السرايا الحكومي في السويداء.. ذاكرة تخلد بطولات أبناء الجبل
البعث الأسبوعية – رفعت الديك
يتربع مبنى السرايا الحكومي في وسط مدينة السويداء مشكلة صلة وصل هامة بين الماضي والحاضر حيث يمتد في التاريخ لأكثر من مئة عام زمنياً ويمتد في الذاكرة لعدة أجيال معنوياً وهو الشاهد للعديد من الأحداث التاريخية الهامة التي مرت على المحافظة والوطن.
شرفة المبني شهدت وقوف قادة عظام خاطبوا من خلالها أبناء المحافظة ليسجل المكان لحظات لا تنسى، ففي الثامن والعشرون من تشرين الثاني عام ٢٠٠٦ وقف السيد الرئيس بشار الأسد على شرفة المبنى وخاطب أبناء السويداء قائلاً: “أنتم الصخرة الأقوى في القلعة السورية العصية على الاختراق”
وفي عام 1970 وفي نفس المكان وقف القائد المؤسس حافظ الأسد مخاطباً الجماهير المحتشدة وقال: “أنتم الطليعة الثورية في معارك التحرير ضد المستعمرين”.
وقبل ذلك بعشر سنوات، عام ١٩٦٠ وقف الرئيس جمال عبد الناصر والمغفور له سلطان ألأطرش على شرفة السرايا حينها قال عبد الناصر: “هذا هو الشعب الذي أذل الجيش الفرنسي المستعمر في ملحمة المزرعة”.
والعودة أكثر إلى ذاكرة المكان وقف على شرفة السرايا عارف النكدي وفوزي القاوقجي يودعون كوكبة معروفة أصيلة قبل مغادرتها إلى فلسطين وحمايتها من المد الصهيوني واستشهد منهم 100 شهيد في جيش الإنقاذ، وقال القاوقجي حينها: “سواعد الرجال الذين حطموا أسطورة الجيش الفرنسي قادرة على مواجهة الصهاينة”.
وبالتعمق أكثر في التاريخ شهد السرايا عام 1937 أول استقبال مهيب لمجاهدي الثورة السورية القادمين من الصحراء السعودية حيث أطل المجاهد سلطان باشا الأطرش وأركان الثورة حسين مرشد ويوسف العيسمي وعلي الملحم وقاسم أبو خير ومحمد عز الدين وعقلة القطامي وعلي عبيد وغيرهم وصوت المذيع القادم من دمشق يصدح ترحيباً وإعجاباً بالرجال الذين صمدوا وصبروا.
وفي كل مرة من تلك المحطات التاريخية كانت الأمواج البشرية الهادرة المحتشدة في المكان تبادل تلك الكلمات المفعمة بالوفاء لنضال هذا الشعب والبطولات التي قدمها في كل مرحلة من مراحل تاريخ الوطن بالعهود الوطنية واستمرار التضحية في سبيل الوطن وعزته وكرامته ووحدته.
إذاً مبنى السرايا الحكومي ليس مجرد بناء لتسير أمور المواطنين وممارسة المهام الوظيفية للمكتب التنفيذي بل يختصر تاريخ كامل حيث يعكس في هندسته حقبة تاريخية مهمة، وإن بان ظاهرياً اليوم كمبنى حديث إلا أن بناءه يصنف كنمط معماري يعود إلى عام 1924، أي قبل ما يقارب قرن من اليوم وقد أخذ صفة التميز بالمنظر الجمالي لأهمية موقعه الجغرافي، وإقبال الناس عليه ورمزيته باعتباره المكان الذي استقبل فيه الأهالي الثوار بعد عودتهم من المنفى أما الطريقة الهندسية التي بني فيها فهي واضحة المعالم وتنم عن علاقة ترابط بين المبنى والمجتمع، والأهم أن بناءه تم بسواعد أهالي الجبل، ولكن لم يكن البناء وتنفيذه بعيداً عن العلم، فالمكان جهز وفق مخططات هندسية علمية، وشيد بجانبه متحف حمل أهمية بالغة.
وفي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، عندما تسلم المهندس الراحل “إبراهيم هنيدي” مهامه محافظاً في “السويداء”، قام حينها ببناء الطابق الثالث وفق الرؤية الهندسية التي شيد بها الطابقان في الأساس، لأن بناء السرايا أو الحكومة بالبداية أقيم على طابقين، بحيث ضم جميع دوائر الدولة والمحاكم القضائية، وبعد التوسع الإداري والعمراني، خلصت المحافظة إلى مجموعة إدارات خدمية ومجلس محافظة والمكاتب التنفيذية، إضافة إلى مكتب المحافظ وغيرها من الإدارات المالية والإدارية.
ويتكون مبنى المحافظة اليوم من مجموعة مكاتب لأعضاء المكتب التنفيذي للمحافظة، إضافة لمكاتب أخرى للدوائر التابعة، إضافة لأخرى مخصصة لمجلس المحافظة.
وإذا كانت عملية حرق مبنى السرايا الحكومي قبل عدة أيام مدبرة ومقصودة فإن ذلك يعود لرمزية هذا المكان الوطنية في محاولة يائسة من بعض المتآمرين لقطع أواصر هذه الذاكرة ولكن المتابع لحراك أبناء السويداء منذ اللحظات الأولى عبر بدء جمع التبرعات وتشكيل فرق تطوعية لترميم المكان وإزالة آثار الاعتداء يشكل خير دليل على تمسك أبناء الجبل بإرثهم التاريخي المستمد من حضارات متعاقبة وفي كل مرحلة كان لهم فيها بصمتهم فإن الجيل الحالي لا يقل تمسكاً بهويته وحضارته الوطنية والقومية فنجد ما وصفهم به سيد الوطن بأنهم الصخرة الأقوى هو المرشد لهم وبوصلتهم.