مجلة البعث الأسبوعية

تكثر فيه الحسنات وتقل السيئات .. الظرف المعيشي الصعب لم يغيّر عادات شهر رمضان بين السوريين

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

شهر رمضان المبارك شهر الخير والبركة ، شهر الكرم، شهر “تعمّ فيه البركات وتكثر فيه الحسنات وتقل فيه السيئات والخطايا”،  فدائما يحرص السوريون فيه على مسامحة ومساعدة بعضهم لإيمانهم بروحانية الشهر الفضيل الذي يعمل على تصفية القلوب، حيث تفتح فيه أبواب الرحمة والمغفرة.

تقاليد مميزة

وبالرغم من الظرف المعيشي الصعب الذي يعاني منه غالبية السوريين نتيجة محدودية الراتب وغلاء الأسعار، لكن ذلك لم يؤثر كثيراً على عادات وطقوس رمضان إذ ما زال يحرص أهالي سورية في كل أرجائها على إحيائها، فهي تمثل تراث الأجداد العريق الذي لا يموت أو يندثر، بل مورث حي تتناقله الأجيال على مر الزمن ومن هذه العادات الجميلة:

سكبة رمضان

هذا التفليد ما زال قائماً رغم غلاء أسعار المواد الغذائية، فقبل الإفطار تجد الأهالي يرسلون لبعضهم ما أعدوه من أطعمة شهية كالكبة والكوسا محشي ورق العنب وغيرها من الماكولات اللذيذة التي تنتشر روائحها الطيبة في أرجاء البيوت، وبرأي أبو محمود أنه وعائلته لا يشعرون بلذة طعام الإفطار إن لم يتذوقه جيرانهم، ولو كانت السكبة صحن فول باللبن والطحينية أو حمص، ولم يخفِ هذا الرجل أن غلاء الأسعار أثر كثيراً على المائدة الرمضانية، وجعلها فقيرة بما لذّ وطاب، فقبل سنوات الحرب كانت الأسر تطبخ بكميات كبيرة من أجل إطعام الجيران الفقراء وكل المحتاجين.

الحكواتي والمسحراتي

لم تستطع القنوات التلفزيونية الفضائية ولا مواقع التواصل الاجتماعي وكافة تقنيات الاتصال الحديثة أن تجبر حكواتي رمضان على الاعتزال، فغاية اليوم لا زال الحكواتي بلباسه التراثي الجميل له صدر المقاهي الشعبية منها والسياحية يروي أجمل قصص عنترة وعبلة وقيس وليلي، وحكايا أخرى تشيد بمآثر وبطولات أجدادنا على مر العصور، واللافت أن الجمهور يتفاعل معها بشكل كبير، لدرجة أنهم يضعون هواتفهم النقالة على الوضع الصامت حتى لا تشغلهم عن متابعة أدق التفاصيل، ويروي أحمد إسماعيل /معلم مدرسة/ أن ولديه الصغيرين يتابعان بشغف قصص الحكواتي ويطلبان منه الحضور يومياً، وعندما يعودون إلى البيت يقومون بتقليده مما يضفي الكثير من السعادة والبهجة بين أفراد العائلة.

يا نايم وحّد الدايم

وذكر الشيخ أحمد من حي الميدان الدمشقي أن القاطنين يحرصون على النوم قبل منتصف الليل حتى يستيقظون على صوت المسحراتي وهو ينادي “اصحى يا نايم وحّد الدايم”، مؤكداً أن المسحراتي ما زال حاضراً في عدد من حارات دمشق القديمة وغيرها من المدن السورية يجذب اهتمام الصائمين واحترامهم وتقديرهم وهو يطرق على “الدف” منشداً بعض الأناشيد والأدعية الخاصة برمضان قبل آذان الفجر لإيقاظ الصائمين لتناول السحور، مشيراً إلى أن المسحراتي يحصل على عيدية من أهالي الحي في نهاية شهر الصوم تقديراً لجهوده.

(بالمناسبة تذكر كتب التاريخ أن أول من نادى بالتسحير هو عنبسة بن اسحاق ســنة 228 هـ وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر التي بناها العباسيون في مصر إلى جامع عمرو بن العاص).

صلة الرحم

دائماً ما يشكل شهر رمضان فرصة يجتمع فيها أفراد العائلة الواحدة، كما يشهد الشهر الفضيل زيارات كثيفة للأقارب والأصدقاء يتشاركون معاً في تحضير الإفطار وسط طقوس جميلة تجعل الكل في حالة من الفرح تنسيهم ما يعانونه من آلام الوضع المعيشي، وتصف السيدة أم نوار سهرات لمة العائلة “بالأكسجين” الذي ينعش الروح ويقوّي أواصر المحبة، مشيرة إلى أن ابنها الوحيد المغترب يحرص دائماً على القدوم إلى سورية ويبقى طوال شهر رمضان مع عائلته، ومثله الكثير من السوريين الذين باعدت بينهم الحرب الظالمة وظروف الحياة الصعبة، لكن في شهر رمضان تتيسر الأمور ويكبر الأمل بأن تعود الأيام الخوالي.

موائد الرحمن

لا خوف على الفقراء في رمضان، فأهل الخير من أفراد مقتدرين مادياً وجمعيات خيرية تعمل طوال الشهر على توزيع وجبات الافطار، سواء في الجوامع، أو إرسالها إلى البيوت، بالإضافة إلى وجود مطابخ جوالة ضمن الأحياء الفقيرة لتقديم الطعام والمعونات الغذائية للأسر المحتاجة وحتى المالية، وتؤكد السيدة عروبة (عضو في إحدى الجمعيات الأهلية الخيرية) أن الجمعية تقيم طوال أيام الشهر مطبخ رمضان الخيري، حيث يوزعون وجبات إفطار على عدد من العائلات تم التعرف عليها وحصرها في عدة أحياء، مشيرة إلى أن الجمعية تتلقى يومياً دعماً من جهات عديدة أفراد ومؤسسات يتبرعون لصالح المطبخ مما خفف الكثير من الأعباء على الأسر الفقيرة في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة.

قمر الدين والعرقسوس

من يتجول في شوارع الأحياء في دمشق القديمة وحتى في ريفها لا بد أن يلفت انتباهه باعة العرقسوس والتمر هندي والجلاب وتحضير شراب البرتقال والليمون، منها ما يكون جاهزاً ومنها يتم تحضيره مباشرة أمام المارة قبل وجبات الإفطار.

يقول أبو أحمد بائع العرقسوس الذي يتميز بلباسه الفلكلوري (صدرية مزركشة وشروال أسود واسع، طربوش أحمر) أنه يعمل في هذه المهنة المحببة لديه منذ أكثر من /30/ عاماً  وهي مصدر رزقه وخاصة خلال شهر رمضان، مشيراً إلى وجود إقبال كبير على هذا المشروب، وأنه يشعر بالمتعة وهو يصنعه وبيعه بأسعار مناسبة إكراماً لشهر الصوم.

كما ينتشر في شوارع المحافظات والمدن السورية باعة القطايف والمعروك المحشو بالتمر وجوز الهند واحياناً بالراحة وهو من الحلويات الرمضانية المفضلة التي يقبل الصائمين على شرائها لتزين موائد الإفطار والسحور.

ونحن نتحدث عن أكلات وحلويات رمضان لا بدّ أن نشير إلى خبز رمضان الناعم الذي يباع بشكل ملحوظ في الشوارع والأسواق وهو عبارة عن رقائق من العجين على شكل أرغفة خبر، تقلى بالزيت ويوضع عليها دبس العنب، أو التمر.

بالمختصر، هذا غيض من فيض العادات السورية الجميلة في شهر رمضان المبارك التي يحرص السوريون على التمسك بها واستمرارها رغم ظروفهم الصعبة بسبب انخفاض القوة الشرائية لليرة ، وتقلبات أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وكلهم أمل بأن القادم أفضل وبعون الله ستعود أيام رمضان وسهراته وكل طقوسه الجميلة كما كانت سابقاً.