دراساتصحيفة البعث

كوبا مثالاً للكرامة

هيفاء علي

انطلقت الثورة الكوبية في الأول من كانون الثاني من عام 1959 على أيدي حركة 26 تموز بقيادة فيدل كاسترو. بدأ كاسترو، المحامي الشاب، الثورة ضد باتيستا في تموز 1953، ولكن قبض عليه وعلى رفاقه وسجنوا. وبعد إطلاق سراحه أسس حركة 26 تموز التي بدأت العمل ضد حكومة باتيستا، وقد نجحت هذه الحركة في منتصف عام 1958 بالسيطرة على الأوضاع، وفّر باتيستا خارج البلاد، وأصبح كاسترو رئيساً للحكومة. حاولت الولايات المتحدة دعم حكومة كاسترو في البداية، ولكن القيادات الثورية لم ترحب بذلك الدعم الذي يخفي في طياته الأهداف الخفية.

وبعد مضي 64 عاماً، يتساءل البعض من المحللين الكوبيين: لماذا لا تقبل الدولة الكوبية بمطالب الولايات المتحدة مقابل رفع الحصار؟ ولماذا تستمر هذه الثورة في مواجهة أقوى إمبراطورية كانت موجودة على وجه الأرض؟ وهل يستحق الاستمرار في هذا النهج كل هذا الثمن؟

لقد غيرت الثورة الكوبية جوهر كوبا بشكل جذري، دون أن تفرض نفسها، لأنها بنيت من أسفل، مع الشعب ومن أجله، ولم تكن من عمل المستنيرين والأثرياء، رغم أن فيدل كاسترو أشرق كمرشد.  وبحسب المحللين، فقد كانت الثورة الكوبية عملية لها رائحة وطعم الناس، ولذلك صمدت أمام الرعد والبرق والأعاصير والزلازل والتسونامي الاقتصادي والسياسي الذي أرسله الجار وحلفاؤه، نظراً لأنها اقترحت أن تكون ثورة يقرر فيها الكوبيون مصير حياتهم ومصير بلدهم، وكان لا بد من أن تكون مناهضة للإمبريالية، حيث كانت الإمبراطورية هي التي سادت حتى 1 كانون الثاني من عام 1959، واتضح أن الإمبراطورية كانت شديدة الحساسية، ولكن في أجزاء كثيرة من القارة، بدت سلطتها موضع تساؤل، وأصبحت مناهضة الإمبريالية قضية عادلة، لأنها مرادفة للكرامة والحرية والسيادة، وهذا هو السبب في أن أمريكا اللاتينية لم تعد هي نفسها منذ تاريخ دخول فيدل وأبنائه إلى هافانا وبدأوا في مواجهة عداء واشنطن.

لقد عطلت كوبا المعادية للإمبريالية خطط الامبراطورية الخبيثة الرامية الى السطو على الجزيرة، وأثبتت أن هذا الأمر كان ممكناً، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد، وكان الأسوأ لم يأت بعد. لقد كانت لدى الثورة الكوبية الوليدة المناهضة للإمبريالية الجرأة لاقتحام البحار والوصول إلى أراضٍ بعيدة لمحاربة الإمبريالية وأتباعه، وقد ساعدت عدة دول في إفريقيا على تحرير نفسها من نير الاستعمار، وترك العديد من أبنائها حياتهم في هذه البلدان البعيدة وعادوا إليها. ومن خلال معاداتها للإمبريالية، على الرغم من أن الكثيرين لا يعرفون ذلك، ساعدت أيضاً في إنهاء الفصل العنصري اللا إنساني والشاذ في جنوب إفريقيا، والذي تغذى مما يطلق على نفسه أعظم ديمقراطية في الكون أي ما وراء كوكب الأرض.

كوبا معادية للإمبريالية، سواء أعجب ذلك الآخرين أم لم يعجبهم، حتى لو كانت هذه الكلمة تذكر بالنصوص أو الخطب القديمة، لكن الإمبريالية لا تزال على قيد الحياة، حيث أن مركز القوة هذا الذي تأسس في واشنطن، والذي تسبب ولا يزال يلحق الكثير من الأذى بالبشرية عبر حروبها المباشرة وغير المباشرة بدعوى جلب الديمقراطية والحرية، هو إمبراطورية باتت ضعيفة وآيلة للسقوط.

واليوم، غدت هذه الإمبراطورية تتأرجح حقاً، ويتم التشكيك في سلطتها هنا وهناك، ورغم ذلك لم تتخل قيد انملة عن عنجهيتها وغطرستها، حتى بات عدد كبير من الدول الأخرى تريد أن تحرر نفسها من هذا النير، ومن هذا المخلب الذي يسحقها إسوة بما فعلته كوبا.

لقد كانت كوبا المعادية للإمبريالية وما زالت مثالاً للكرامة، ويمكن القول إن الدول القليلة التي تقول اليوم “لا” للإمبراطورية قد رأت مثالاً في هذه الجزيرة التي تسمى كوبا وفي ثورتها. إذا كانت كوبا، هذه الجزيرة الكاريبية، في قلب غضب الإمبراطورية وتتواجد بانتظام في الأخبار في وسائل الإعلام حول العالم، فذلك لأنه يجب أن يكون هناك شيء جيد جداً حول ثورتها، لأنه من النادر التحدث حول الدول العادية في وسائل الاعلام المختلفة.