رأيصحيفة البعث

بن غفير.. استعراض ليس إلا

طلال ياسر الزعبي

ربما يتسابق الساسة الصهاينة، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، على كسب ودّ المستوطنين المتطرّفين الذين يبدو أنهم هم الحاكم الفعلي والأوحد، أو الموجّه الأول للسياسات داخل الكيان الصهيوني الغاصب.

ولا غرابة في ذلك، فهذا الكيان قام بداية على يد عصابة من المجرمين وقطاع الطرق وزعماء العصابات والمافيات المالية، أمثال تيودور هرتزل وحاييم وايزمان وديفيد بن غوريون، الذين كان لهم الدور الأبرز في تأسيس هذا الكيان الغاصب والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وطردهم منها.

لذلك ليس مفاجئاً أن يقوم ايتمار بن غفير، المنحدر من المدرسة الدينية المتطرّفة ذاتها، بحركة بهلوانية حاول فيها محاكاة ما قام به آرييل شارون سابقاً، وأدّى إلى انتفاضة الأقصى في أيلول 2000، بهدف استدراج دعم المتطرّفين الدينيين على خلفية انتخابية.

واليوم، كأن التاريخ يعيد نفسه، حيث يتطلع بن غفير من خلال استعراضه في باحة الأقصى إلى توجيه مجموعة من الرسائل في عدّة اتجاهات، أوّلها طبعاً للشارع الإسرائيلي بأن رئيس الحكومة الفعلي في الكيان ليس بنيامين نتنياهو الغارق في قضايا الفساد والضعيف فعلياً، وإنما حلفاؤه المتطرّفون الذين مكّنوه من تشكيل هذه الحكومة، وبالتالي فإن الرأي في جميع القضايا السياسية والأمنية سيكون لهذه الفئة من المتطرّفين الدينيين، بمعنى أنهم هم الحكام الفعليون ولا وجود لأيّ رأي آخر، وأن أيّ قرار يمكن أن تقدم عليه الحكومة الجديدة التي تشكلت منذ أيام يجب أن ينال موافقة هؤلاء، وإلا فإن النتيجة ستكون سقوطها.

أما الرسالة الثانية الواضحة فهي إلى حلف التطبيع العربي بأن عليكم ألا ترفعوا سقف التوقعات فيما يخص العلاقة مع “إسرائيل”، فالتطبيع مقابل التطبيع فقط، ولا يظنّن أحد أن باستطاعته إحداث تغيير في الوضع القائم، أو الحصول على أيّ تنازل.

وأما الرسالة الثالثة فهي للمقاومة الفلسطينية بأن هناك من يستطيع تكرار مشهد اقتحام عام 2000، دون أن يستدرج ردّ فعل مماثلاً، وهذا طبعاً ضرب من ضروب المغامرة.

وأيّاً يكن من رسائل أراد هذا المتطرّف الصهيوني إرسالها، فإن هذا الاستفزاز لم يحقق الغاية المرجوّة منه على الأقل في ساحة المقاومة والدول الداعمة لها، بغض النظر عن الإدانات الدولية الواسعة، لأن الأمر هنا لا يعدو كونه مجرّد حلقة في سلسلة طويلة من الصراع القائم، فالصراع مستمرّ والمقاومة لديها من الأساليب والأدوات الكثير ممّا يمكن أن يردع أيّ سياسي صهيوني عن التفكير بهذه الطريقة فيما يخص القضية الفلسطينية. وعلى بن غفير، ومَن وراءه أن يدرك، أن للمقاومة رأيها وكلمتها، وهو أن للصبر حدوداً، وأن المساس بالمقدّسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة، سيشعل هذه المرة الجبهة مجتمعة، وليس فقط انتفاضة فلسطينية، وربما يكون ذلك المسمار الأخير في نعش هذه الغدة السرطانية.