شجون الكرة السورية على بساط البحث…لنصل إلى المونديال نحتاج إلى المال والملاعب والعقلية الاحترافية
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
التصريحات التي أدلى بها رئيس اتحاد كرة القدم صلاح الدين رمضان لبعض وسائل الإعلام مؤخراً وضعت كرتنا في صورتها الحقيقية وأعطتها الحجم الطبيعي التي تعيش فيه، وكانت تصريحاته على مبدأ لا إفراط ولا تفريط، فلم يكن متفائلاً إلى حد اللامعقول ولم يكن متشائماً إلى حد الفشل والانكسار.
والحقيقة التي يعرفها البعض أن اتحاد كرة القدم يعيش أزمات داخلية كثيرة ربما في أهمها موضوع المال الذي ما زال عسيراً سواء المال المجمد في بنوك الاتحادين الدولي والآسيوي أو المال المحلي الذي لا يكفي رواتب الموظفين.
وإضافة لذلك هنالك مشاكل داخلية عديدة لسنا بصدد استعراضها فهذا ليس وقتها الآن.
لكن كيف لنا أن نتصور أن اتحاد كرة القدم قادر على البناء والنهوض ومازال يعالج مشاكل سابقة ومشاكل آنية، ولم تتح له الظروف حتى الآن ليفكر بخطط المستقبل لأنه لم ينه حل المشكلات والمعضلات التي تعترضه.
الأزمة المالية
الأزمة المالية التي تمر بها الكرة السورية ليست وليدة اليوم، بل قديمة ولكنها تتنامى موسماً بعد آخر، وذلك بسبب الفهم الخاطئ للاحتراف والإنفاق دون أي حساب أو أدنى تفكير.
والصورة اليوم أن كل الأندية تحشد كل طاقاتها المالية من أجل فريق رجال كرة القدم للفوز ببطولة الدوري، وللأسف فإن الفائز في البطولة فريق واحد، وهذا يعني أن بقية الأندية أضاعت أموالها دون أي فائدة تعود على كرة النادي، والسبب أن الأندية تنفق على موسم واحد كل مالها فتتعاقد مع لاعبين بأسعار خيالية وتدفع الرواتب وثمن التجهيزات والمستلزمات ونفقات المباريات، وعندما ينتهي الموسم ينتهي كل شيء، لأن هذه الأموال لم تدفع في بناء كرة القدم ولم توظف بالشكل الصحيح، وإنما أنفقت من أجل مباريات معدودة وموسم محدد، وعندما يطل الموسم الجديد تعود القصة من جديد.
وأمام هذا المشهد فإن فريق حطين على سبيل المثال عندما تخلى عنه داعموه كاد أن يهبط إلى الدرجة الأدنى وهو بالكاد يتابع موسمه بما حضر من لاعبيه وبما تيسر من بعض اللاعبين الآخرين من خارج النادي، والحديث عن معاناة حطين هذه تنطبق هذا الموسم على فريق الوحدة الذي يعيش ضائقة مالية هي الأكبر منذ ثلاثة عقود، ولم يتسن للإدارة تجهيز فريق منافس بعد أن هجر أغلب لاعبيه النادي لأسباب مالية وإدارية وفنية، لذلك يدفع النادي الآن ضريبة سوء الإدارة في السنوات السابقة، ولو كان التخطيط والإنفاق على البناء لما احتاج النادي اي لاعب من خارج أسواره ولما وقع في العجز المالي.
ونحن هنا نستشهد بناديين كبيرين لهما جمهورهما وتاريخهما، فأهلي حلب (مثال آخر) وهو من أكبر الأندية سمعة وحضوراً وهو ركن من أركان الكرة السورية يعيش حالة من الفوضى والاضطراب وفي كل موسم نسمع عن مشاكل استثمارية وضائقة مالية و(كركبة) إدارية حتى يتدخل الداعمون والمحبون آخر الوقت لينقذوا النادي من أزمته.
الصورة عند بقية الأندية ضبابية والدوري صار مرهقاً للعديد من الأندية كالساحل والنواعير والشرطة وحرجلة وعفرين والمحافظة فلم تستطع الحفاظ على مقعدها بين فرق الدوري الممتاز فهبطت غلى الدرجة الأدنى، وغيرها من أندية الممتاز بالكاد تدبر أمورها ولم يمض من الدوري أكثر من ست مراحل.
وصورة الدوري في الدرجة الأولى تبدو أسوأ بكثير ورغم أن الدوري (مضبضب) بعدد مبارياته إلا أن العديد من الفرق بدأت تئن من مصاريف هذا الدوري ونفقاته، ونسمع عن فرق تبحث عن متبرعين وداعمين وخصوصاً أن بعض لاعبي هذه الفرق توقف عن التمارين لعدم وجود المال المتفق عليه.
فكر خاطئ
أمام هذا الوصف والاستعراض نجد أن كرتنا في أزمة كبيرة، لأن أوضاعها المالية صعبة وكرة القدم لا تتطور بدون المال، وكل ما يجري في الأندية مصبه في اتحاد كرة القدم، فإذا كان العمل جيداً انعكس هذا الأمر على اتحاد الكرة وعلى المنتخبات الوطنية.
أنديتنا ما زالت تدور في دائرة ضيقة ولا تحاول الخروج منها، وهذه الدائرة هي الاحتراف الأعوج المطبق في كرتنا، وتبين لنا بعد عدة مواسم أن الفكر الذي يقود الكرة في الأندية هو الأعوج، لأن الاحتراف يمكن أن تديره كما تشاء، فمن هذا المنطلق نقول ماذا استفادت أنديتنا من الاحتراف التي تسير عليه؟
الفائدة معدومة والدليل أنها ما زالت بحاجة إلى لاعبين من خارج أسوارها وأن قواعدها في خبر كان، وهذا الكلام بشكل عام وقد لا يسري على جميع الأندية.
كل الإيرادات تنفق على فرق الرجال، بينما لا يتم الاهتمام بالقواعد والعمل على رعايتها والنهوض بها، فريق الفتوة بلا شباب وكل لاعبيه مستوردين من الأندية الأخرى، وليس لديه لاعبين من أبناء النادي، والمجموعة التي كانت تنتمي لنادي الفتوة بلغت سن الاعتزال وهي موزعة على الأندية، هذه الصورة قاتمة للمستقبل، فإذا كانت القدرة المالية للنادي تساعده على شراء خمسة عشر لاعباً، فهل سيستمر في ذلك في السنوات القادمة، وإذا سألنا عن فرق القواعد فهي في خبر كان! لذلك فإن تجربة الاحتراف في نادي الفتوة وغيره من الأندية تجربة فاشلة لأنها تعتمد على اللاعب الجاهز.
وإذا كانت أنديتنا لا تتقن صناعة اللاعبين في القواعد فإن مستقبلها الكروي في خطر، لذلك من المفيد أن تعيد أنديتنا النظر بفرق قواعدها وأن تتبنى المواهب والخامات حتى تكون قادرة على السير بنهج صحيح بكرة القدم.
عجز خططي
أمام هذا الواقع الضبابي فإن اتحاد كرة القدم ينظر إلى لعبته بعين الشفقة والأسى، فالعلاقة بينه وبين أنديته علاقة فنية تنظيمية ولا يستطع أن يتدخل بشؤون الأندية المالية أو في سياساتها الفنية، وسمعنا أن اتحاد كرة القدم حدد السقف الأعلى للعقود مع اللاعبين بأربعين مليون ليرة، لكن الأندية تجاوزت هذه الأرقام بكثير، بل إن أحد الأندية دفع مبلغ ستمئة مليون ليرة لأحد لاعبيه!
يقول رئيس اتحاد كرة القدم تعليقاً على هذه العقود المبالغ فيها: لا نعرف أنديتنا إلى أين تسير، وعندما حددنا مبلغ العقود من باب الحرص على أنديتنا ولأن لاعبينا يبالغون بسقف عقودهم ويغالون بها كثيراً، والمشكلة إن الأندية ترضخ لكل الطلبات ولا تنظر إلى مستوى اللاعب وهل يستحق ما يطلبه!
ويضيف: عندما تقع مخالفة مالية على ناد تقوم الدنيا ولا تقعد، وعند اقتطاع نسبة اتحاد الكرة من العقود فإن الأندية تشتكي وتئن من الضائقة المالية، فهل الضائقة المالية تصبح حاضرة عند مطالبات اتحاد كرة القدم، وعند توقيع العقود يكون النادي في بحبوحة؟
من جهة أخرى فإن هذه السياسة الكروية العشوائية أفسدت كل خطط اتحاد كرة القدم وبرامجه التطويرية لأسباب مالية، فالأندية تطالب بشكل دائم بتخفيف العبء واختصار المسابقات والنشاطات حتى لا تتكلف مبالغ إضافية.
اتحاد كرة القدم كان يخطط لتقوية دوري الدرجة الأولى وجعله على مجموعتين كل مجموعة تضم 12 فريقاً، وفي ذلك أفضل وأقوى ويساهم في رفعة المستوى الفني للفرق وللدوري ويصبح أكثر نضوجاً ورقياً، لكن كل فرق الدوري احتجت واعترضت بسبب المصاريف المالية التي ستتكبدها جراء نظام الدوري الجديد، وأمام إصرار هذه الفرق بقي هذا الدوري يماثل دوري الأحياء الشعبية، وهذه أول خطوة وفكرة لاتحاد كرة القدم فشلت.
دوري شباب الممتاز كان دورياً كاملاً، لكنه انقسم هذا الموسم إلى مجموعتين بطلب من الأندية لتخفيف المصاريف، وهنا نسأل: كيف تكون الأندية قادرة على دفع مئة مليون أو مئتين للاعب واحد وغير قادرة على توفير نفقات فريق الشباب التي لا تعادل قيمة عقد أحد لاعبيها؟
وهذه نكسة جديدة تعرض لها اتحاد كرة القدم فبدل أن يتقدم خطوة للأمام تراجع خطوات لأن الأساس في العملية التطويرية هي القواعد وفرق الشباب والبراعم.
من البرامج التي لم تر النور دوري تحت الـ 23 سنة المزمع إقلاعه بداية العام الجديد، لكن هذا الدوري فشل قبل انطلاقه لأن الأندية لم تعره اهتمامها ولم تبادر إلى تحضير فرقها فمات في المهد!
رئيس اتحاد الكرة أوضح في هذا المجال أن أفضل برنامج لتطوير كرة القدم في سورية بشكل عام ولكل الفئات هو دوري المحافظات وخصوصاً بالفئات العمرية، هذا الدوري سيجمع نخبة اللاعبين في كل محافظة وسيجعل التنافس كبيراً بين اللاعبين ليكونوا بعداد هذا المنتخب الذي يؤهل اللاعب فيه إلى المنتخب الوطني، وهو من جهة أخرى سيحرك النشاط الكروي في المحافظة الواحدة من خلال دوري، لكننا اصطدم المشروع برد اللجان التنفيذية في المحافظات التي اعتذرت عن تحقيق هذه الفكرة لعدم وجود ميزانية لتطبيقها.
لذلك نجد أن الأموال هي العقبة في سبيل تحقيق أي برنامج كروي أو أي نشاط أو أي عمل يقود كرة القدم السورية نحو الأمام، وبناء عليه ( الكلام لرئيس الاتحاد) فإن اتحاد كرة القدم وضع ميزانية مالية لحسن تطبيق هذه البرامج كلها ويبحث عن ممولين حكوميين ومن جهات اقتصادية وتجارية لدعم هذه المشاريع التي عجزت كرتنا عن تمويلها.
عقبة الملاعب
العقبة الرئيسية الأخرى التي تعترض كرة القدم هي الملاعب، وملاعبنا للأسف تقع عائقاً أمام تنفيذ برنامج المسابقات الرسمية، وللأسف تعطل الدوري قبل شهر بسبب عدم جاهزية الملاعب، وأغلب الأحيان تقام المباريات على ملاعب غير صالحة قد تكون متصحرة أو طينية وهذا يحدث في دوري الدرجة الممتازة، أما بقية الدرجات والفئات فحدث ولا حرج.
الملعب هو الركن الركين في كرة القدم ودون ملعب صالح وقانوني لا يمكن أن تتطور كرة القدم، في البلاد الأخرى القريبة من بلادنا تجد ملاعب خاصة بالمنتخبات الوطنية وملاعب خاصة بالمسابقات الرسمية وملاعب خاصة بالأندية تتمرن عليها وتستعد وتلعب.
هذا هو جزء من مشاكل كرة القدم في بلدنا، نحتاج المال الذي تتطلبه كرة القدم ونحتاج العقلية الاحترافية التي تقود الكرة في الأندية وهي معقل كرة القدم ومصنع لاعبيها، ونحتاج إلى الملاعب الصالحة، وهذا غيض من فيض فهناك أشياء أخرى ضاق المجال هنا لذكرها، وعندما تتوفر هذه المقومات والأركان يمكن لكرتنا أن تخرج من عزلتها ويمكن لمنتخباتنا أن تتأهل إلى المونديال العالمي وأن تبصم فيه.