2023 عام “الحزام والطريق والبريكس” ملامح طيف جيو-سياسي وجيو-اقتصادي إلى جانب النطاق الجغرافي
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
انتهى عام 2022 بمكالمة فيديو حصرية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينغ بينغ، ناقشا خلالها جميع جوانب الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين. وقد أوضح بوتين للرئيس الصيني كيف تمكنت روسيا والصين من تأمين معدلات نمو قياسية في تجارتهما المتبادلة، بحيث تكونان قادرتين على الوصول إلى هدفهما البالغ 200 مليار دولار بحلول عام 2024، أي في وقت أبكر مما كان متوقعاً.
وفيما يتعلق بالتنسيق بينهما من أجل “تشكيل نظام عالمي عادل قائم على القانون الدولي”، شدد بوتين على أن البلدين يتشاطران نفس الآراء حول أسباب ومسار ومنطق التحول الجاري في المشهد الجيو-سياسي العالمي. وأضاف بوتين أنه في مواجهة ضغوط واستفزازات غير مسبوقة من الغرب، فإن روسيا والصين لا تدافعان فقط عن مصالحهما الخاصة، ولكن أيضاً عن كل أولئك الذين يدافعون عن نظام عالمي ديمقراطي حقيقي وحق الدول في تقرير مصيرها بحرية.
وفي وقت سابق، أعلن شي أن بكين ستعقد المنتدى الثالث للحزام والطريق في منتصف العام الجديد 2023، وبذلك لا تشير عودة المنتدى إلى زخم جديد فحسب، بل تمثل أيضاً خطوة مهمة للغاية منذ أن احتفلت مبادرة الحزام والطريق التي تم إطلاقها في أستانا ثم في جاكرتا في عام 2013، بالذكرى العاشرة لتأسيسها.
جديد مبادرة الحزام والطريق
تتحدد نغمة عام 2023 عبر الطيف الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي، وإلى جانب نطاقها الجغرافي الاقتصادي، تم تصور مبادرة الحزام والطريق على أنها المفهوم الشامل للسياسة الخارجية الصينية حتى منتصف القرن. ومن المقرر أن يتم تطوير مشاريع المبادرة على طول ممرات الاتصال العديدة لتلائم بيئة ما بعد كورونا، وتداعيات النزاع الأوكراني والعالم المثقل بالديون. ثم هناك تشابك جهود الاتصال من خلال مبادرة الحزام والطريق مع جهود الاتصال عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، ولاعبوه الرئيسيون هم روسيا وإيران والهند. وبناءً على الزخم الجغرافي الاقتصادي للشراكة الروسية الصينية التي ألمح إليها بوتين وشي، فإن حقيقة أن روسيا والصين وإيران والهند يطورون شراكات تجارية متشابكة يجب أن تثبت أن أعضاء بريكس وروسيا والهند والصين، بالإضافة إلى إيران، أحد الأعضاء المستقبليين في مجموعة “بريكس +” الموسعة، هم الرباعي المهم في أوراسيا، حيث ستعمل اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الجديد في بكين، والتي تتماشى مع أولويات شي، على ترسيخ المجالات متحدة المركز للتأثير الجغرافي الاقتصادي في الجنوب العالمي.
في شباط 2022، قبل أيام من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، أعلن بوتين وشي، شخصياً، أن شراكتهما “ليس لها حدود” حتى لو كانت لديهما مقاربات مختلفة حول كيفية تعامل موسكو مع كييف، استغلها الغرب لتهديد روسي. باختصار، لن تتخلى بكين عن موسكو بسبب أوكرانيا.
الاتصال في غرب آسيا
في غرب آـسيا، ستتقدم مشاريع مبادرة الحزام والطريق بسرعة خاصة في إيران، في إطار اتفاقية مدتها 25 عاماً موقعة بين بكين وطهران، والاختفاء النهائي لخطة العمل الشاملة المشتركة، أو اتفاقية الطاقة النووية الإيرانية، الأمر الذي سينتج عنه غياب الاستثمار الأوروبي في الاقتصاد الإيراني.
إيران ليست فقط شريكاً في مبادرة الحزام والطريق، ولكنها أيضاً عضو كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، و لديها اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يجمع دول ما بعد الاتحاد السوفييتي السابق مثل روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان. كما أن إيران، اليوم، يمكن القول إنها عامل الربط الرئيسي لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، فهي تفتح المحيط الهندي وما وراءه، وتتصل ليس فقط مع روسيا والهند، ولكن أيضاً مع الصين، وجنوب شرق آسيا، وربما أيضاً، أوروبا بافتراض أن قادة الاتحاد الأوروبي سوف يرون من أي جهة تهب الرياح. وعليه، تستفيد إيران، التي تخضع لعقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة، في الوقت عينه من مبادرة الحزام والطريق، واتفاقية التجارة الحرة للاتحاد الاقتصادي والنقدي، وسيكون أعضاء البريكس الثلاثة الأساسيون -الهند والصين وروسيا- مهتمين بشكل خاص بتطوير ممر العبور العابر لإيران، والذي يعتبر أقصر طريق بين معظم دول الاتحاد الأوروبي، وجنوب آسيا وجنوب شرق البلاد، ما سيسمح بنقل أسرع وأرخص. أضف إلى ذلك مشروع الممر الكهربائي الثوري بين روسيا والقوقاز وإيران، والذي يمكن أن يصبح رابط الاتصال النهائي القادر على كسر العداء بين أذربيجان وأرمينيا.
صعود اليوان البترولي
ستستمر الصين في استيراد الكثير من النفط الخام، على المدى الطويل، من دول مجلس التعاون الخليجي، والكثير من الغاز الطبيعي المسال، كما ستعمل بكين على تعزيز التعاون في قطاع التنقيب والإنتاج والخدمات الهندسية والتخزين والنقل والتكرير، وقد تبدأ التعاون في تبادل العملات.
يلخص أحد المحللين الأمر على النحو التالي: “يتدفق نفط دول مجلس التعاون الخليجي شرقاً، لكن هذا ليس كل شيء”. في موازاة ذلك، تتلقى مبادرة الحزام والطريق دفعة جديدة، حيث سيتم استبدال النموذج السابق -النفط مقابل الأسلحة -بالنفط من أجل التنمية المستدامة، وبناء المصانع، وفرص العمل الجديدة. ويضيف المحلل أن “النظام العالمي متعدد الأقطاب لم يتم بناؤه من قبل رؤساء دول مجموعة السبع، ولكن من قبل مجموعة الدول السبع في الشرق أي رؤساء دول البريكس.
تعرف القوى العالمية الصاعدة أيضاً كيفية موازنة علاقاتها، ففي غرب آسيا، تلعب الصين جوانب مختلفة قليلاً من نفس استراتيجية التجارة، والتواصل في مبادرة الحزام والطريق، أحدهما لإيران والآخر لدول الخليج العربي. وفي نهاية الأمر فإن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران هي اتفاقية مدتها 25 عاماً تستثمر بموجبها الصين 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني مقابل إمدادات ثابتة من النفط الإيراني بسعر مخفض للغاية.
كيف تلعب اللعبة الكبيرة الجديدة؟
كانت مبادرة الحزام والطريق محور الاهتمام خلال سلسلة من قمم جنوب شرق آسيا في تشرين الثاني الماضي، وعندما إلتقى شي برئيس الوزراء التايلاندي في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في بانكوك، تعهدا بربط خط السكك الحديدية عالي السرعة بين الصين ولاوس بنظام السكك الحديدية في تايلاند. إنه مشروع بطول 600 كيلومتر يربط بانكوك بـ نونغ خاي على الحدود مع لاوس، والذي يجب أن يكتمل بحلول عام 2028 .
وفي إطار مبادرة إضافية لمبادرة الحزام والطريق، اتفقت بكين وبانكوك على تنسيق تطوير منطقة خليج شنتشن-تشوهاي-هونغ كونغ الكبرى، ودلتا نهر اليانغتسي مع الممر الاقتصادي الشرقي في تايلاند. على المدى الطويل، تهدف الصين بشكل أساسي إلى تكرار استراتيجيتها في جنوب شرق آسيا في غرب آسيا، حيث تحقق تجارة بكين مع الآسيان أكثر مما تحققه في تجارتها مع أوروبا أو الولايات المتحدة.
من الناحية العملية، ستخضع مشاريع المبادرة الآن لمزيد من التدقيق، حيث ستكون نهاية المقترحات غير العملية والتكاليف الهائلة، مع شريان الحياة لمجموعة كاملة من الدول المثقلة بالديون، وسيتم وضع مبادرة الحزام والطريق في قلب توسع مجموعة “بريكس +” بناءً على توصيات لجنة استشارية عقدت في أيار 2022 بحضور وزراء خارجية، وممثلون من أمريكا الجنوبية، وإفريقيا وآسيا، والتي أظهرت، من الناحية العملية، النطاق العالمي للبلدان المرشحة.
القدرات الاقتصادية لدول البريكس
تحتل دول البريكس مكانة فريدة في الاقتصاد العالمي، حيث تمثل حوالي 25 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتشكل سوقاً دولياً عملاقاً، كما تمثل ما يقرب من 3.21 مليار شخص، أو 42 ٪ من سكان العالم و16 ٪ من التجارة العالمية، و شعارها “تعزيز شراكة نوعية بين دول البريكس، وفتح حقبة جديدة للتنمية العالمية”.
كما أن ثلاث من دول البريكس الخمس من بين أكبر عشر قوى اقتصادية في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، اذ يبلغ إجمالي الناتج المحلي لديهم اليوم ما يقرب من 24000 مليار يورو. علاوة على ذلك، فإن انخفاض تكاليف الإنتاج في الصين والهند والبرازيل قد مارست قوة جذب حقيقية للاستثمار الأجنبي المباشر من دول أخرى في العالم. بالإضافة الى ذلك، تعتمد استدامة نمو دول البريكس أيضاً على تطوير الاستهلاك المحلي، وكذلك على مراعاة العوامل الاجتماعية والبيئية. وقد وقع حدث مهم لدعم طموحات البريكس، وهو قرار إنشاء بنك استثماري، الذي تم اتخاذه في قمة “فورتاليزا” في البرازيل في تموز2014، حيث قررت دول البريكس إنشاء بنك تنمية مقره شنغهاي وصندوق احتياطي، ويبلغ رأس مال البنك 50 مليار دولار، ويجب زيادته إلى 100 مليار دولار.
هذا البنك يمكنه منح قروض لتمويل مشاريع البنية التحتية والصحة والتعليم في البلدان المعنية، وفي نهاية المطاف، في البلدان الناشئة الأخرى. والأهم من ذلك أنه لا يفرض شروطاً ملزمة على قروضه، كما هو الحال مع صندوق النقد الدولي. زيادة على ذلك، بدأت دول البريكس في التجارة بعملاتها، وهي تراهن بشكل متزايد على العملة الصينية اليوان كعملة بديلة لها.وبحسب المعطيات إن احتياجات البنية التحتية كبيرة تقدر بـ حوالي 4.5 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، والهند هي المستفيد الأكبر”من الـ 30 مليار دولار المخصصة لـ 80 مشروعاً، يوجد 21 منها في الهند وتتعلق بإنشاء البنية التحتية في مجالات إمدادات المياه والنقل والطاقة، بمبلغ إجمالي قدره 7.1 مليار دولار.
البريكس والقوة الضاربة العلمية والتكنولوجية
قوة البريكس هي أيضا قوة علمية وتكنولوجية، فقد تخرج أكثر من 9 ملايين طالب في عام 2021، وأكثر من 10 ملايين في عام 2022، وسيستمر قطاعا العلوم والتكنولوجيا في جذب الخريجين، إذ يجد أكثر من 77٪ من خريجي الجامعات الصينية وظيفتهم الأولى قبل التخرج، حيث تخرج الصين 1.3 مليون مهندس سنوياً. ومن بين دول البريكس، ربما تكون روسيا الأكثر تطوراً بمعدل معرفة القراءة والكتابة بنسبة 99.5٪ تقريباً، أي أكثر من الصين (95٪) والبرازيل (90٪) وجنوب إفريقيا (88٪) والهند (77٪)، حتى أنها متقدمة على ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
الجزائر أحدث أعضاء البريكس
يشير أحد المحللين الجزائريين إلى أنه من خلال مراجعة سريعة لأداء دول البريكس، يمكن قياس مجموع الجهود متعددة الأبعاد على المستويات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وحتى الثقافية من أجل الانضمام إلى نادي الدول الصاعدة. هذا التحدي سيسمح لنا –نحن الجزائريين- بإبراز أنفسنا في واقع البلدان المعنية، وسوف يتذكر التاريخ أن الجزائر، التي تلتها هالة من ثورة تشرين الثاني، كانت قلقة للغاية بشأن مصير “معذبي الأرض” ودعت عبثاً إلى إقامة العدل في إطار نظام جديد أكثر عدلاً. وكما كتبت كلودين رولو: “يرتبط اسم الجزائر، بالنسبة للكثيرين، بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد، والذي كان بلا شك الحافز لسنوات عديدة. وإنشاء نظام اقتصادي دولي جديد، والذي يمكن تلخيصه، بشكل تخطيطي للغاية، على أنه إنشاء هياكل إنتاج وتسويق على نطاق عالمي، أقل ظلماً من النظام السابق لبلدان العالم الثالث، وأكثر تكيفاً مع احتياجاتها الذي يفترض، في الواقع، حل العديد من المشاكل الأساسية مثل القانون الدولي الجديد، والدوائر المالية والمصرفية الجديدة، وزيادة الاستثمارات ونقلها، ونقل التكنولوجيا، وحتى إصلاح التعاليم”.
التداعيات على جنوب الكرة الأرضية
كانت فترة ولاية شي الجديدة، المنبثقة من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، بمثابة إضفاء الطابع المؤسسي الذي لا رجعة فيه على مبادرة الحزام والطريق، والتي تصادف أن تكون سياسته الرئيسية. في الطرف الآخر، تتوصل بلدان الجنوب بسرعة إلى استنتاجات جادة، لا سيما بالنظر إلى التسييس الصارخ لمجموعة العشرين، الذي ظهر خلال قمتها في تشرين الثاني في بالي.
سلطان بوزارا، محلل غربي، يفهم أن دول البريكس هي G5 الجديدة المهمة، وأنها تمهد الطريق نحو “بريكس + “، كما أنه يدرك أن الرباعي المهم حقاً هو دول البريكس بالإضافة إلى إيران.
إن الفصل الحاد في سلسلة التوريد، والهستيريا المتزايدة في الغرب بشأن موقف بكين من النزاع في أوكرانيا، والنكسات الخطيرة التي عانت منها الاستثمارات الصينية في الغرب، كلها عناصر تلعب دوراً في تطوير مبادرة البريكس. إذ من المتوقع أن تركز بكين في نفس الوقت على نقاط متعددة في الجنوب العالمي، ولا سيما جيرانها من الآسيان وأوراسيا. على سبيل المثال، في خط سكة حديد جاكرتا -باندونغ فائق السرعة الذي تموله بكين، وهو الأول من نوعه في جنوب شرق آسيا، فإن مشروع مبادرة الحزام والطريق سوف يُفتتح هذا العام، حيث تستضيف إندونيسيا الرئاسة الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا.
كما تقوم الصين أيضاً ببناء خط سكة حديد الساحل الشرقي في ماليزيا، واستأنفت المفاوضات مع الفلبين لثلاثة مشاريع للسكك الحديدية. ثم هناك طبقات الترابط، كما سيبرم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي اتفاقية منطقة تجارة حرة مع تايلاند. وعلى هامش عودة لويس إغناسيو لولا دا سيلفا الملحمية إلى السلطة في البرازيل، التقى ممثلو إيران والسعودية لمناقشة مجموعة “بريكس+”، وهو اختيار ممتاز للموقع، حيث تعتبر البرازيل من قبل جميع اللاعبين الجيوسياسيين تقريباً منطقة محايدة رئيسية.
من وجهة نظر بكين، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر، لأن هدف مبادرة البريكس في الجنوب العالمي هو حماية الصين من الاعتماد على الأسواق الغربية، وما نهج الصين المشترك تجاه إيران والعالم العربي سوى دليل على ذلك. قد تكون حقيقة أن الصين تفقد الطلب في نفس الوقت من الأسواق الأمريكية والأوروبية مجرد عثرة (متعددة الأقطاب) ، حتى لو كان انهيار الغرب الجماعي يبدو مبرمجاً بشكل مثير للريبة لإسقاط الصين، لكن سيتكشف عام 2023 مع لعب الصين للعبة الكبرى الجديدة في أعماق نفسها، وصياغة العولمة المدعومة مؤسسياً من خلال شبكة تضم مبادرة الحزام والطريق، والبريكس +، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وبمساعدة شريكها الاستراتيجي الروسي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة أوبك +، فلا عجب أن يكون الغرب المتعجرف في حالة من الذهول والارتباك والهيستريا.