هل أصبحت “مؤسساتنا”.. عالة على نفسها؟!
قسيم دحدل
تطرح موافقة مجلس الوزراء مؤخرا على منح العاملين في الدولة مبلغ 400 ألف ليرة كقرض بدون فوائد، ولمرة واحدة، جملة من القضايا في الإدارة المالية والاستثمارية والاستهلاكية، شأنه في ذلك شأن القروض الاستهلاكية الأخرى التي تطرحها المصارف والتي وصل سقوفها لـخمسة ملاين ليرة، كالقرض الأخير لمصرف التوفير، والذي تم تحديد فائدته بـ 12% ولمدة خمس سنوات.
ولعل أولى ما يطرح في هذا الشأن كمية النقد وقيمته وقدرته الشرائية، مقارنة بالأسعار الجنونية المستمرة في الارتفاع يوميا ودون توقف للمواد والسلع..! إذ أن هذه المبالغ (في حالة الـ 400 ألف ليرة مثلا) لا تفي بمتطلبات عدة أيام، لا أكثر، من الاحتياجات المعيشية الأساسية، أي أن جدواها المالية والاقتصادية لا وجود لها فعلا، كون المبلغ سيتم صرفه كاملا، لا استثماره، لأن منحه بالأساس تم للمساعدة في تأمين المتطلبات الاستهلاكية اليومية. وعليه، فإن هكذا مبلغ لا يتعدى أن يكون “حبة مسكّن” لا يتجاوز مفعولها الساعات القليلة، لتعود المعاناة المالية لجيوب المواطنين وخاصة ذوي أصحاب الدخل المحدود، أي أن مشكلة الدخل أو حتى القروض المساعدة لم ولن تحل معضلة الدخل والنفقات!
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، والذي يتم التعامي عنها، فهو مقدرة العامل في القطاع العام، على تسديد ذلك المبلغ الهزيل أصلا في ظل التضخم المرعب، وضعف الراتب، حيث لا يمكن أن يتحمل الأخير اقتطاع 40% منه شهريا، ولسنوات طوال (حتى في حالة عدم وجود فائدة سنوية). والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا يؤخذ هذا الأمر بالحسبان، أي مقدرة ما يتبقى من الراتب على تأمين مصاريف أيام الشهر المتبقية؟ فإذا كان راتب الموظف الذي بلغ السقف 135 ألف ليرة شهريا لا يكفيه، فكيف يكفيه ما يتبقى منه بعد اقتطاع 40% منه؟ لا شك أن هذا مستحيل فوق المستحيل، إلاَّ أذا كان الموظف “سوبرماناً” يعمل بعدة أعمال يوميا، كي يقترض أو يأخذ مثل تلك المبالغ.. وما يقال بالنسبة لمبلغ الـ 400 ألف ليرة، يقال عن قرض الـ 5 ملايين بالنسبة للعاملين في القطاع العام!
إن تلك المبالغ، وبما تمثله من كتلة مالية مهمة، كان من الأجدى دراستها في مشاريع إنتاجية وتنموية قد تساهم في رفد الخزينة العامة بسيولة إضافية تدعم الإنفاق على الموازنة الجارية خاصة والاستثمارية عامة. كما أن مثل تلك المنح والقروض الاستهلاكية تظهر عدم قدرة مؤسساتنا المالية والاستثمارية على استثمار أموالنا بما يحقق زيادة في إيرادات ماليتنا العامة. وخير مثال على ذلك إضطرار شركة “سيرونيكس” لتصنيع علّاقات الملابس والسحاحير، نتيجة لضعف إمكانية إنتاج المزيد من الشاشات.. ولضعف التمويل والحوافز. أما اللجوء إلى الاستثمار الريعي، فلا يغني أو يسمن من جوع!
Qassim1965@gmail.com