مجلة البعث الأسبوعية

وسائل الإعلام العربية والأجنبية: زيارة الأسد إلى الصين تحدّ للغرب وانتصار للتعدّدية القطبية

“البعث الأسبوعية” – طلال الزعبي

تناولت وسائل الإعلام العربية والأجنبية زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الصين باهتمام بالغ، وتحدّثت معظم الصحف ووكالات الأنباء عن الآفاق المستقبلية لهذه الزيارة وما يمكن أن تضيفه إلى العلاقات التاريخية بين البلدين، مؤكّدة أن الشراكة الإستراتيجية بين البلدين هي حاجة لكليهما لتحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة بينهما، حيث ستعطي دفعاً كبيراً لجهود إعادة الإعمار في سورية التي تعمل الأجندة الغربية على إعاقتها بشتى الوسائل، وخاصة من خلال العقوبات الأمريكية “قانون قيصر” والغربية الأحادية الجانب التي أثّرت بشكل كبير في الاقتصاد السوري، ومشيرة إلى أن هذه القمّة أرسلت رسالة واضحة للغرب بأن العالم ليس فقط الولايات المتحدة وأوروبا، وإنما هناك شرق واعد يمكن التكامل معه في تحقيق التنمية الشاملة، فضلاً عن الدور الأساسي لهذا الشرق في صناعة نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.

 

نحو تعزيز التعاون وإعادة الإعمار

فقد أكدت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية، تحت عنوان “زيارة الأسد إلى الصين.. نحو تعزيز التعاون وإعادة الإعمار”، أن سورية تسعى إلى مزيدٍ من التعاون الاقتصادي مع الصين، وتطوير العمل المشترك في عدّة مجالات، وخصوصاً إعادة الإعمار بعد الحرب.

ونقلت الصحيفة عن الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، ليو تشونغ مين، قوله أنّ سورية قد تسعى إلى مزيدٍ من التعاون الاقتصادي مع الصين في جهودها لإعادة الإعمار بعد الحرب، وذلك في إطار مبادرة “الحزام والطريق” التي اقترحتها وتتبناها الصين.

وجاء في تقرير الصحيفة أنّ سورية تتمتع بموارد وفيرة توفّر فرصاً استثمارية في مجالات التعدين والآلات ومحطات الطاقة والتنمية السياحية، في إشارة إلى أنّه مع نمو الاقتصاد السوري، تتمّ إعادة بناء المدن، وتظهر فرص الاستثمار.

وتوقعت الصحيفة أن يتمّ تعميق التعاون التجاري والرقمي بين البلدين من خلال هذه الزيارة، حسبما صرّح ليانغ هايمينغ، عميد معهد أبحاث “الحزام والطريق” بجامعة “هاينان” الصينية.

وكشف ليانغ تطوّر مجالٍ واسع للتعاون في الصناعات الرقمية، مثل الدفع عبر الهاتف المحمول والمدن الذكية وتكنولوجيا النانو والحوسبة السحابية، لتعزيز التقدم التكنولوجي وتجارة الخدمات في سورية، وبالتالي تسريع التنمية الاقتصادية.

ونقلت الصحيفة تأكيد الرئيس الصيني، شي جين بينغ أنّ بكين مُستعدّة لتطوير التعاون مع سورية والدفاع المشترك عن العدالة الدولية في ظلّ ظروف عدم الاستقرار، بينما ركّزت على تصريح الرئيس الأسد أنّ سورية تتطلع إلى دور الصين البنّاء في الساحة الدولية وترفض كل محاولات إضعاف هذا الدور.

 

فرصة لدفع العلاقات لمستوى جديد

من جهتها، أشارت صحيفة الخليج الإماراتية، وتحت عنوان “الأسد في الصين وبكين تراها فرصة لدفع العلاقات لمستوى جديد”، إلى أن الزيارة مهمّة لإعادة الإعمار في سورية، وجلب استثمارات صينية، وأن بكين تعتبر الزيارة فرصة لدفع العلاقات إلى مستوى جديد بين البلدين.

قناة “الغد” المصرية، كتبت تحت عنوان “الأسد في الصين.. كسر الحصار السياسي بشراكة استراتيجية”، أنه في ظل المناخ الدولي الذي يشهد تصاعد النفوذ الصيني، وإعادة صياغة علاقات التوازن بين الدول، وترقب المتغيّرات والتحوّلات العالمية، بدأت أول زيارة رسمية للرئيس السوري بشار الأسد للصين – منذ الحرب التي اسستهدفت سورية – مشيرة إلى أنها زيارة “تتحدّى التابوهات الغربية لفرض العزلة على سورية، وتحقق كسر الحصار السياسي بشراكة استراتيجية مع الصين”.

وأشارت الصحيفة إلى نتائج الزيارة وأهدافها التي كشفت عنها كلمات الرئيس الصيني شي جين بينغ: “نعلن بصورة مشتركة إقامة الشراكة الإستراتيجية بين الصين وسورية، التي ستصبح محطة مهمّة في تاريخ العلاقات الثنائية”.

ونقلت الصحيفة تأكيد الرئيس شي جين بينغ، في كلمته التي بثت على وسائل الإعلام، أنه على مدى 67 سنة تظل العلاقات السورية الصينية صامدة أمام تغيّرات الأوضاع الدولية وتظل الصداقة تاريخية وراسخة مع مرور الزمن، مشيراً إلى أن بلاده تحرص على تعزيز التعاون مع سورية في إطار مبادرة الحزام والطريق، وتدعم انضمام سورية لمنظمة شنغهاي كشريك للحوار، كما تدعم بشكل ثابت جهود سورية ضد التدخل الخارجي وترفض تمركز القوات غير الشرعية على الأراضي السورية وتحث الدول على رفع العقوبات والحصار الاقتصادي غير الشرعي، إضافة لدعمها بناء القدرات السورية في مكافحة الإرهاب.

 

نحو شراكة إستراتيجية تتحدّى الغرب

قناة آر تي الروسية، خصّصت حيّزاً واسعاً لتغطية الزيارة حيث نشرت أخباراً مصوّرة حاولت من خلالها قراءة أهم الرسائل من الزيارة، مستعرضة أهم اللقطات التي وثّقتها بمقاطع الفيديو التي حرصت على نشرها.

وتحت عنوان “سورية والصين.. نحو شراكة إستراتيجية تتحدّى الغرب”، تحدّثت القناة عن اتفاق الشراكة الاستراتيجي، مستعرضة حديث الزعيمين الكبيرين حول العلاقات بين البلدين وسبل تطويرها في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، ومبرزة حديث الرئيس الأسد عن رفض سورية محاولات إضعاف الدور الصيني في المحافل الدولية عبر التدخل في شؤونها الداخلية أو محاولات خلق توتر في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب شرق آسيا.

وتساءلت القناة: ما دور سورية في العالم الجديد المتعدّد الأقطاب؟ مبرزة قول الرئيس الأسد: إن الصين تؤدّي دوراً كبيراً في إعادة التوازن الدولي بالعالم، وإن التوجّه شرقاً ضمانة سياسية وثقافية واقتصادية بالنسبة لسورية، مشيرة إلى أن الأسد أكد أن العلاقة بين البلدين يمكن أن تنطلق بقوة أكثر من خلال المبادرات الثلاث التي طرحها الرئيس شي جين بينغ لتطوير التعاون في المجال الاقتصادي والثقافي وخلق مشاريع استثمارية مشتركة ضمن مبادرة الحزام والطريق.

موقع سبوتنيك الروسي، تناول الكلمات المفتاحية التي أطلقها الزعيمان خلال الزيارة حول الأسس التي بنيت عليها العلاقات بين البلدين، مبرزاً حديث الرئيس الأسد عن أهمية الزيارة وظروفها “حيث يتشكل اليوم عالم متعدّد الأقطاب”، ونقل قول السيد الرئيس مخاطباً الرئيس الصيني: “هناك تأييد دولي واسع لمبادراتكم الخمس المهمة، مبادرة الحضارة العالمية والأمن العالمي والتنمية العالمية المتجسدة في مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى تحقيق الأمن والتنمية للجميع عبر التكامل لا عبر الصدام”.

وأشار الموقع إلى تعليق على هذا التطوّر في العلاقات بين بكين ودمشق، من أستاذ حقوق الإنسان الدولية في كلية الحقوق في جامعة بيتسبرغ، دان كوفاليك، حيث قال: إن “الصين بحاجة إلى سورية وتريد صداقة سورية”.

وقال: “أعتقد أن الصين تنظر إلى سورية كدولة مهمّة في العالم، ليس فقط بسبب نفطها، ولكن بسبب تاريخها وأهميتها في الشرق الأوسط كدولة قدّمت دعماً ثابتاً للفلسطينيين، على سبيل المثال، لذلك أعتقد أنها علاقة جيدة متبادلة”.

ومن جهة ثانية، نقل الموقع حديث مقدّم البودكاست “الحرير والصلب”، كارل تشا، حول أن الصين واصلت دعم سورية طوال الحرب التي شنّتها أمريكا ودول حلف شمال الأطلسي “ناتو” على دمشق، مشيراً إلى أن “سورية قد تلعب دوراً مهمّاً في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، لتكون بمنزلة “قناة لنقل البضائع”، وأن هذا قد يكون بمنزلة نعمة كبيرة للتعافي السوري في مرحلة ما بعد الصراع”.

 

طريق الحرير الجديدة

موقع “بي بي سي” البريطاني، أشار إلى أن الزيارة محطة على “طريق الحرير الجديدة”، رغم أنه حاول اختصار هدفها بالمشاركة في افتتاح دورة الألعاب الآسيوية.

قناة فرانس 24 نقلت أن زيارة الأسد إلى خانجو تضمّنت توقيع ثلاث وثائق تعاون، منها مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” التي هي مشروع صيني ضخم لإقامة سكك حديد وبنى تحتية تربط الصين بآسيا وأوروبا وإفريقيا، مشيرة إلى أن سورية انضمّت إلى هذه المبادرة العام الماضي.

وعلى مستوى الشخصيات الرسمية، قال نائب رئيس مجلس رابطة الدبلوماسيين الروس السفير أندريه باكلانوف: إن “زيارة الرئيس الأسد إلى الصين والمباحثات مع قيادتها تشكّل عنصراً جديداً في تطور الوضع في الشرق الأوسط”، مؤكداً أن الأصدقاء الصينيين سوف يوسّعون أطر علاقاتهم وتفاعلهم مع سورية بصور مختلفة ما سيعدّ حدثاً غير متوقع بالنسبة لأولئك الذين يقفون في الجانب المناهض لمصالح الشعب السوري ومن بينهم الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لأنهم لم يضعوا في الحسبان هذا التطوّر الجديد في منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف باكلانوف: إن “الرئيس الأسد دخل التاريخ من بوابة الحفاظ على استقلال سورية وامتلاكها قرارها الوطني ومنعها من الوقوع في شرك المؤامرات التي حيكت ضدها كما جرى في بعض بلدان المنطقة”، مشيراً إلى أن روسيا والصين وإيران وسورية سوف تواصل توجّهها في سبيل إنهاء المؤامرات في منطقة الشرق الأوسط وفي سبيل أن تحل شعوب المنطقة مشكلاتها بنفسها لا بإملاءات خارجية.

بدوره، قال مدير معهد القضايا الدولية المعاصرة التابع للأكاديمية الدبلوماسية لوزارة الخارجية الروسية عضو مجلس السياسة الخارجية والدفاع في روسيا السفير ألكسندر كرامارينكو: إن المرحلة التي اعتبرت الولايات المتحدة فيها الشرق الأوسط منطقة نفوذ لها ولّت إلى غير رجعة، مبيّناً أن “الأمريكيين تخلّوا عن أصدقائهم في الأوقات العصيبة، علماً أنهم لم يعتبروا أحداً صديقاً لهم وأكثر من ذلك أنهم مارسوا الاستفزازات في المنطقة”.

ورأى الدكتور نبيل سرور، أستاذ العلاقات الدولية والباحث في الشؤون الصينية، أن الاهتمام الذي حظيت به زيارة الأسد للصين يجيء في إطار اهتمام الصين بالمنطقة كلها.

واعتبر سرور، في حديث لـ”وكالة أنباء العالم العربي”، أن إرسال الصين طائرة خاصة إلى دمشق كي تُقلّ الرئيس السوري، والوفد المرافق له إلى أراضيها، يحمل في طيّاته رسالة بالتحرّك لكسر القيود الغربية والعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، لافتاً إلى حجم الاستقبال الرسمي هناك.

ويعتقد سرور أن “التطلع نحو الصين قد يكون خطوة ذكية من دمشق”.

حسين العسكري، المحلل الاقتصادي والاستراتيجي بـ”معهد شيلر الدولي”، أشار إلى أن زيارة الأسد إلى الصين يمكن أن تشكّل “ثغرة في جدار العقوبات على سورية”.

وهو يرى أن وجود كتلة اقتصادية ومالية عالمية تشمل روسيا والصين وبقية دول “بريكس” و”منظمة شنغهاي” التي تضمّ أيضاً إيران ودولاً كبيرة أخرى جعل لهذه الدول آلية خاصة للتمويل والتجارة والعلاقات الاقتصادية تُستخدم فيها العملات المحلية، ما يجعلها تتصرّف بطريقة مختلفة دون أن تخشى العقوبات الأميركية أو الأوروبية.

وأضاف العسكري: إن الصين تنظر إلى سورية بوصفها محوراً أساسياً ضمن خطة “الحزام والطريق”؛ لأنها المحطة النهائية في أهم الممرات من الصين إلى غرب آسيا، وصولاً إلى البحر المتوسط.

أما على المدى البعيد فقد نوّه العسكري بأن تطوّر العلاقات بين البلدين يمثل تحولاً استراتيجياً مهمّاً، وخاصة أن سورية باتت قادرة على لعب دور كبير، حال دخولها “منظمة شنغهاي” مستقبلاً.

على أن أغلب الوسائل والشخصيات أجمعت على أن أهمية الزيارة تكمن في كونها تشكّل مؤشّراً واضحاً على نزعة واضحة للتخلّص من النظام العالمي الأحادي القطب، والولوج إلى عالم متعدّد الأقطاب تكون فيه فرص العدالة والتنمية متساوية للجميع، وأن العالم تغيّر إلى غير رجعة.