زوايا

العتب لا يُفسد للودّ قضية

إبراهيم ياسين مرهج

لم ينسَ قادة الحزب الديمقراطي الأمريكي اصطفافَ رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جانب الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي، والمناكفات التي قام بها إبان حكم الرئيس باراك أوباما ومسارعته لقبول دعوة الجمهوريين لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، رغم عدم موافقة أوباما ونائبه جو بايدن حينها على هذه الخطوة، وعدم لقائهما به.

واليوم يبدو أنها الفرصة لإدارة بايدن الديمقراطية لردّ الصاع صاعين، وتذكير نتنياهو بتجاوزاته السابقة.. لِمْ لا ونتنياهو يمرّ بأسوأ فترات توليه رئاسة حكومة الاحتلال بعد التنازلات التي قدّمها لحلفائه من اليمين الصهيوني المتطرّف في الائتلاف.

وقد أخذت التأويلات تغزو وسائل الإعلام الأمريكية والغربية عن كيفية التعاطي الأمريكي الرسمي مع حكومة نتنياهو في ولايته السادسة، والتي تضمّ شخصياتٍ أدينت سابقاً بقضايا الإرهاب، كوزير ما يسمّى الأمن القومي الجديد، إيتمار بن غفير، إلا أن الغالب أن هذه المماحكة لن تتجاوز التأنيب اللفظي أمام عدسات الكاميرات لذر الرماد في العيون.

ولكن العلاقة بين أمريكا وكيان الاحتلال الصهيوني علاقة راسخة، وواشنطن لن تتخلى عن دعمها لـ “إسرائيل” تحت أي ظرف من الظروف. كما لا يمكن أن نتجاهل أن قادة أمريكا يعدّون أنفسهم صهاينة أكثر من الإسرائيليين، وهو ما أشار إليه بايدن وغيره في أكثر من مناسبة.

وعليه، لا يمكن إدراج تصريحات وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن ومسارعته إلى زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولقائه نتنياهو، إلا في سياق مساعي الإدارة الأمريكية للإبقاء على خيوط اللعبة السياسية في المنطقة تحت السيطرة، ومحاولة الضغط على عتاة التطرّف في حكومة الاحتلال، كابن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لكي لا يُقدِما على أيّ أفعال من شأنها أن تُحرج الأنظمة العربية المطبّعة، وتضعها في موقع تُضطرّ فيه إلى اتخاذ مواقف ضد كيان الاحتلال، للحفاظ على ما أمكن من ماء وجهها أمام شعوبها.

مع التنويه إلى أن الاستراتيجية الأمريكية تندرح في إطار الحفاظ على ما يسمّى التطبيع بين الاحتلال والدول العربية التي وقعت على اتفاقيات أبراهام، وتوسيعه ليشمل أنظمة عربية أخرى، وفي مقدّمها النظام السعودي، وتكوين تحالف عسكري بين “إسرائيل” والأنظمة المطبّعة شبيه بحلف شمال الأطلسي “الناتو”، في الشرق الأوسط.

وبالتالي، فإن قليلاً من العتب لا يُفسد للودّ قضية، ولكن يبدو أن هذا الضجيج الإعلامي لم يلقَ آذاناً مصغية إلا عند الذين ما زالوا يصمّون آذانهم ويغمضون أعينهم عن جرائم أمريكا و”إسرائيل” في فلسطين والمنطقة، ويرون فيما تقوم به واشنطن عين الديمقراطية في العالم، فهل يعي هؤلاء أنهم أدوات لدى واشنطن، وأن كيان الاحتلال وإن تغيّرت تسميات الأشخاص الممسكين بدفة الواجهة السياسية سيبقى كيان الاغتصاب والاحتلال، وأن فلسطين وغيرها من الأراضي العربية المحتلة لن يحرّرها الارتهان للأمريكي والمفاوضات العبثية وإنما المقاومة.