رعد خلف في “قصة من الشرق”: الميوزكل حالة استعراضية موسيقية
ملده شويكاني
“قوموا اطلعوا ع الساحة”، تلك كانت الجملة السردية المحكية المغنّاة من أحد أبطال المسرحية الغنائية الموسيقية “الميوزيكل” بعنوان “قصة من الشرق” بتوقيع المايسترو رعد خلف بالإخراج والتأليف الموسيقي والإشراف العام، وقصة وسيناريو وأشعار محمود إدريس، على مسرح الأوبرا.
واعتمد الديكور على تلاصق البيوت الصغيرة من الطراز المعماري القديم على طرفي الدرج الثنائي، لتقرأ النوافذ الصغيرة المغطاة بـ “الأبجورات الزرقاء” والتي تتعرّش عليها سلاسل أغصان الورد الليلكي رسائل حب، فيوحي المشهد بلوحة فنية ساحرة بتكويناتها المتكاملة مع الشاشة للسماء الزرقاء والطيور البيضاء المحلقة، واستدارة القمر مع تغييرات الإضاءة وانعكاسها على أضواء المنازل ولون جدرانها.
كما شغلت الساحة حيّزاً من العرض لتكون نقطة التقاء بين سكان الحارتين والعائلتين المتخاصمتين رغم الحب الذي جمع بين فردين منهما: “جاد” و”مصطفى الشهابي” و”شغف” و”آيه الشاعر”.
كانت الموسيقا البطل الذي يحرك سياق الأحداث الدرامية والحوار الغنائي المحكي بين الشخصيات وبأصوات تختلف وفق درجة النوتة الموسيقية، بما يتخللها من أشعار محكية “يا حلم ع بواب الصحو، اتنين تاهوا وما لقوا” ترتبط بتصاعد الأحداث التي لا تخلو من الطرافة كما في شخصية ختيارة الحي- رولا طهماز.
من الواقع المعاش
والملفت إقحام بعض الاقتباسات من الواقع المعاش بقلة توافر المازوت والبنزين والغاز نتيجة الحصار الجائر “لشو البينزين، لشو المازوت، لشو الغاز خليك ماشي”، كما وظّف المايسترو خلف حضور أم كلثوم بمشهد ثنائي بصوت إحدى الشخصيات “كنت بخلص لك من كل قلبي”.
أما موسيقا العرض فبُنيت وفق النسيج الموسيقي المتكامل للمايسترو رعد بتوليفة الأوركسترا مع البيانو والنحاسيات والإيقاعيات ككتلة واحدة، بألوان موسيقية منها الجاز تتناغم مع اللوحات الجماعية للرقص المعاصر والرقصات العالمية، بما فيها مشاهد اللقاءات العاطفية ولوحات الرقص الثنائية الرومانسية على وقع الحوار الغنائي “عشق العمر أحلام”، إضافة إلى لوحات الذكور التي تمزج بين حركات الجمباز والقفز السريع بحركات الرقص الاستعراضي.
الإبداع بالتنفيذ
ومن حيث القصة فهي تقليدية ومألوفة في الدراما، إلا أن الإبداع في تنفيذ العمل الدرامي بكل تفاصيله المشغولة بعناية، فجاد من عائلة متخاصمة مع عائلة شغف يسافران لمتابعة الدراسة، وبعد تخرجهما يعودان فيطلب المختار “أبو الورد” مجدي أبو عصفور والد “شغف” منها أن تطلب الطلاق من “جاد” لتتزوج ابن عمها بناء على عرف العائلة، وكذلك والدة “جاد” الست غالية “غزل يوسف” وتدخل العرض شخصية سلاسل “مي حاطوم” التي تنقل الأخبار وتثير الفتن، وشخصية البائع على الدراجة، إضافة إلى “نسمة” و”ديب” اللذين يعيشان قصة حب ويلتقيان على طرف النهر.
وخلال العرض تمّ التطرق إلى مسألة محاولة تهميش المرأة من قبل المختار الذي يمثل قوة بالحارة “الحي بدوا رجال وقت يحكوا الكلمة بتنسمع”، تلقى مواجهة من قبل “الست غالية” رئيسة الجمعية النسوية والتي تؤكد على دور المرأة “مين إلي له الكلمة؟؟”.
وفي مشهد الاختتام تتمّ المصالحة بعد مواجهة جاد وشغف العائلتين على وقع متتالية الموسيقا الإيقاعية والرقص الجماعي ودور العازفتين حنين ملحو ونتالي حلاق بالعزف على الآلة الإيقاعية، وغناء “أصل الفرح إنسان”.
وقد حظي هذا العرض على مدى أيام بمتابعة جماهيرية، ولاقى إعجاباً من الجمهور كونه أعاد الذاكرة في زاوية منه إلى المسرحيات الغنائية اللبنانية.
الميوزكل أشبه بـ”البزل”
وفي حديث خاص لـ”البعث” مع المايسترو رعد خلف أوضح أن: هذا المشروع “الميوزكل” بدأ منذ ثمانية أشهر تقريباً، وكونه متوجهاً باتجاه الشباب فوجدتُ مساحة كبيرة في المعهدين العالي للموسيقا والفنون المسرحية، ولأول مرة تقام مسابقة تجربة أداء لعمل مسرحي موسيقي، لأن اختصاص الممثل المسرحي الغنائي من أصعب الاختصاصات، يتطلب منه أن يكون ممثلاً ومغنياً وراقصاً، لذلك كان الانتقاء دقيقاً جداً، إذ تقدم للمسابقة أكثر من مئة وعشرين فرداً، وجميعهم موهوبون فقررتُ تغيير القصة من البطولة الثنائية لجاد وشغف إلى بطولة جماعية، ومشروع البطولة الجماعية يعدّ من أصعب أشكال البناء المسرحي الموسيقي، هو أشبه ببناء “بزل” وكل مشارك أشبه بقطعة صغيرة له دوره بتكوينات البناء العام للعمل، والعناصر كلها كانت مرتبطة بالعمل الموسيقي بقيادتي، وجميعها مهمّة من حيث الأزياء والديكور والإضاءة لبناء عمل متكامل، فاستعنتُ باختصاصيين.
وتابع بأن البدايات كانت مع ورشة عمل تدريبية من أفضل الأساتذة في المعهدين لتدريب الشباب والدخول بهذا المشروع استمرت أربعة أشهر، ومن ثم استغرقت البروفات النهائية المكثفة مدة شهرين.
*لماذا تعاونت مع الكاتب محمود إدريس بالذات، الذي شارك بأعمال درامية وبفيلم من أفلام الشباب؟.
**النص في الميوزكل يتطلّب كاتباً يمتلك القدرة على كتابة القصة بحبكتها الدرامية ومن ثم تحويلها إلى أشعار، ووجدت أن محمود إدريس يمتلك هذا الإحساس القصصي، وأشعاره جميلة سلسة تدخل إلى القلب، والتعاون معه كان جيداً، وهي التجربة الأولى له بمشروع الميوزكل.
رقصة تيكو توكسيدا
أما عن فكرة التمازج الموسيقي، فقد بيّن أن “الميوزكل” حالة استعراضية موسيقية، فلم أذهب باتجاه البيئة السورية فقط من خلال الدبكات، أنا نوّهت بأن هذا العمل عمل شبابي بحي مودرن، لذلك يرقص الشباب على أنواع موسيقية متعدّدة، منها موسيقا السالسا اللاتينية والراب وغيرها، حتى رقصة تيوتوكسيدا، التي اشتُهرت بالستينيات، كان فيها استعراض كامل، فاشتغلتُ على هذا المبدأ ليس من باب التنوع فقط وإنما من باب إيجاد حالات قريبة من الجمهور الشبابي، وهذه الفكرة الأساسية.