ذبابة “الجندي الأسود”.. مشروع قيد الدراسة والتنفيذ كبديل علفي وسماد زراعي
على الرغم من كثرة الدراسات والاقتراحات لتخفيف تكاليف تربية الثروة الحيوانية عموما والدواجن خصوصاً، إلا أننا لم نجد حتى اليوم ما يوحي ببدء تطبيق الرؤى التي يطلقها العديد من الخبراء بين الفينة والأخرى من قبل المعنيين على أرض الواقع، ولعل أبرز ما تم الحديث عنه مؤخراً هو تربية وإكثار “ذبابة الجندي الأسود” المتواجدة في بيئتنا السورية للاستفادة من يرقاتها البالغة، كبديل علفي وسماد زراعي يسهم في تخفيض استهلاك الأعلاف المستوردة وبالتالي ينعكس إيجابياً على الثروة الحيوانية والبيئة.
جندي جسور
البداية، كانت عندما أطلق الخبير بالشؤون الزراعية والبيئية، ربيع أزهري، حملات واسعة في سورية منذ عدة أعوام للتعريف بذبابة الجندي الأسود بعد أن اطلع على ثقافات بيئية وزراعية عديدة في آسيا، فأوضح خلال تلك الحملات أن الذبابة هي جندي “صنديد” يحارب ارتفاع الأسعار ويخفض تكاليف تربية الدواجن والأسماك والطيور والمجترات عند استخدام يرقاتها كبديل عن كسبة الصويا أو بودرة السمك فهي تسهم في زيادة مناعة الحيوانات التي تتغذى عليها وبالتالي التقليل من الأمراض أو استخدام الأدوية البيطرية غالية الثمن، إلى جانب توفير القطع الأجنبي من عملية الاستيراد المرهقة لخزينة الدولة.
منتج محلي
الطبيب البيطري والمدرس في المعهد التقني للطب البيطري في جامعة تشرين علي مطيع زعبي، أكد أنه أثناء تحليل عينة من يرقات الذبابة في معمل للتحاليل الطبية في حماه تبين أن نسبة البروتين تشكل نحو 60 % وقد تصل إلى 90% عند القيام بعصرها واستخراج الدهون منها إذ تشكل نسبة الدهون 20%، كما تحتوي اليرقات على نسبة عالية من الأحماض الأمينية والعناصر المعدنية، وعادة يتم استخدام ما يزيد عن 25 % من مادة الصويا المستوردة للدواجن فلماذا لا نستخدم منتج محلي متوفر وسهل بأرخص الأسعار ؟!
واعتبر زعبي أن الدجاج البلدي لا يقل أهمية عن البيّاض فهو منتشر في جميع أرياف سورية لذلك هناك حرص على نشر هذا الموضوع بالقرى عن طريق تعليم المربي طريقة تربية وإكثار الذبابة، كل في مزرعته، وكذلك مربو الأسماك للاستغناء عن مخلفات الفروج والجيف التي يضطر إطعامها لأسماكه.
تكاليف بسيطة
وبالنسبة لتكاليف تربية ذبابة الجندي الأسود على المستوى المنزلي هي عملية بسيطة وغير معقدة بحسب ما ذكر أزهري، فهي لا تحتاج سوى لبعض العبوات البلاستيكية وبعض القمامة المنزلية من بقايا المطبخ أو الفواكه والخضار إضافة إلى “ناموسية” على شكل مكعب، وبين أنه قام بالتجربة عدة مرات في مزرعته الخاصة في اللاذقية وتم تقديم العلف العضوي لـ 350 دجاجة بياضة من الذين تم تنسيقهم في المداجن لتوضح النتائج عودة الدجاج لإنتاج البيض بنسبة جيدة وعودة النشاط له، كما تم معاودة التجربة على الدجاج البلدي وكانت نتائجه مذهلة، وسيتم العمل على كميات أكبر خاصة وأن كل ذبابة من الجندي الأسود تبيض بين 600 إلى 900 بيضة في كل دورة حياة لها و البالغة نحو 45 يوماً.
صديقة للبيئة
وأوضح أزهري أن ذبابة الجندي الأسود لا تتواجد ضمن التجمعات السكنية والبشرية لأن بيئتها المناسبة هي البيئة التي تحتوي على النفايات العضوية، وهذا يؤكد عدم نقلها للأمراض كذبابة المنزل أو البعوض خاصة وأنه لم يلحظ أية أضرار لوجودها من خلال الدراسات والأبحاث التي تبنتها جامعات ومراكز بحوث عالمية وهامة وبالتالي فهي حشرة صديقة للبيئة إضافة إلى أنها لا تمتلك جهاز للدغ في كافة أطوارها، كما أنها تتغذى على يرقات ذبابة المنزل والحشرات الأخرى كونها أقوى منها بيئيا وهذا يسهم في القضاء على الحشرات الناقلة للأمراض.
حل استراتيجي
يؤكد أزهري أن النفايات من أكبر المشاكل التي تعاني منها غالبية دول العالم لجهة تخلصها منها بشكل آمن وغير مكلف وهذا يتطلب وجود حل استراتيجي يتمثل بالاعتماد على هذه الحشرة فهي تتغذى على النفايات العضوية المتعفنة والقابلة للتحلل سواء من مخلفات البيوت أو المطاعم أو بقايا مواسم الحقول والمذابح وأسواق الخضار، كما أنها تستهلك ضعفي وزنها من النفايات العضوية يومياً دون تكاليف تذكر وبطرق آمنة، وكونها تحتاج لتلك الكميات الهائلة فمنطقياً سيكون لها مخرجات كبيرة بحجم شراهتها للطعام وهذه المخرجات تعتبر أنقى وأرقى سماد عضوي للمزروعات.
اهتمام حكومي
أشار كل من الأزهري والزعبي إلى أن المشروع لاقى استحساناً كبيراً لدى الجهات المعنية، ومؤخراً وأثناء زيارة وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا في شهر كانون الأول الفائت تم عرض المشروع عليه وطلب الموافقة على ترخيصه أو السماح لهم بالإنتاج ضمن الشروط القانونية، وأبدى وزير الزراعة اهتمامه مؤكداً أنه سيتم التوجه لتشكيل لجنة من الهيئة العليا للبحوث الزراعية للوقوف على هذا الأمر ومتابعته بشكل عملي.
ولفت أزهري إلى اهتمام كافة المعنيين بالمشروع حيث تم القيام بعدة ندوات وحوارات في جامعة البعث وجامعة المنارة وأكساد، كما تم موافقة برنامج منظمة الأمم المتحدة الإنمائي undb على تبني وتمويل المشروع في سورية وهو في المراحل الأولى من التنفيذ، أما أكساد فقد اشترطت موافقة الحكومة لبدء العمل بالمشروع ضمن منشآتها وأخيراً تم تقديم طلب لهيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وسيتم الترخيص قريبا مع دعم لمدة 5 سنوات.
ذكاء أسعد