فضائح “تويتر” والجيش الأمريكي في حرب المعلومات
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
تثير الفضائح القاطعة للتواطؤ بين البنتاغون و”تويتر” المزيد من الشكوك حول عمليات واشنطن المستمرة عبر الإنترنت في غرب آسيا، فقد سبق أن حللت الكثير من المواقع العمليات التي تقوم بها البنتاغون عبر الإنترنت وبرامج الكمبيوتر لاستهداف إيران.
سعت وزارة الدفاع الأمريكية على مدى سنوات عديدة إلى زعزعة استقرار الحكومة الإيرانية من خلال نشر المشاعر السلبية ضدها والتحريض عليها، عبر مجموعة متنوعة من منصات التواصل الاجتماعي. وقد أدت فضائحهم إلى مطالبة البيت الأبيض بإجراء مراجعة داخلية دقيقة لكافة “العمليات النفسية عبر الإنترنت” التي تقوم بها وزارة الدفاع.
ظاهرياً، كان هذا الإجراء ناتجاً عن مخاوف عالية المستوى من احتمال تعرض “المكانة الأخلاقية العالية” لواشنطن للخطر من خلال “التلاعب بإدراك العامة في الخارج”.
في الحقيقة، تم الكشف عن التدقيق في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، أشارت تفاصيله إلى سبب مختلف تماماً، حيث أشار أحد مقاطع المقال إلى أن ممثلي” فيس بوك”، و”تويتر” أبلغوا البنتاغون بشكل مباشر مراراً وتكراراً، على مدى عدة سنوات، أن جهود الحرب النفسية على منصتهم قد تم اكتشافها وتحديدها.
تسليح وسائل التواصل الاجتماعي
بشكل محبط، لم يكن التركيز على أن هذه العمليات كانت تشغل المقام الأول، ولكن تم ضبط البنتاغون أثناء القيام بذلك. وعلى سبيل المثال، اتصل مدير فرق الأمن السيبراني في “ميتا”، ديفيد أغرانوفيتش، الذي أمضى ست سنوات في البنتاغون قبل أن يشغل منصب مدير الاستخبارات في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بوزارة الدفاع في صيف عام 2020 محذراً زملائه السابقين بأنه إذا كان بإمكان “فيس بوك” كشفهم، فيمكن لأعداء الولايات المتحدة أيضًا كشفهم.
كان الاستنتاج الواضح من هذا المقتطف ، هو أن موظفي “فيس بوك وتويتر” يرحبون بمنصاتهم التي يتم تسليحها في حملات حرب المعلومات، طالما أن مجتمع الاستخبارات الأمريكية هو من يفعل ذلك وينجو بفعلته.
علاوة على ذلك، في حالة تعرضهم للخطر، فإن هؤلاء النجوم البارزين في الشبكات الاجتماعية يقدمون بسرعة رؤى عميقة حول الطرق التي يمكن أن يتبعها جواسيس الولايات المتحدة لتطوير أمن عملياتهم، وإخفاء أنشطتهم بشكل أفضل عن الأعداء الأجانب. وما لم يُذكر أن هؤلاء “الأعداء” يشملون عشرات الملايين من الناس العاديين الذين يشكلون الهدف النهائي لمثل هذه المبادرات الخبيثة، حيث يُعتبر سكان غرب آسيا أغلب ضحاياها.
القائمة البيضاء
أكدت رسائل البريد الإلكتروني والوثائق الداخلية من “تويتر”، والتي نشرها الصحفي لي فانغ، أن المديرين التنفيذيين في “تويتر” لم يوافقوا فقط على شبكة البنتاغون عبر الإنترنت وبرامج الكمبيوتر، بل أنهم قدموا حماية داخلية كبيرة لهم من خلال “القائمة البيضاء، حيث سمحت هذه الممارسة لـ “حسابات القوى العظمى” بالعمل مع الإفلات من العقاب. وعلى الرغم من انتهاك العديد من قواعد النظام الأساسي والتصرف بشكل فاضح، فقد منحت “القائمة البيضاء” بشكل فعال هذه الحسابات الامتيازات الخوارزمية والتضخيمية للتحقق من” تويتر” بدون “إدراج عمليات التدقيق”.
سعت هذه الحسابات على مدى سنوات عديدة إلى التأثير على التصورات والسلوك عبر غرب آسيا، لا سيما إيران والعراق وسورية واليمن. وفي الكثير من الحالات، كان لدى المستخدمين صور ملفات شخصية “مزيفة” تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
الهدف.. غرب آسيا
بخصوص الأنشطة التي تمت إتاحتها على “تويتر” ضد طهران، فقد تم تشكيل العديد من الشخصيات المختلفة لمهاجمة الحكومة الإيرانية من مواقف أيديولوجية وسياسية مختلفة. لم تكن هذه حسابات “المعارضة” القياسية الخاصة، فقد كانت العمليات أكثر تعقيداً، وقد تظاهر البعض بأنهم محافظون للغاية ينتقدون سياسات الإدارة الليبرالية، والبعض الآخر من الراديكالية التقدمية التي تدين مدى تطبيق الجمهورية للشريعة الإسلامية.
قام العديد من المستخدمين بتضخيم معلومات واشنطن المضللة، والتي تنشرها وكالة “صوت أمريكا” الناطقة باللغة الفارسية، وتمولها الإدارة الأمريكية، من بين عدد لا يحصى من منصات الدعاية الأخرى الممولة والموجهة من الولايات المتحدة. طوال الوقت، كان كبار المسؤولين في “تويتر” على دراية بهذه الحسابات، لكنهم لم يغلقوها بل قاموا بحمايتها.
إن تأثير التعاون بين “تويتر”، والبنتاغون على التغريدات التي شاهدها المستخدمون حول العالم والتي لم يشاهدوها غير معروف، لكنه مهم على الأرجح، فقد كان موظفو “تويتر” على علم بما كانوا يفعلونه.
على سبيل المثال، في تموز 2017 أرسل مسؤول من القيادة المركزية الأمريكية لغرب آسيا وشمال إفريقيا عبر البريد الإلكتروني طلباً للتحقق من “عمليات التدقيق ” لحساب واحد، و “القائمة البيضاء” لـ 52 حساباً، وإدراج قائمة بالحسابات باللغة العربية التي تستخدمها لتضخيم رسائل معينة.
كان المسؤول قلقاً من أن بعض هذه الحسابات، “القليل” منها التي تم إنشاؤها من قبل متابعين حقيقيين، لا يتم فهرستها على علامات التصنيف.
علاوة على ذلك، طلب “خدمة الأولوية” لعدة حسابات، بما في ذلك ” اليمن كيرنت” التي تم حذفها منذ ذلك الحين، وهو حساب يُستخدم لبث إعلانات حول ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن، حيث شدد الحساب على مدى “دقة” هذه الهجمات، التي تستهدف الإرهابيين الخطرين فقط، وليس مدنيين على الإطلاق – وهي سمة مميزة للدعاية الأمريكية لحرب الطائرات بدون طيار.
بطبيعة الحال، إن ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار ليست دقيقة على الإطلاق، حيث تشير وثائق البنتاغون التي رفعت عنها السرية إلى وجود “قبول مؤسسي لخسائر جانبية لا مفر منها” وأن الأبرياء قتلوا بشكل عشوائي.
في عام 2014، قُدر أنه في محاولة استهداف 41 شخصاً محددين، أودت واشنطن بحياة 1147 شخصاً، من بينهم العديد من الأطفال، أي بمعدل 28 شخص لقوا حتفهم مقابل كل شخص مستهدف.
مضللة ومخادعة وغير مرغوب فيها
” في حزيران 2020، أدلى المدير المسؤول عن السياسة العامة عالمياً لدى “تويتر”، نيك بيكلز، بشهادته أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي، بشأن الجهود الحثيثة التي تبذلها الشركة لإنهاء كل “جهود التلاعب المنسقة للمنصات” من جانب الدول العدوة، مشيراً إلى أن هذه الجهود كانت في “صادرة الأولويات” لصاحب العمل.
مضيفاً، تظل مكافحة محاولات التدخل في المحادثات على “تويتر” أولوية قصوى للشركة، ونواصل الاستثمار بكثافة في جهودنا للكشف والتعطيل والشفافية المتعلقة بعمليات المعلومات المدعومة من الدولة، وهدفنا من خلال ذلك هو إزالة الجهات الفاعلة سيئة النية، وتعزيز فهم الجمهور لهذه المواضيع الحرجة.
ومع ذلك، دعا البنتاغون المديرين التنفيذيين على “تويتر” لحضور جلسات إيجاز سرية في منشأة حماية المعلومات الحساسة لمناقشة الدفاع عن أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي “المنسقة والمتلاعبة” لصالح البنتاغون.
وقد أشارت محامية “تويتر” ستاتشيا كارديل، في رسالة بريد إلكتروني داخلية إلى أن البنتاغون ربما يسعى إلى تصنيف أنشطته الخبيثة على وسائل التواصل الاجتماعي بأثر رجعي للتشويش على نشاطهم في هذا المجال، وأن هذا قد يمثل تصنيفاً مبالغاً فيه لتجنب الإحراج.
وكتب جيم بيكر، نائب المستشار العام لـ “تويتر” آنذاك، أن وزارة الدفاع قد استخدمت “الحروف التجارية السيئة”، إشارة إلى التقنيات الحديثة للتخفي والتجسس، في إنشاء العديد من حسابات “تويتر” لتغطية مساراتها المحتملة، وكان يسعى على الأرجح إلى إستراتيجية لتجنب المعرفة العامة بأن الحسابات “مرتبطة ببعضها البعض أو بوزارة الدفاع أو وكيل الأمين العام”.
لذلك كانت الحسابات المخترقة هي التي سُمح لها بالبقاء نشطة، لنشر المعلومات المضللة وتشويه ذهن العامة طوال الوقت، حتى أن البعض لا يزال موجوداً حتى الآن.