Uncategorized

تقرير إخباري:

تحاول التنظيمات التكفيرية جاهدةً عرقلة كل نشاط اقتصادي أو تنموي يجري في إفريقيا، وشهدنا في عام 2012 كيف قامت بمنع الصين من تنفيذ مشاريع للكهرباء والماء في شمال مالي عبر إشعال المنطقة، وجلب التدخل الفرنسي إليها، لأن إتمام مثل تلك المشروعات يفضح الغرب الذي لا يرغب برؤية تلك البلدان على طريق التنمية وحل الأزمات، ما يسهّل عليه هدفه في نهب ثرواتها متلطّياً تحت مجموعة من الشعارات البرّاقة.

وتكرّر المشهد عندما أعلنت الصين عن اكتشاف ثرواتٍ في إفريقيا لمعادن نادرة أهمّها الذهب وثروات نفطية وغازية، وأبدت استعدادها لاستثمارها لمصلحة تلك الدول، إلا أن ذلك أيضاً تمّت عرقلته من خلال خلق أوضاع أمنية سيئة من القوى التكفيرية المرتهنة للغرب، وعندما تم اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في مالي في عام 2012 وأبدت شركة “سوناطرك” الجزائرية استعدادها للمساعدة في استخراجها، كان ردّ فعل “الناتو” سريعاً، حيث سمح لجحافل الإرهاب التي كانت تدمّر ليبيا بالانتقال الفوري إلى الساحل الإفريقي لإشعاله وعرقلة أي عمليات استثمار، وكان المشهد أكثر دمويةً في الحروب التي أشعلها الغرب في الشرق الأوسط أو ما تسمّى “حروب الغاز” لمنع استثمار ثروات الغاز الهائلة في سواحل سورية ولبنان بالتعاون مع روسيا والصين.

أما اليوم، فتصعّد حركة الشباب التكفيرية المخترقة من المخابرات الغربية هجماتها في الصومال، حيث أعلنت مسؤوليتها هذا الأسبوع عن تفجيرين انتحاريين في البلاد أوقعا عشرين قتيلاً، ويربط محللون ذلك بعدّة تطوّرات أبرزها، هجرة أعدادٍ كبيرة من قطعان تنظيم “داعش” الإرهابي من سورية والعراق بعد فشل مشروعه ومجابهته بقوة من الجيوش والقوى الوطنية التي عملت بشكل سريع على تنمية ومضاعفة قدراتها لسحقه واستعادة مساحاتٍ شاسعة من سيطرته، حيث رأى التنظيم أن البيئة الأنسب للتوسّع حالياً توجد في منطقتي القرن والساحل الأفريقي لأنهما الأكثر هشاشة وسوءاً في الوضع الاقتصادي في الوقت الحالي، كما يمكن ربط ذلك التصعيد بعودة نهوض الحكومة الصومالية وسعيها لاستعادة قوتها وتوحيد البلاد، وعودة حسن شيخ محمود إلى سدّة الرئاسة، في حين تسعى تلك التنظيمات جاهدةً إلى قلقلة الأوضاع لإيجاد موطئ قدم لمشغّليها الغربيين في الصومال وغيرها من الدول الإفريقية الوطنية.

أيضاً يمكن ربط هذا التصعيد المفاجئ بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عودتها إلى الصومال بحجّة تدريب القوات الخاصة فيها، كما تفعل اليوم من خلال وجودها في شرقي سورية وعدد من مناطق العراق بحجة محاربة الإرهاب.

أما المسألة الأهم التي ترمي إليها واشنطن، فهي استعادة ما خسرته من نفوذ وسيطرة هي وأدواتها في إفريقيا، ومجابهة النفوذين الصيني والروسي اللذين أقاما علاقاتٍ مميزة مع معظم القوى الوطنية في إفريقيا التي قرّرت لفظ الغرب وهيمنته الاستعمارية، وأصبحت الصين الشريك الأول لإفريقيا إذ أعلنت عن استثمارات بستين مليار دولار في القارة، في وقت وصل فيه حجم التبادل التجاري الصيني الإفريقي إلى 207 مليارات دولار، وتسعى أمريكا أيضاً إلى نقل معارك كسر العظم التي بدأتها في أوكرانيا ضدّ روسيا وتحاول إشعالها في أكثر من جبهة في المناطق الممتدة بين المحيطين الهادئ والهندي ضدّ الصين محاولةً خلق أوراق ضغط لابتزازهما ومنعهما من تمرير المشاريع. لكن بالمقابل، نقل سيناريو حروب الشرق الأوسط بعد فشله ومحاولة تكرار مشاهده الدامية لتدمير الدول والسيطرة عليها، لن ينجح في إفريقيا ولن تحصد جيوش الإرهاب مع مشغليها سوى المزيد من الاندحار والفشل، وخاصةً بعدما شهدناه من صحوةٍ ومجابهة من شعوبها، ونهوض حكوماتها من جديد وتقوية الجيوش الوطنية فيها، وسعيها للابتعاد عن أي تعاونٍ أمني أو حتى اقتصادي مع قوى الغرب بعد فضحه وفشل التجربة الفرنسية في مالي وبوركينا فاسو مؤخّراً.

بشار محي الدين المحمد