انتخابات مجلس النواب الأمريكي.. مهزلة وفيلم تشويق سياسي
عناية ناصر
مباشرة وقبل الذكرى الثانية لأعمال الشغب التي حدثت في الكابيتول، وتحديداً في 3 كانون الثاني 2023، حدثت فوضى سياسية أخرى في نفس المكان، وصفتها “سي إن إن” بأنها “عرض رعب”، حيث مر مجلس النواب الأمريكي بـ “مرحلة عصيبة بعد فشل زعيم الأغلبية الجمهورية كيفن مكارثي خلال جولتي التصويت الأولى والثانية والثالثة في مجلس النواب الأميركي في الحصول على الأصوات الكافية للفوز برئاسة المجلس، وهذه المرة الأولى منذ قرن التي يفشل فيها زعيم أغلبية جمهورية في الفوز بانتخابات رئاسة مجلس النواب نتيجة خلافات داخل الأغلبية.
صحيح أن مكارثي فاز أخيراً برئاسة مجلس النواب، إلا أن حدث يوم الثلاثاء في 3 كانون الثاني كان ظاهرة تحدث مرة واحدة في القرن، فخلال أعمال الشغب في الكابيتول، حطم مثيرو الشغب الأمريكيين المبنى من الخارج، لكن هذه المرة، كان المأزق نتيجة الخلافات داخل مبنى الكابيتول، وهو ما يعتبر ظاهرتان فوضويتان لانتشار وتفاقم مرض النظام السياسي الأمريكي.
كان الشخص الذي فشل في اجتياز الجولات الثلاث من التصويت لرئاسة مجلس النواب هو كيفن مكارثي، والمعروف على أنه سياسي محافظ متشدد، فقد كان ضد خطة الطاقة النظيفة واتفاقية باريس، ووعد بإلغاء عدد من التشريعات ذات الصلة التي أقرتها واشنطن، كما تركت تصريحاته المجنونة المعادية للصين انطباعاً سيئاً للغاية لدى الشعب الصيني. ومع ذلك، من المدهش أن مكارثي لم يكن يعتبر صارما بما يكفي من قبل بعض أعضاء الكونغرس الأكثر راديكالية في الحزب الجمهوري، الأمر الذي يظهر مدى شدة الانقسام والاستقطاب في السياسة الأمريكية.
إن ما حدث في أعلى قاعة “للديمقراطية الأمريكية” ليس مجرد مهزلة، ولكنه فيلم تشويق سياسي له نتائج مدمرة، وتأثير واسع النطاق وبعيد المدى، وهذا الأمر لا يقلق الأمريكيين فحسب، بل أيضاً المراقبين السياسيين في عدد غير قليل من البلدان على الصعيد الدولي.
ومع استمرار تصاعد العداء بين الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة، أصبحت الانقسامات الداخلية في الحزبين الجمهوري والديمقراطي بارزة بشكل متزايد، وفي هذا الوقت، ظهر اتجاه غير منطقي وخطير تماماً في واشنطن، هو إيجاد أو اختلاق “عدو” خارج الولايات المتحدة لقمع وتخفيف وتحويل الانقسامات السياسية داخل البلاد. ونتيجة لذلك، فإن الصين، التي يتطور اقتصادها بسرعة ولديها نظام سياسي وأيديولوجيا مختلفة عن الولايات المتحدة، يتم تصويرها قسراً وبالقوة باعتبارها “عدواً للولايات المتحدة”، ولذلك يتدافع بعض المشرعين لإظهار تشددهم تجاه الصين. وكلما كان هذا التشدد أكثر صرامة، كلما كان ذلك أفضل، وذلك لأنهم سيسقطون تدريجياً في التنويم المغناطيسي الذاتي الجماعي، وسيغضون الطرف عن حقيقة أن عدو “الديمقراطية الأمريكية” هو في الواقع الولايات المتحدة نفسها.
وحتى مع انتخاب مكارثي، إلا أن النتيجة لم تعد مهمة إلى حد ما، لأنه من المرجح أن يقدم مكارثي الذي تفاوض بشكل مكثف مع خصومه في الحزب الجمهوري وعوداً “أكثر صرامة” في المستقبل، وهو ما يعني أن الوضع الصعب الحالي للعلاقات الصينية الأمريكية له علاقة كبيرة بالسياسات الحزبية المريضة في الولايات المتحدة.
يبرهن التاريخ على أن عداء واقتتال الأحزاب السياسية في الكونغرس الأمريكي يشير غالباً إلى اضطراب كبير. وقبل هذا الوقت، كان عدد المرات التي لم يتمكن فيها الكونغرس من انتخاب رئيس في الجولة الأولى من التصويت 14 مرة في تاريخ الولايات المتحدة، 13 منها حدثت قبل الحرب الأهلية.
وسط تزايد العداء السياسي، يتوقع 90٪ من الأمريكيين أن يكون عام 2023 عام الصراع السياسي في الولايات المتحدة، وفقاً لآخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب. وفي استطلاع سابق كان أكثر من 70 في المائة من الأمريكيين لا يوافقون على أداء الكونغرس، وهذا يعكس خيبة أمل عامة في المجتمع الأمريكي من سياساته الداخلية، ويظهر أيضاً أن “معاداة الديمقراطية” في الولايات المتحدة قد تطورت إلى مرحلة متقدمة، وجعلتها محاصرة في شرنقة “سياسة التصويت”، وفقدان زخم الابتكار، وستصبح أكثر راديكالية في المستقبل.
وفي مواجهة الفوضى السياسية في الولايات المتحدة، أثارت صحيفة “غلوب آند ميل” الكندية تساؤلاً عما إذا كانت الطبقة السياسية في البلاد قادرة على الحكم، وما إذا كانت النزاعات والتناقضات الداخلية لأحد الأحزاب السياسية الرئيسية تلوث النظام بأكمله. وفي سياق متصل، نقلت وسائل إعلام كندية أخرى عن تقرير بحثي قوله إن الثقافة السياسية السامة في واشنطن وعبر الولايات المتحدة كانت تتسرب عبر الحدود، ومثال على ذلك كندا التي تلتقط علة التطرف السياسي من الولايات المتحدة.