مجلة البعث الأسبوعية

“بيليه” يكتب مشهده الكروي الأخير تاركاً أرقاماً قياسية وتصرفات غريبة

البعث الأسبوعية-المحرر الرياضي

كتب الأسطورة البرازيلية إديسون دونا سيمنتو “بيليه” السطر الأخير في حقبة كروية أسست لكرة القدم الحديثة ومنحت متابعيها المتعة، بعد أن رحل بيليه عن عالمنا يوم الخميس الماضي عن عمر ناهز 82 عاماً تاركاً وراءه إرثاً يصعب مضاهاته إن كان على صعيد الجوائز الفردية أو الألقاب الجماعية وحتى على صعيد السحر الكروي الذي نثره الجوهرة السوداء في كل الملاعب التي وطأتها قدماه.

بيليه الذي سجل ما يزيد عن ألف هدف طوال مسيرته الممتدة منذ عام 1956 إلى عام 1974 لم يستطع مقاومة المرض الذي عانى منه مطولاً حتى استسلم لقدره ليسدل الستار على حياة أفضل لاعب كرة في القرن الماضي.

اسم كهربائي

ولد إديسون دونا سيمنتو في 23 تشرين الأول عام 1940 في قرية تُسمى “تريس كوراكويس” وسُمي بهذا الاسم تيمناً بالمخترع الأمريكي توماس أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي.

لكن الأسطورة البرازيلي اشتهر باسم “بيليه” كونه عندما كان طفلاً معجباً بحارس مرمى فريق والده والذي كان اسمه “بيلي”، لكن بيليه الطفل في ذاك الوقت كان يخطئ في نطق اسم لاعبه المفضل فكان ينطقه “بيليه” ليصبح هذا الاسم ملازماً له طيلة حياته.

في عام 1956، تعاقد نادي “سانتوس” البرازيلي مع بيليه الذي أحرز هدفا في مرمى نادي “سانتو أندريه” وهو في سن الخامسة عشر، وسرعان ما خطف بيليه أنظار مدرب منتخب البرازيل ليتم استدعاؤه وهو في سن السادسة عشر.

أرقام ذهبية

بيليه نقش اسمه في سجلات الأرقام القياسية الخالدة في عالم كرة القدم فهو اللاعب الوحيد الذي توّج مع منتخب البرازيل ببطولة كأس العالم 3 مرات في أعوام: 1958، 1962، 1970، كما إنه يمتلك أكبر عدد من الأهداف في تاريخ كرة القدم برصيد 1283 هدفاً في 1363 مباراة شارك فيها خلال مشواره الكروي.

وسجل بيليه 92 هاتريكاً (ثلاثية) في تاريخ مسيرته الكروية من مجموع 1283 هدفاً أي بنسبة 21.5% وهذا الرقم يصعب تحطيمه في عالم المستطيل الأخضر، ويعد أصغر لاعب سجّل في تاريخ كأس العالم حيث أحرز ثلاثة أهداف للبرازيل في نسخة عام 1958، وهو في سن 17 و244 يوماً.

وفي في عام 2000 تم اختياره أفضلَ لاعب خلال القرن الماضي من قبل الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاء كرة القدم (IFFHS) إضافة لاختياره في العام الماضي كأفضل لاعب في تاريخ كرة القدم.

الصراع مع مارادونا

لعل أبرز ما مرت به مسيرة بيليه هو مقارنتها بمسيرة الأسطورة الأرجنتينية الراحل دييغو مارادونا في صراع من هو الأفضل، حيث ظل الثنائي في حالة عداء شديد وحرب تصريحات جعلتهما محور عناوين الصحف العالمية.

وحتى الاتحاد الدولي لكرة القدم لم ينجح في مصالحة الثنائي عندما قرر منحهما جائزة الأفضل في القرن الماضي مناصفة، لكن الثنائي التقيا في إحدى الفعاليات قبل انطلاق فعاليات بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2016)، حيث قال مارادونا لبيليه على هامش مباراة “الصداقة”: “لن يكون بيننا مزيد من الصراعات”. ورد بيليه “إنها رسالة سلام وترابط أود توجيه الشكر لصديقي مارادونا على هذه الفرصة”.

وحينها فقط أكد مارادونا تقديره التام لبيليه: “أود توجيه الشكر لبيليه، نعلم من هو بيليه وسيظل هكذا نحتاج دائما لرموز مثله” رغم أنه أكد سابقاً أن بيليه قطعة من المتحف فقط!

غريب الأطوار

تألق بيليه المذهل في المستطيل الأخضر رافقه تصرفات غريبة خارجه خصوصاً في مجال التصريحات الصحفية، فالجوهرة السوداء اشتهر على مدى بطولات كأس العالم بتوقعاته البعيدة عن المنطق والتي كان يحاول من خلالها لفت الأنظار والتي كان أبرزها توقعه تتويج كولومبيا بلقب مونديال عام 1994 لكنها حينها ودعت المنافسات من الدور الأول.

أما التصريح الأشهر للأسطورة البرازيلية فكانت مقولته الشهيرة: “الأفضل في التاريخ؟ إنه سؤال يصعب الإجابة عليه، لا يمكننا أن ننسى زيكو ورونالدينيو ورونالدو، وأسماء أخرى في أوروبا مثل بيكنباور وكرويف، ولكنني أعتقد أن بيليه أفضل من الجميع، أقول ذلك لأن الجميع يقارنونهم بي، هي ليست مقارنة من صنعي، ولكنهم هم من يقومون بمثل هذه المقارنات بين لاعبين من أجيال مختلفة”.

أوروبا وأمريكا!

المتابع لمسيرة بيليه خلال فترة لعبه الممتدة لثلاثة عقود سيكون أمام سؤال كبير لماذا لم يحترف في أوروبا رغم نجوميته وتألقه، هذا السؤال أجاب عنه الجوهرة السوداء بنفسه قائلاً:” عدة فرق كبرى في أوروبا -بما في ذلك ميلان وريال مدريد- قدمت عروضاً لي على مر السنين، لكن لم أفكر أبداً في اللعب بجدية خارج البرازيل، أفضل راحتي قبل كل شيء كانت لدي أسبابي، أحببت الأرز بالفاصوليا الذي كانت تصنعه والدتي وشعرت بالراحة والسعادة في بلدي، كانت والدتي وأبي يعيشان على بعد أمتار قليلة مني، وكانت درجة الحرارة لا تزال 25 مئوية والشاطئ رائعاً”.

طبعاً بيليه اضطر في نهاية مسيرته للانتقال من ناديه سانتوس للعب في الدوري الأمريكي وتحديداً لنادي نيويورك كوزموس ليسهم في زيادة شعبية اللعبة هناك ويحقق نجاحات رياضية ومالية في تجربته التي امتدت لثلاثة مواسم.

الرحلة الأخيرة

وكحياته التي كانت مليئة بالتفاصيل المثيرة ظهرت جنازة بيليه التي استمرت لـ 24 ساعة كاملة أمس الأول، فلم يدفن بيليه تحت الأرض كما هو معتاد بل دفن وحسب اختياره هو في مقبرة عامودية تقع في الطابق التاسع من مبنى فخم يطل على ملعب “سانتوس”، حيث تألق وحظي بأكبر النجاحات في عالم كرة القدم.

بيليه اختار أن يدفن في الطابق التاسع من “المقبرة العامودية” تكريماً لوالده “دوندينيو” الذي كان لاعبا لكرة القدم كذلك، واعتاد أن يرتدي القميص رقم 9 دائماً.

ومر مئات آلاف الأشخاص أمام نعشه الذي وضع في قلب ملعب سانتوس لمدة 24 ساعة قبل أن يتم اصطحابه إلى الجنازة الخاصة في تابوت مطلي بالذهب، وستغطي لافتة ضخمة مكتوب عليها “يعيش الملك بيليه 82 عاماً” جزءاً كبيراً من أحد مدرجات الاستاد الذي لعب فيه الأسطورة البرازيلية معظم مشواره الكروي.