بايدن يدمر أوكرانيا والولايات المتحدة
سمر سامي السمارة
لم تعد عملية موسكو الخاصة في أوكرانيا، لتحريرها من نظام كييف الإجرامي، خطاً فاصلاً بين روسيا والولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين الذين وقفوا علناً للدفاع عن النازية الجديدة التي أعادوا إحياءها في السنوات الأخيرة، بل وأظهرت أيضاً الخسائر التي يتكبدها الأمريكيون والأوروبيون والتي يستعد البيت الأبيض لتحملها اليوم لتلبية أهداف النخبة السياسية والعسكرية الأمريكية الفاسدة.
ومن المعروف أن أي عمل عسكري يتسبب دائماً في مقتل، ومعاناة الآلاف من المدنيين العالقين في فخ القتال، لكن هذه الأحداث نفسها هي التي تزيد ثراء من يسمون “رعاة” أي عمل عسكري بمليارات الدولارات. وفي الحقيقة، الأمثلة ليست بعيدة، فلو فكرنا مجرد التفكير في الحروب الأخيرة التي شنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأفغانستان، لوجدنا أن مئات الآلاف من المدنيين يلقون حتفهم بينما يزداد ثراء الجيش الأمريكي والنخبة السياسية بمئات المليارات.
وما أشبه اليوم بالأمس، فما يحدث أمام أعين العالم في أوكرانيا، كان البيت الأبيض أو بالأحرى الحزب الديمقراطي الأمريكي، يحضر له منذ سنوات عديدة لشن مواجهة عسكرية مع روسيا. وعلى الرغم من أن الجميع كان يدرك جيداً أنه حتى مع دعم ما يسمى بـ “الغرب الموحد”، فإن نظام كييف الفاسد لا يمكنه أبداً توقع النصر “على موسكو” وهو ما وعدت به الدعاية الأمريكية الكاذبة.
منذ بداية العملية العسكرية الروسية، أشار العديد من السياسيين والمحللين في صفحات المنشورات الشعبية مثل “نيوزوويك” وموقع “برايتبارت” والعديد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية صراحةً إلى افتقار كييف الواضح لـ “احتمالات الانتصار”، كما اتهموا واشنطن بإطلاق العنان لمواجهة مسلحة مع موسكو واستخدام أوكرانيا لهذا الغرض، معترفين بأن الدعم المالي والعسكري الأمريكي الهائل سمح لأوكرانيا بتجنب الهزيمة فقط في الأيام الأولى للعملية الخاصة الروسية. فضلاً عن أنهم يعتقدون أنه بدون هذه “المساعدة”، كانت الأمور ستأخذ منعطفاً مختلفاً تماماً في بداية العملية الخاصة، بما في ذلك الفوضى داخل الناتو. وحتى الخبراء العسكريون الأمريكيون يعترفون بذلك، ومن بينهم ويليام أستور، أستاذ التاريخ السابق في أكاديمية القوات الجوية الأمريكية، الذي أشار إلى أنه لولا الأسلحة والأموال الأمريكية، لهزمت القوات الأوكرانية مرة أخرى في الصيف.
ويؤكد أستور أن 100 مليار دولار التي يتم ضخها في أكثر دول أوروبا فساداً، ليست إلا إهداراً جنونياً تقوم به الإدارة الأمريكية الحالية. ولتوضيح سبب “كرم” البيت الأبيض، يبين أستور أن أوكرانيا كانت منذ فترة طويلة آلة لغسيل الأموال، بالإضافة “للعلاقة القوية” التي تربط بايدن منذ فترة طويلة مع أوكرانيا على وجه التحديد، فلم تمنح أي شركة سوى شركة الغاز الأوكرانية “بوريزما” هانتر بايدن مقعداً في مجلس إدارتها براتب قدره 85000 دولار شهرياً، وحتى جهل هانتر التام بأعمال الشركة لم يكن عائقاً أمام هذا “التعيين”. كل ما تم أخذه في الاعتبار هو أن والد هانتر، آنذاك هو نائب الرئيس الذي فعل كل ما في وسعه لوقف التحقيق في اتصالات “بوريزما” الفاسدة.
مع الهزيمة الواضحة لسياسة البيت الأبيض هذه، والمتمثلة في دعم نظام كييف الإجرامي، الذي قتل على مدى السنوات الثماني الماضية آلاف المدنيين في شرق أوكرانيا، ودمر منازلهم وبنيتهم التحتية بغطاء من الولايات المتحدة، يتساءل العديد من الأمريكيين الآن: لماذا يضع السياسيون مصالح أوكرانيا فوق مصالح الأمريكيين، ولماذا يهدرون بشكل سافر مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب بينما تواجه الولايات المتحدة والأميركيون مجموعة من المشكلات الملحة، بما في ذلك المشكلات الاجتماعية؟
يكفي قراءة ما توصل إليه خبراء الموقع المالي”ويلت هوبمن” من نتائج، حيث أقروا بأن المدينة الأكثر احتياجاً في الولايات المتحدة هي ديترويت، إذ يتعرض واحد من كل خمسة مستأجرين لخطر الإخلاء. كما أصبحت كليفلاند، التي يبلغ معدل الفقر فيها 29٪ ، ثاني أفقر مدينة رئيسية في البلاد، هذا وتعاني فيلادلفيا من مشاكل أمنية ونقص في التمويل لمواجهة هذه المشكلة، ففي عام 2022 وحدها، حدثت 500 جريمة قتل في هذه المدينة، كما تعاني نيو أورلينز من مشاكل مماثلة، حيث شهدت العام الماضي أكثر من 250 جريمة قتل. كما توصل الخبراء إلى أن أعلى معدل لفقر الأطفال موجود في روتشستر، نيويورك، تليها ديترويت وكليفلاند، كما وجدوا أن أعلى معدلات فقر للبالغين في هنتنغتون بولاية فرجينيا الغربية، تليها ديترويت وكليفلاند. وتصدرت جولفبورت، ميسيسيبي، قائمة المدن التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، حيث يعيش أكثر من ربع سكانها تحت خط الفقر.
أليست هذه إبادة جماعية يمارسها البيت الأبيض على الأمريكيين العاديين، بهدف الحصول على المزيد من الأرباح للنخبة السياسية الأمريكية الحالية على حساب الأحداث العسكرية في أوكرانيا؟ وبالتالي، فإن سبب دعوة بايدن الأخيرة لزيلينسكي إلى واشنطن ومشاركة النخبة السياسية الأمريكية الحالية في هذا العرض السياسي أصبح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
كان “التبادل التجاري” الذي تم ترتيبه مع زيلينسكي، مطلوباً بشكل خاص من قبل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي لصياغة طلبات جديدة للأسلحة والذخيرة، وتخصيص المزيد من الأموال، والتي سيتقاسمها المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون الفاسدون في الأيام المقبلة.
لقد كان بايدن بحاجة لإبقاء الاستفزازات العسكرية الأوكرانية ضد روسيا مستمرة، ولتوسيع النزاع المسلح بمشاركة بولندا المتحمسة للقتال، والتي تحاول تقديم نفسها على أنها نائب الملك الأكثر ولاءً لواشنطن في أوروبا، كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث تأملت “ضبع أوروبا”، أن تتمكن بمساعدة الولايات المتحدة من توسيع أراضيها على حساب أوكرانيا .
رداً على ذلك، وفقاً لما ذكره الصحفي الأمريكي برادلي ديفلين، فإن الرئيس الأوكراني زيلينسكي لم يشكر الأمريكيين العاديين حتى على “هدية عيد الميلاد” التي تبلغ 45 مليار دولار جديدة منحتها له واشنطن، حيث اختتمت العاصمة الأميركية عامها باستقبال لافت للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض وقدمت له “هدية عيد ميلاد” ثمينة تمثلت بمنظومات باتريوت ودعم سخي وخطاب تاريخي أمام الكونغرس.
وبالتالي، فإن الأزمة الحالية في الولايات المتحدة، وخاصة في الحزب الجمهوري، حول المساعدات المقدمة لأوكرانيا ليست مفاجئة، حيث وصف عضو الكونغرس عن فلوريدا مات جايتز، سياسة البيت الأبيض الداعمة لأوكرانيا بـقوله: “أمريكا تحل آخراً”. وقال السياسي الأمريكي المرشح لمنصب حاكم ولاية كنتاكي، جيفري يونغ، إن كل عضو في الحزب الديمقراطي صوّت في الكونغرس لحزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا هو من رعاة النازية.
ربما يكون المحللون البريطانيون على حق عندما قالوا إن الديمقراطيين في الولايات المتحدة عام 2022 أظهروا أنهم يشكلون تهديداً حقيقياً للديمقراطية.