“ترنيمة عيد الميلاد”.. ديزني تستعيد قصة ديكنز بعد ثلاثين عملاً
سامر الشغري
استيقظت صباح أول أيام السنة لأجد على الجوال رسالة منها تقول: “إن الدراسات الحديثة تؤكد أن نسبة مشاهدة أفلام الكرتون عند الرجال تفوق مثيلتها عند النساء 13%”.
ضحكت في سري وعلمت أنها تغمز من قناتي لأني انشغلت بمتابعة أفلام الأنيمشن للأطفال ولم أكتب مقال رأس السنة، حيث اتفقنا على أن يكون موضوعنا فيلم “كريسماس كارول” أو “ترنيمة عيد الميلاد” أحد أعمال الكرتون المستوحاة من أجواء عيد الميلاد ونهاية العام.
كنتُ أريد تناول الجانب الايديولوجي في الفيلم المقتبس من قصة الكاتب الانكليزي تشارلز ديكنز الشهير بعنوان “شبح عيد الميلاد”، لأن الشخصية الرئيسية في القصة مرابٍ يهودي بخيل وفظ، وخاصة إذا عرفنا أن ديكنز لاحقته كالكثير من أدباء الغرب تهمة “معاداة السامية”، وما شخصية فاجين المجرم اليهودي في روايته المعروفة “أوليفر تويست” إلا مثال على ذلك.
أما هي فوجدت أن التركيز على البعد الإنساني في الفيلم أكثر أهمية، فهو يحكي كيف يضيع الإنسان أهم شيء يمتلكه وهو الوقت، وعندما تأخذه الحياة، تجعله ينسى من حوله، ليأتيه النداء الأخير قبيل مجيء النهاية محذراً على صورة حلم، لتختتم رأيها بسؤال ما زال يحيرني “ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانه”، على أن قصة الفيلم بحدّ ذاتها جميلة، فهي تحكي عن العجوز سكروج البخيل والطماع والأناني، الذي يواجه في ليلة الميلاد ثلاثة أشباح تكلمه عن ماضيه وحاضره وموته، فينقلب إلى شخص محب وكريم ولطيف.
والواقع أن هذا الفيلم الذي أنتجته ديزني عام 2009 وسخّرت له كل مقومات النجاح بميزانية فاقت 180 مليون دولار هو النسخة السينمائية الثلاثين لقصة ديكنز، وفقاً لكاتبة المحتوى الأمريكية مادي بي، من بينها مرتان مع الشركة المنتجة ذاتها.
ولكن ما الذي يدفع كبرى شركات العالم في صناعة الترفيه والرسوم المتحركة لأن تصنع ثلاث نسخ من هذه القصة بفواصل زمنية غير متباعدة من ميكي وترنيمة عيد الميلاد إنتاج سنة 1983 وأنشودة ميلاد الدمى المتحركة إنتاج سنة 1992، ليأتي بعدها فيلمها الأخير والذي حشدت له إمكانات هائلة، حتى أن النقاد قالوا من بعده لا داعي للمزيد من الأعمال عن قصة ديكنز.
هذه المرة لم تشأ ديزني أن تقدم قصة شبح عيد الميلاد بطريقتها هي، كما فعلت في المرتين السابقتين عندما أدخلت الفأر ميكي والدمى الأمريكية، بل استوحت الروح البريطانية المحضة للقصة، بدءاً من استخدام اللكنة الانكليزية المحضة حتى قال الجمهور البريطاني عندما شاهد الفيلم “يا إلهي إنهم يتكلمون مثلنا”، واستعادة الأجواء الفيكتورية لأن قصة الفيلم تعود لتلك الحقبة.
ولمزيد من الواقعية استخدمت ديزني في الفيلم تقنية التقاط الحركة التي تقوم على تسجيل أفعال الممثلين البشريين، واستخدام هذه المعلومات لتحريك نماذج الشخصيات الرقمية في الرسوم المتحركة الحاسوبية ثنائية أو ثلاثية الأبعاد صناعة الأفلام والألعاب، بمعنى أبسط أصبحنا نشاهد فيلم كرتون يطابق الواقع.
ومن عوامل نجاح الفيلم أيضاً كاتبه ومخرجه روبرت زيميكيس صاحب الأعمال الأكثر نجاحاً، فعلى صعيد الأفلام الواقعية نذكر تعاونه مع النجم توم هانكس في فيلمي المنبوذ وفورست غامب، وفي مجال الكرتون قدم زيميكيس فيلم “من ورط الأرنب روجر” الذي كان أول تجربة تمزج الأنيمشن والواقع، ومؤخراً أخرج لديزني القصة الشهيرة بينيكيو التي كانت قدّمتها للمرة الأولى سنة 1944، دامجاً للمرة الثانية الواقع مع الانيمشن بأسلوب مبهر استفاد من التقنيات التي لم تكن موجودة عندما قدّم تجربته الأولى مع الأرنب روجر سنة 1988.
ولعلّ إسناد الدور الرئيسي في الفيلم للنجم جيم كيري أحد أسباب نجاحه الأخرى، فهذا الممثل الكندي الأصل من عباقرة التمثيل الحركي وتعابير الوجه، حيث استطاع ببراعة لا متناهية إظهار الجانب القاسي والفظ عند المرابي سكروج بإطار فكاهي محدثاً حسّ المفارقة والتي هي أساس الكوميديا.
بعد كلّ ذلك سأقول لها عندما أراها ليس البعد الايديولوجي في الفيلم هو المهمّ ولا العبرة من ورائه، بل إنه تلك التقنية العالية المبهرة التي جعلت من الجمهور الذي شاهد عشرات النسخ من هذا العمل، يقبل عليه مجدداً وتستعيده المحطات مع كلّ عيد رأس السنة.