مجلة البعث الأسبوعية

لماذا أصرّت واشنطن على اغتيال سليماني؟

“البعث الأسبوعية” – طلال ياسر الزعبي:

ليس غريباً أن يكون لدى الإدارات الأمريكية المتلاحقة التي عاصرت هذا الرجل رغبة جامحة في تحييده أو القضاء عليه، حتى لو اضطرّت فيما بعد إلى اغتياله والإعلان عن ذلك صراحة وبكل وقاحة عبر رئيسها السابق دونالد ترامب الذي افتخر بقيامه بهذا العمل الجبان، حيث لم تتمكّن جميع محاولاتها السابقة من الوصول إليه في الميدان.

الرجل الذي قال عنه “جون ماغواير” الضابط السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية في العراق: “إنّه أقوى مسؤول سرّي في الشرق الأوسط.. ولا أحد يعرفه”، كان واحداً من قادة إيران العظام في تاريخها الحديث أمثال “الحاج همت”، و”مهدي باكري” و”علي هاشمي”، الذين ارتبطت أسماؤهم، في الذاكرة التاريخية للشعب الإيراني المسلم، بالجهاد الأكبر أكثر من الجهاد الأصغر.

لقد كان الحاج سليماني لغزاً محيّراً ومرعباً للغرب، ولهذا فإن ابن الصحراء بالنسبة إلى رعاة البقر الأمريكيين سرّي ومرعب، حيث كانوا يرون فيه مصداق القائد العسكري الشبيه بالجنرال رومل أو الجنرال أيزنهاور.

وفي منطق رعاة البقر ليس لهذا القائد تعريف، فكأنه قد جاء من عالم آخر. إنه رعب محض، وكابوس يجب أن يخرج لقتاله “باتمان” و”سوبرمان” و”سبايدرمان”، لأنه القائد الذي مرّغ أنف الشيطان بكل بارجاته وعظمته الحديدية بالتراب.

 

سليماني في سطور

إنه قاسم سليماني قائد فيلق “صاحب الزمان” السابع. وُلد سنة 1958م في قرية “قنات ملك” من ضواحي كرمان، حائز شهادة البكالوريا، متزوج ولديه ولدان، صبي وبنت.

كان موظفاً في “مصلحة مياه” كرمان، وبعد انتصار الثورة الإسلامية وفي الأوّل من شهر أيار سنة 1980م، التحق بحرس الثورة الإسلاميّة.

بعد اندلاع الحرب وهجوم نظام صدام على مطارات البلاد بقي مدة يحرس الطائرات الموجودة في مطار كرمان، ثم انتقل بعد مضيّ شهرين أو ثلاثة إلى جبهات سوسنكرد ضمن القوّات الأولى المرسلة من كرمان التي كان تعدادها 300 شخص تقريباً، بصفة قائد فصيل.

لقد كان مولعاً جداً بالخطط والقضايا العسكرية، وكذلك الجبهة، وبسبب هذه المحبة وطِئ أرض الجبهة في مهمّة تمتدّ 15 يوماً، ولم يرجع إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

أفضل العمليّات التي شارك فيها كانت “الفتح المبين”، حيث أوكلت إليه ولأول مرة مهمة تشكيل لواء، ورغم إصابته تولّى مسؤولية مساعد قائد المحور في جبهة “شوش” و”سهل عباس”.

كان الجنرال سليماني شخصاً عملانيّاً وقد أثبت قدراته القياديّة في مواجهة المشكلات التكتيكيّة. فالمصادر الموجودة تعرّفه كقائدٍ يمتلك المهارات في التكتيكات العسكريّة وقد حقّق ذلك من خلال التجارب الشخصيّة، ويبدو أنّه يؤمن بأنّ هذه التجارب ذات قيمةٍ واعتبار أكثر من الأوامر الصادرة من القيادات العليا.

ولا يُعدّ الجنرال سليماني قائداً حذراً ومحافظًاً وهو يقول: إنّ أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم”. كان ينتظر الشهادة ويتمناها دائماً، وكان يُعِدّ نفسه لمثل هذا اليوم الذي يجد فيه جسده ملفوفاً بعلم بلاده التي جاهد دفاعاً عنها وعن المقاومة التي كان له باع طويل في دعمها ورعايتها في هذه المنطقة التي تعرّضت لكثير من الآلام والاهتزازات، حيث كان الشهيد الحي يقول: “إنها لسعادةٌ كبرى، الشهادة هي تلك الأمنية التي تخفق لها جميع القلوب، كلّ العشاق التائقين للوصال مع معشوقهم والمشتاقين لبلوغ غايتهم”.

لقد كانت كلمات الجنرال سليماني الحماسيّة التي يُلقيها قبل العمليّات الحربيّة وبعدها، والتي تمتزج بالبكاء والتضرّع وطلب المسامحة من الشهداء لأنّه لم يستشهد مثلهم تؤثّر كثيراً في العناصر الذين يعملون تحت إمرته، فقبل كلّ هجوم كان يعانق جميع المقاتلين معه فرداً فرداً، وفي حالةٍ من البكاء يقوم بتوديعهم، وسواء كان متعمّداً أم لا فإنّه كان يستفيد من العواطف والأحاسيس لأجل رفع روحيّة عناصره. وفي الوقت نفسه، لا بدّ أن هذه الحقيقة قد تركت تأثيراً كبيراً في شخصيّته وهي أنّ أغلب أولئك الذين كان يعانقهم قد قُتلوا في العمليّات المختلفة.

ولكنّه في كلمته الأخيرة قد أشار إلى بعض القضايا العقائديّة الصرفة، مثل الوحدة الإسلاميّة واتّحاد المؤمنين وقضية تحرير فلسطين التي لا تتماهى مع شخصيّته الوطنيّة التي كان عليها أثناء فترة الحرب عندما كان كلّ اهتمامه منصبًّاً على دفاعه عن إيران.

 

عن سابق إصرار وتصميم

وكان رئيس الولايات المتّحدة الأسبق باراك أوباما، أضاف اسم الجنرال سليماني إلى لائحة العقوبات التي وضعتها الولايات المتّحدة بوصفه قائد لواء القدس في قوّات حرس الثورة الإسلاميّة. وكان على المخطّطين في الولايات المتحدة الأمريكية ولأجل مواجهة نشاطات الجنرال سليماني ولواء القدس في الحرس الثوري أن يبدؤوا أوّلًا بمعرفة وتحليل تلك الخطوات الجريئة والنجاحات العسكريّة لهذا الجنرال، حيث تُصَوّره التقارير الموجودة بأنّه قائد ناجح على الرغم من أنّه لم يخضع للكثير من التدريبات الرسميّة.

فأوباما الذي أشرف بنفسه على مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة، وأدار ما سُمّي “الربيع العربي” باستخدام التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيما “داعش و”النصرة” الإرهابيان – حيث أقرّت وزيرة خارجيّته هيلاري كلينتون بأن واشنطن هي من صنعت “داعش” – لا يمكن لإدارته أن تغفر للحاج قاسم وزملائه في المقاومة هذه الهزيمة المدوّية التي مُني بها التنظيم في كل من سورية والعراق، وهو الذي كان حاضراً في أكثر معارك تحرير البلدين من هذا التنظيم، في الموصل والأنبار وحلب، وقد شهد له الجميع بأنه كان سبباً مباشراً في إمداد الجيش العراقي بالسلاح في الوقت الذي رفضت فيه واشنطن تقديم المساعدة له في مواجهة تنظيم “داعش” الذي كاد يصل إلى بغداد لولا جهود المقاومة التي قادها هو وزملاؤه في هيئة الحشد الشعبي العراقي، فقد كان للشهيد دور كبير في معارك المقاومة في المنطقة، وترك بصماتٍ واضحة في تطوير عملياتها كمّاً ونوعاً.

كل ذلك يؤكّد أن هزيمة “داعش” في المنطقة كانت هزيمة مباشرة للولايات المتحدة التي دعمته بشتى الوسائل الممكنة، سواء عبر الميدان أم من خلال الفضاء الإلكتروني الواسع الذي وفّرته له والتغطية السياسية والإعلامية التي كان لها الدور البارز في بثّ الرعب في نفوس سكان المنطقة، الأمر الذي أدّى دوراً واضحاً في احتلال التنظيم الكثير من المناطق في كل من سورية والعراق وصولاً إلى لبنان.

ومن هنا ليس غريباً أن يتبجّح ترامب باغتياله الحاج سليماني ورفاقه بهذه الصورة الإجرامية، في بلد كان ضيفاً عليه، وهو صاحب منصب رسمي في بلاده، الأمر الذي يحتم أن يُطلق عليه وصف إرهاب دولي، وذلك أن الرجل كانت له اليد الطولى في إحراق أكبر الأوراق الإجرامية لواشنطن في المنطقة والعالم، وتكشّف على يده الدعم الهائل الذي تحصل عليه الحركات الإرهابية من واشنطن للتلاعب باستقرار الدول وإثارة الفوضى والفتن.

 

سليماني والقضية الفلسطينية

تشهد الفصائل الفلسطينية المقاومة مجتمعة بالدور الكبير الذي قام به الشهيد سليماني في دعم المقاومة الفلسطينية، حيث كان بكل حق ظهيراً قويّاً للقضية الفلسطينية، ووضعه الكيان الصهيوني على القائمة الأساسية للاغتيالات، وهو الموصوف فلسطينياً بدرة تاج المقاومة وقائد محورها الميداني والشخصية الاستثنائية التي وقفت بحزم ضد المخطط الصهيوأمريكي في المنطقة وأفشلته، حيث نذر نفسه لبناء القدرات الذاتية لمحور المقاومة والارتقاء بها، وأفنى حياته في خدمة القضية الفلسطينية، وأنشأ جبهة مقاومةٍ لكل الدول والقوى الداعمة للقضية الفلسطينية وشعبها داخلياً وخارجياً، فعزز بذلك المقاومة الفلسطينية وجعلها تحقق انتصاراتٍ متتالية على العدو الصهيوني.

الجنرال سليماني كان مقدسيّ الهوى، وقد لقبه المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي بالشهيد الحي، حيث قدّم الجنرال الشهيد للمقاومة الفلسطينية، من جهة التسليح والتدريب وكسر خطوط العدو وزعزعة هيبته، الدعم الكبير، الأمر الذي أرعب الكيان الصهيوني وجعله يحسب ألف حساب للجنرال الراحل، الذي اعتمد الحرب الهجينة ضمن مجموعات عابرة للحدود فكانت كل مجموعة ترتبط به شخصياً حتى بعد استشهاده.

وكان الشهيد سليماني عقدة خاصة لأربع رؤساء حكومات من أخطر الحكومات الإسرائيلية، أرييل شارون عام 2002 وإيهود باراك عام 2000 وبنيامين نتنياهو وإيهود أولمرت، وكل هؤلاء لم يستطيعوا الانتصار عليه، وكان هدفاً للموساد ورؤساء الأركان الإسرائيليين الذين استهدفوه طوال عشرين عاماً.

وقد استُشهد الجنرال سليماني في الثالث من كانون الثاني عام 2020 عن طريق غارة أمريكية عبر طائرة مسيرة في مطار بغداد الدولي، واستُشهد معه أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، وعدد من المرافقين.

لماذا أصرّت واشنطن على اغتيال سليماني؟

“البعث الأسبوعية” – طلال ياسر الزعبي:

ليس غريباً أن يكون لدى الإدارات الأمريكية المتلاحقة التي عاصرت هذا الرجل رغبة جامحة في تحييده أو القضاء عليه، حتى لو اضطرّت فيما بعد إلى اغتياله والإعلان عن ذلك صراحة وبكل وقاحة عبر رئيسها السابق دونالد ترامب الذي افتخر بقيامه بهذا العمل الجبان، حيث لم تتمكّن جميع محاولاتها السابقة من الوصول إليه في الميدان.

الرجل الذي قال عنه “جون ماغواير” الضابط السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية في العراق: “إنّه أقوى مسؤول سرّي في الشرق الأوسط.. ولا أحد يعرفه”، كان واحداً من قادة إيران العظام في تاريخها الحديث أمثال “الحاج همت”، و”مهدي باكري” و”علي هاشمي”، الذين ارتبطت أسماؤهم، في الذاكرة التاريخية للشعب الإيراني المسلم، بالجهاد الأكبر أكثر من الجهاد الأصغر.

لقد كان الحاج سليماني لغزاً محيّراً ومرعباً للغرب، ولهذا فإن ابن الصحراء بالنسبة إلى رعاة البقر الأمريكيين سرّي ومرعب، حيث كانوا يرون فيه مصداق القائد العسكري الشبيه بالجنرال رومل أو الجنرال أيزنهاور.

وفي منطق رعاة البقر ليس لهذا القائد تعريف، فكأنه قد جاء من عالم آخر. إنه رعب محض، وكابوس يجب أن يخرج لقتاله “باتمان” و”سوبرمان” و”سبايدرمان”، لأنه القائد الذي مرّغ أنف الشيطان بكل بارجاته وعظمته الحديدية بالتراب.

 

سليماني في سطور

إنه قاسم سليماني قائد فيلق “صاحب الزمان” السابع. وُلد سنة 1958م في قرية “قنات ملك” من ضواحي كرمان، حائز شهادة البكالوريا، متزوج ولديه ولدان، صبي وبنت.

كان موظفاً في “مصلحة مياه” كرمان، وبعد انتصار الثورة الإسلامية وفي الأوّل من شهر أيار سنة 1980م، التحق بحرس الثورة الإسلاميّة.

بعد اندلاع الحرب وهجوم نظام صدام على مطارات البلاد بقي مدة يحرس الطائرات الموجودة في مطار كرمان، ثم انتقل بعد مضيّ شهرين أو ثلاثة إلى جبهات سوسنكرد ضمن القوّات الأولى المرسلة من كرمان التي كان تعدادها 300 شخص تقريباً، بصفة قائد فصيل.

لقد كان مولعاً جداً بالخطط والقضايا العسكرية، وكذلك الجبهة، وبسبب هذه المحبة وطِئ أرض الجبهة في مهمّة تمتدّ 15 يوماً، ولم يرجع إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

أفضل العمليّات التي شارك فيها كانت “الفتح المبين”، حيث أوكلت إليه ولأول مرة مهمة تشكيل لواء، ورغم إصابته تولّى مسؤولية مساعد قائد المحور في جبهة “شوش” و”سهل عباس”.

كان الجنرال سليماني شخصاً عملانيّاً وقد أثبت قدراته القياديّة في مواجهة المشكلات التكتيكيّة. فالمصادر الموجودة تعرّفه كقائدٍ يمتلك المهارات في التكتيكات العسكريّة وقد حقّق ذلك من خلال التجارب الشخصيّة، ويبدو أنّه يؤمن بأنّ هذه التجارب ذات قيمةٍ واعتبار أكثر من الأوامر الصادرة من القيادات العليا.

ولا يُعدّ الجنرال سليماني قائداً حذراً ومحافظًاً وهو يقول: إنّ أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم”. كان ينتظر الشهادة ويتمناها دائماً، وكان يُعِدّ نفسه لمثل هذا اليوم الذي يجد فيه جسده ملفوفاً بعلم بلاده التي جاهد دفاعاً عنها وعن المقاومة التي كان له باع طويل في دعمها ورعايتها في هذه المنطقة التي تعرّضت لكثير من الآلام والاهتزازات، حيث كان الشهيد الحي يقول: “إنها لسعادةٌ كبرى، الشهادة هي تلك الأمنية التي تخفق لها جميع القلوب، كلّ العشاق التائقين للوصال مع معشوقهم والمشتاقين لبلوغ غايتهم”.

لقد كانت كلمات الجنرال سليماني الحماسيّة التي يُلقيها قبل العمليّات الحربيّة وبعدها، والتي تمتزج بالبكاء والتضرّع وطلب المسامحة من الشهداء لأنّه لم يستشهد مثلهم تؤثّر كثيراً في العناصر الذين يعملون تحت إمرته، فقبل كلّ هجوم كان يعانق جميع المقاتلين معه فرداً فرداً، وفي حالةٍ من البكاء يقوم بتوديعهم، وسواء كان متعمّداً أم لا فإنّه كان يستفيد من العواطف والأحاسيس لأجل رفع روحيّة عناصره. وفي الوقت نفسه، لا بدّ أن هذه الحقيقة قد تركت تأثيراً كبيراً في شخصيّته وهي أنّ أغلب أولئك الذين كان يعانقهم قد قُتلوا في العمليّات المختلفة.

ولكنّه في كلمته الأخيرة قد أشار إلى بعض القضايا العقائديّة الصرفة، مثل الوحدة الإسلاميّة واتّحاد المؤمنين وقضية تحرير فلسطين التي لا تتماهى مع شخصيّته الوطنيّة التي كان عليها أثناء فترة الحرب عندما كان كلّ اهتمامه منصبًّاً على دفاعه عن إيران.

 

عن سابق إصرار وتصميم

وكان رئيس الولايات المتّحدة الأسبق باراك أوباما، أضاف اسم الجنرال سليماني إلى لائحة العقوبات التي وضعتها الولايات المتّحدة بوصفه قائد لواء القدس في قوّات حرس الثورة الإسلاميّة. وكان على المخطّطين في الولايات المتحدة الأمريكية ولأجل مواجهة نشاطات الجنرال سليماني ولواء القدس في الحرس الثوري أن يبدؤوا أوّلًا بمعرفة وتحليل تلك الخطوات الجريئة والنجاحات العسكريّة لهذا الجنرال، حيث تُصَوّره التقارير الموجودة بأنّه قائد ناجح على الرغم من أنّه لم يخضع للكثير من التدريبات الرسميّة.

فأوباما الذي أشرف بنفسه على مشروع الفوضى الخلاقة في المنطقة، وأدار ما سُمّي “الربيع العربي” باستخدام التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيما “داعش و”النصرة” الإرهابيان – حيث أقرّت وزيرة خارجيّته هيلاري كلينتون بأن واشنطن هي من صنعت “داعش” – لا يمكن لإدارته أن تغفر للحاج قاسم وزملائه في المقاومة هذه الهزيمة المدوّية التي مُني بها التنظيم في كل من سورية والعراق، وهو الذي كان حاضراً في أكثر معارك تحرير البلدين من هذا التنظيم، في الموصل والأنبار وحلب، وقد شهد له الجميع بأنه كان سبباً مباشراً في إمداد الجيش العراقي بالسلاح في الوقت الذي رفضت فيه واشنطن تقديم المساعدة له في مواجهة تنظيم “داعش” الذي كاد يصل إلى بغداد لولا جهود المقاومة التي قادها هو وزملاؤه في هيئة الحشد الشعبي العراقي، فقد كان للشهيد دور كبير في معارك المقاومة في المنطقة، وترك بصماتٍ واضحة في تطوير عملياتها كمّاً ونوعاً.

كل ذلك يؤكّد أن هزيمة “داعش” في المنطقة كانت هزيمة مباشرة للولايات المتحدة التي دعمته بشتى الوسائل الممكنة، سواء عبر الميدان أم من خلال الفضاء الإلكتروني الواسع الذي وفّرته له والتغطية السياسية والإعلامية التي كان لها الدور البارز في بثّ الرعب في نفوس سكان المنطقة، الأمر الذي أدّى دوراً واضحاً في احتلال التنظيم الكثير من المناطق في كل من سورية والعراق وصولاً إلى لبنان.

ومن هنا ليس غريباً أن يتبجّح ترامب باغتياله الحاج سليماني ورفاقه بهذه الصورة الإجرامية، في بلد كان ضيفاً عليه، وهو صاحب منصب رسمي في بلاده، الأمر الذي يحتم أن يُطلق عليه وصف إرهاب دولي، وذلك أن الرجل كانت له اليد الطولى في إحراق أكبر الأوراق الإجرامية لواشنطن في المنطقة والعالم، وتكشّف على يده الدعم الهائل الذي تحصل عليه الحركات الإرهابية من واشنطن للتلاعب باستقرار الدول وإثارة الفوضى والفتن.

 

سليماني والقضية الفلسطينية

تشهد الفصائل الفلسطينية المقاومة مجتمعة بالدور الكبير الذي قام به الشهيد سليماني في دعم المقاومة الفلسطينية، حيث كان بكل حق ظهيراً قويّاً للقضية الفلسطينية، ووضعه الكيان الصهيوني على القائمة الأساسية للاغتيالات، وهو الموصوف فلسطينياً بدرة تاج المقاومة وقائد محورها الميداني والشخصية الاستثنائية التي وقفت بحزم ضد المخطط الصهيوأمريكي في المنطقة وأفشلته، حيث نذر نفسه لبناء القدرات الذاتية لمحور المقاومة والارتقاء بها، وأفنى حياته في خدمة القضية الفلسطينية، وأنشأ جبهة مقاومةٍ لكل الدول والقوى الداعمة للقضية الفلسطينية وشعبها داخلياً وخارجياً، فعزز بذلك المقاومة الفلسطينية وجعلها تحقق انتصاراتٍ متتالية على العدو الصهيوني.

الجنرال سليماني كان مقدسيّ الهوى، وقد لقبه المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي بالشهيد الحي، حيث قدّم الجنرال الشهيد للمقاومة الفلسطينية، من جهة التسليح والتدريب وكسر خطوط العدو وزعزعة هيبته، الدعم الكبير، الأمر الذي أرعب الكيان الصهيوني وجعله يحسب ألف حساب للجنرال الراحل، الذي اعتمد الحرب الهجينة ضمن مجموعات عابرة للحدود فكانت كل مجموعة ترتبط به شخصياً حتى بعد استشهاده.

وكان الشهيد سليماني عقدة خاصة لأربع رؤساء حكومات من أخطر الحكومات الإسرائيلية، أرييل شارون عام 2002 وإيهود باراك عام 2000 وبنيامين نتنياهو وإيهود أولمرت، وكل هؤلاء لم يستطيعوا الانتصار عليه، وكان هدفاً للموساد ورؤساء الأركان الإسرائيليين الذين استهدفوه طوال عشرين عاماً.

وقد استُشهد الجنرال سليماني في الثالث من كانون الثاني عام 2020 عن طريق غارة أمريكية عبر طائرة مسيرة في مطار بغداد الدولي، واستُشهد معه أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، وعدد من المرافقين.