، تمّ تشغيل جزء من رادارات بطاريات AA الأوكرانية، تمّ اختيار 4 منها فقط، وتمّ تدميرها من الجو بصواريخ مضادة للرادار، وذلك في غضون 10 دقائق.
تجدر الإشارة إلى أنه تمّ إيقاف تشغيل هذه الأنواع القديمة من أسلحة AA من قبل جيوش الناتو، وتمّ تخزينها لعدة سنوات قبل تسليمها إلى أوكرانيا. وبالتالي يكون توجيه الصواريخ شبه نشط، اعتماداً على الرادار أو كاميرا التلفزيون/ الأشعة تحت الحمراء المثبتة أيضاً على الرادار.
يقول ألكسندر دوغين، عالم السياسة الروسي الشهير، إن أوكرانيا هي أول نزاع متعدّد الأقطاب، وأن رهاب روسيا الحالي وكراهية روسيا من بقايا تفكير الحرب الباردة، والفهم ثنائي القطب لهيكل العلاقات الدولية. ويضيف دوغين أنه عندما دمّر الاتحاد السوفييتي نفسه عام 1991، ترك “الحضارة الليبرالية الغربية العالمية” مسيطرة على العالم، ولكن اليوم ترفض هذه القوة المهيمنة قبول مستقبل لن تكون فيه “واحدة من اثنتين، بل واحدة من أقطاب قليلة”. ووصف دوغين الغرب بأنه “ليبرالية شمولية خالصة” تدّعي أن لها الحقيقة المطلقة، وتسعى إلى فرضها على الجميع، مشيراً إلى أن هناك عنصرية متأصلة في الليبرالية الغربية، حيث يعرّف التجربة الغربية التاريخية والسياسية والثقافية على أنها عالمية، وأنه لا يوجد شيء عالمي في التعدّدية القطبية، موضحاً أن كلّ حضارة يمكنها ويجب عليها تطوير قيمها الخاصة. ولفت إلى ضرورة أن تتغلّب روسيا بشكل خاص على قرون من الهيمنة الأيديولوجية الغربية، وأن تخلق شيئاً جديداً مبدعاً من شأنه أن يقف في دحض مباشر للهيمنة الليبرالية الغربية، ضد المجتمع المفتوح، وضد الفردية، وضد الديمقراطية الليبرالية، ورفض المقاربات العقائدية للماركسية والفاشية والليبرالية للسياسة والاقتصاد، قائلاً إن على روسيا أن تسعى جاهدة من أجل نهج “كلي” يكون فيه الروحاني أكثر أهمية من المادي.
كما أعرب دوغين عن أسفه لانهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما وصفه بأنه “انتحار” ارتكبه بيروقراطيون متعطّشون للسلطة في موسكو، مردداً توصيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “كارثة جيوسياسية”، مضيفاً أن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية هو عكس الإمبراطورية الروسية من حيث الأيديولوجية، ولكن من الناحية الجيوسياسية كان الاثنان كياناً واحداً والقوة الأقوى نفسها، فيما وصفه الجغرافي البريطاني هارولد ماكيندر بأنه القلب العالمي.
وبينما أطلق بعض المراقبين الغربيين على دوغين لقب “عقل بوتين”، فإن الفيلسوف والكاتب البالغ من العمر 60 عاماً ليس له علاقة رسمية مع الكرملين. إنه يدعم علانية العملية العسكرية الجارية في أوكرانيا التي يرى أن استقلالها مشروع إمبريالي غربي يهدف إلى استهداف السيادة الروسية.
يجدرُ التذكير بأن ابنة دوغين داريا قد اغتيلت في آب الماضي في انفجار سيارة مفخخة على يد عملاء أوكرانيين. وعلى الرغم من أن كييف نفت رسمياً الهجوم، فقد أشارت المخابرات الأمريكية في وقت لاحق إلى أنها تعتقد أن شخصاً ما في الحكومة الأوكرانية هو المسؤول عن ذلك الهجوم.