مجلة البعث الأسبوعية

“أوروباغيت”… السر المكشوف لـ مافيا الاتحاد الأوروبي

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

“فضيحة قطر” في البرلمان الأوروبي ليست سوى غيض من فيض في فضيحة الفساد التي تضرب قلب الاتحاد الأوروبي، والتي بناء عليها تم تجريد نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، اليونانية إيفا كايلي، من مسؤولياتها من قبل البرلمان الأوروبي، وتم تجميد أصولها بعد أن عثرت الشرطة على “أكياس نقدية” في منزلها. كما تمت مداهمة منزل النائب البلجيكي مارك تارابيلا، نائب رئيس وفد الاتحاد الأوروبي للعلاقات مع شبه الجزيرة العربية، وأيضاً قامت السلطات البلجيكية بزيارة أخرى غير معلنة لمنزل مساعد آخر من أعضاء البرلمان الأوروبي. وفي وقت سابق، فتشت السلطات مكاتب البرلمان الأوروبي، وصادرت عدة بيانات.

حتى الآن، تمت مصادرة 1.5 مليون يورو من منازل خاصة. وقد اتهم مكتب المدعي الاتحادي البلجيكي الأشخاص الأربعة الذين تم القبض عليهم موجهاً إليهم تهمة “المشاركة في منظمة إجرامية وغسيل أموال وفساد”، حيث اتضح أن المسؤولين المتورطين متهمون أيضاً بالضغط على المسافرين الأوروبيين والقطريين ليكونوا قادرين على السفر بدون تأشيرة بين البلدين، وتبييض سجل حقوق العمال في قطر، فهناك مئات الآلاف من العمال الأجانب الذين تم استغلالهم من قبل السلطات الحاكمة وفق قواعد العبودية، لبناء “الجنة القطرية”، هذا عدا عن عدد الموتى، الذين قُتلوا أثناء العمل، والذين يستحقون أخيراً بعض الرثاء في الصحافة.

لماذا صمد مثل هذا الغموض حول دوحة نموذجية لفترة طويلة، ولماذا تم الترويج لقطر كمنارة للحداثة والديمقراطية في العالم العربي؟. الجواب بكل بساطة هو أموال الفساد، وتجارة المال، وحصة السوق من المال.

بالنسبة لمؤسسة على شاكلة الاتحاد الأوروبي، التي تطلب من الدول الأخرى إدارة شؤونها بكل شفافية وديمقراطية، بوسع المرء الاعتقاد أنها وضعت حواجز حماية لمنع حدوث مثل هذه الأمور عندها، ولكن هذا ليس هو الحال، فقد أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بنبرة غير معتادة إلى أن “المزاعم مقلقة وخطيرة للغاية”، واقترحت إنشاء هيئة أخلاقيات مستقلة لوضع قواعد لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، حيث توجد قواعد واضحة للغاية، مضيفةً أن هذا سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام.

هذا الكلام يعني أن هذه الضوابط لم تكن موجودة بالفعل، ويعني أيضاً أن أولئك الذين يعتقدون أن المؤسسات الديمقراطية الغربية تمارس ما تدعو إليه باستمرار قد يفاجئون عندما يعلمون أن الافتقار إلى الضوابط والتوازنات لمنع الفساد في الداخل مذهل للغاية. في وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، قدم ثلاثة ممثلين للكونغرس الأمريكي تشريعات من الحزبين تهدف إلى سد الثغرات التي تسمح بالتمويل الأجنبي للمؤسسات الفكرية، والمسؤولين الحكوميين والمشاركين في الانتخابات، حيث لفت راعي مشروع القانون، النائب جاريد غولدن إلى أنه في الوقت الحالي، تستطيع الحكومات الأجنبية تمويل مراكز الأبحاث سراً للترويج لأجنداتها الخاصة، وتوظيف مسؤولين حكوميين سابقين، وضباط عسكريين كمجموعة ضغط من أجل مصالحهم، ومطالبة وكلائهم بجمع ملايين الدولارات للحملات السياسية.

بناء على ما تقدم، يبدو الأمر كما لو أن الفساد المنهجي هو سر مكشوف تحظى به مافيا الاتحاد الأوروبي، لأن قلة قليلة من المسؤولين يبدو أنهم يريدون الاعتراف بالمشكلة أو معالجتها. وخير دليل على ذلك، عندما أتيحت الفرصة للسيدة فون دير لاين لإثارة القضية مع الصحافة في بروكسل أوقفت المراسلين، الأمر الذي أثار إحباطهم، فسارعوا إلى التنفيس عنه على “تويتر”. ووفقاً لموقع “بوليتيكو”، صرخ أحد المراسلين في وجه السيدة فون دير لاين أثناء مغادرتها: “لم تجيبي على أسئلة أحد”.

هذا ليس بالضبط نوع السلوك الذي يتوقعه المرء من شخص يتحدث بانتظام عن محاسبة القادة الآخرين على فسادهم، وافتقارهم للشفافية وممارسات أخرى غير ديمقراطية.

وقد وصفت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا الفضيحة على أنها شيء يعاني منه الاتحاد الأوروبي، وليس شيئاً مسؤولاً عنه بشكل مباشر، أو يجب أن يتحمل المسؤولية عنه من خلال ممارساته المنهجية في أسوأ الأحوال، أو من خلال افتقاره إلى الضمانات المرتبطة بجماعات الضغط في أفضل الحالات. مضيفةً أنه ينبغي ألا نخدع أنفسنا لأن البرلمان الأوروبي يتعرض للهجوم كما تتعرض الديمقراطية الأوروبية للهجوم، على حد زعمها. وأضافت ميتسولا إن أسلوب المجتمع الأوروبي المنفتح والديمقراطي والحر يتعرض للهجوم.

تصريحات ميتسولا هذه لاقت صداها في مقالات الصحافة التي تلقفتها ونشرتها للرأي العام، وتحديداً فضيحة “فساد قطر” في قلب الاتحاد الأوروبي، ولكن ينبغي قبل كل شيء اعتبار وجود فساد في صميم الاتحاد الأوروبي، ذلك أنه من خلال إلقاء اللوم على قطر، يتخلى الاتحاد الأوروبي عن مسؤولياته ويعطي انطباعاً خاطئاً بأن المشاكل تبدأ وتنتهي بدولة واحدة، فكم عدد البلدان الأخرى التي يمكن أن تستفيد أيضاً من “اتفاقيات الضغط” المماثلة مع الأشخاص الذين يشغلون مناصب السلطة والنفوذ السياسيين في بروكسل؟.

في هذا الصدد، تقترح منظمة الشفافية الدولية أن هذا النوع من الأشياء شائع جداً في الواقع، وهذا ليس حادثاً معزولاً، فعلى مدى عدة عقود، سمح البرلمان لثقافة الإفلات من العقاب بالتطور، والجمع بين القواعد والضوابط المالية المتراخية مع الغياب التام للرقابة الأخلاقية المستقلة، بحسب مدير المنظمة. يضاف إليه مشكلة أخرى مع هذا الفشل الذريع للاتحاد الأوروبي هي أنه يقوض رسالته التي تؤكد باستمرار على نقطتين:

  • الأولى هي أن أوروبا تريد من الآخرين أن يؤمنوا بأنها فاضلة وعادلة، ولكن هذه الفضيحة تسلط الضوء على قضية قذرة في زاوية مظلمة لم يطرحها أحد على الإطلاق، وتنتهي بتشويه هالتها التي تلوح بها باستمرار.
  • الثانية التي يروج لها الاتحاد الأوروبي دائمًا وهي كيف ستكون روسيا مسؤولة عن جميع الجروح التي تسبب بها الاتحاد الأوروبي، لأن الاتحاد الأوروبي يعتبر نفسه بريء للغاية وذو كفاءة لا متناهية وجدير بالثقة، دون أي مصلحة خفية أو خاصة على الإطلاق.

حقيقة، يبدو أن الفساد في الاتحاد الأوروبي نسبي، ويمكن استخدامه كورقة مساومة أو لزيادة الضغط أو تقليله. على سبيل المثال، حظر الاتحاد الأوروبي مؤخراً الأموال المخصصة للمجر بحجة أن مؤسسات البلاد هشة للغاية بحيث يمكن استخدام الأموال في تأجيج الفساد، ولكن عندما وافقت المجر على رفع الفيتو عن منح أموال إضافية لأوكرانيا، تم الإفراج عن الأموال فجأة واختفت المخاوف من الفساد. إذا كان كل هذا مجرد قمة جبل الجليد عندما يتعلق الأمر بأنشطة الاتحاد الأوروبي المشبوهة، فما هو حجم جبل الجليد، ومن سيكون مهتماً بالحفر بشكل أعمق لمعرفة ذلك؟.