نعيم ميّا في محاضرة “العربية بين الشعر والنثر”
اللاذقية- مروان حويجة
مكّنت المقاربة الأدبية الثقافية التي تناولها الشاعر الأديب نعيم ميّا في محاضرته “العربية بين الشعر والنثر” من الإضاءة على أوجه الشبه والاختلاف بين الشعر والنثر وسمات كلّ منهما ونقاط التلاقي والتباعد بينهما، واستهلّ حديثه بالتأكيد على الأهمية المطلقة التي تتفرد بها اللغة التي تبقى المكوّن الرئيسي لأيّ عمل أدبي مهما كان نوعه، وهي المادّة الخام له، فاللغة التي يستخدمها الشاعر هي اللغة نفسها التي يستخدمها الروائيّ أو القاص، ومن هنا لابدّ أن نطرح على أنفسنا السؤال الآتي: لماذا نقول هذه لغة شعرية وهذه لغة نثرية؟ ولضرورة الإجابة ولزومها يجب أن نقول: إنّ لغة الشعر لغة إشارة وإيحاء وتقضي على رتابة تفكير المتلقي وتعبيره، أمّا لغة النثر فهي لغة مباشرة تخبر وتعلن عن نفسها من أوّل وهلة وتساير المتلقّي في تفكيره وتعبيره وتسير معه، لأنها توافق العقل وتقدّم الحقائق، وما يمكن لحظه أنّ لغة الشعر فيها ما يكلّف الشاعر ولاسيما الوزن والقافية على عكس النثر، ومن الضرورة بمكان أن ننتبه إلى أنّ الشعر مصدر أساسي للغناء على عكس النثر، وقد اعتبر البعض أنّ الشعر فنّ ولهو، وهو غير مناسب لأغراض الحياة اليومية المتعدّدة، في حين أنّ النثر هو لغة السياسة والخطاب ولغة الكلام اليومي كذلك هو لغة الدّين، ومن المثير للانتباه أنّ قول الشعر يتطلب الوقوف في حين النثر يُقرأ من جلوس.
وعن المقارنة بين الكتابة في كلّ منهما، يوضّح ميّا أنّه من المعلوم أنّ كتابة الشعر أصعب وأعقد من كتابة النثر، ولا بدّ أن يصل الشاعر بالقارئ إلى العفويّة والثقة، ومن الضرورة بمكان القول: إنّ الإبداع الشعري قليل، ومداه قصير، ونتاجه محدود، وهذا يدلّ على الاهتمام بأن يخرج الشعر بأبهى وأروع صوره، وكتابة النثر لا تستلزم ما قلناه في كتابة الشعر، فكتابته تحتاج التنظيم والإرادة، ولا ضرورة للالتزام في الوزن والقافية على الرغم من اعتماد الشعر عليهما والتزامه بهما، ولكن الحقّ لا يمكن تفضيل أحدهما على الآخر، فلكلّ ميزته وأهله، وإنما العرب أعطت الشعر هذه المكانة لما يحمله من تلاؤم الموسيقا وإمكانيّة التغنّي به، والنثر لغة العلم والدّين والسياسة، ومن هنا نجد أنّ الحاجة إلى كليهما ماسّة.
وعن تقنية الكتابة الشعرية والنثرية قال ميّا: لابدّ من الإشارة إلى أنّ الشعر يقوم على الاختزال والإيجاز، في حين أنّ النثر يُستخدم للحوار، ولا يمكن إغفال تطور كلّ من الشعر والنثر.
ويطرح الشاعر ميّا تساؤلاً: أيهما أسبق الشعر أم النثر؟ أم أنّ وجودهما كان في الحقبة الزمنية نفسها؟ إن كانت كتابة الشعر تحتاج إلى تقيّد بالوزن والقافية والمحافظة على الفكرة، وبالتالي اتّباع نظام أكثر تعقيداً من النثر الذي لا يحتاج إلى الوزن والقافية بل أكثر مايحتاجه هو التنظيم والإرادة، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كتابة النثر تكون أسهل من كتابة الشعر، ولكن هذا لا يعني أنّ النثر أسبق من الشعر. ويؤكد ميّا أنّ كلّاً من الشعر والنثر آليّة يعبّر بها الشاعر والكاتب عن مفاهيمه الشخصية وكلاهما نمطان مختلفان في طريقة الكتابة لكنهما متشابهان في المضمون ألا وهو تقديم العمل الإبداعي، وأشار إلى أنّ الفروقات بين الشعر والنثر تكمن في تمتّع الشعر بالوزن والقافية دون النثر، واستخدام الشعر للتعبير عن المشاعر، ويبقى الشعر ضمن الفكرة الواحدة، في حين أنّ النثر قد يطول ويتشعّب وتكثر فيه الأفكار، والشعر بما يمتلكه من صور وتكثيف أقدر على إيصال المشاعر والأحاسيس من النثر، ومن التشابه بين الشعر والنثر أنّه لكل منهما أنواع وكلاهما يستخدم الأدوات ذاتها ما يضفي الجمال والجاذبية، وللشعر قيود، فيما لا يلتزم النثر بقواعد وهياكل رسميّة “ليس القصد القواعد النحوية”، وعن تفضيل الشعر أم النثر فذلك لا يعود إلى ضوابط وقواعد معينة ولا يمكن ربط الأفضلية بموضوع التقيّد والتكلّف، ففي النوعين إبداع وتكلّف ولكل أدواته وكلفته.
ويخلصُ ميّا إلى القول: يبقى للشعر أهله كما للنثر أهله، ولا يمكن تفضيل جنس أدبي على آخر طالما كانت الغاية هي الإنسان الذي هو أصل الأشياء ومحور الأحداث، وطالما أنّ الشعر والنثر على السواء يستخدمان الأدوات ذاتها ولهما الهدف نفسه من المتعة والفائدة والجمال والحق والخير.