مجلة البعث الأسبوعية

“زيلنسكي” أداة جديدة في تسويق “روسوفوبيا”؟

البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:

لا شكّ أن إحدى الوسائل التي تستخدمها الإدارة الأمريكية تمهيداً للهجوم على أيّ بلد في العالم، هي محاولة نشر الأخبار الكاذبة فيما يتعلّق به، وذلك في إطار تشويه صورته أمام الرأي العام العالمي، وصولاً إلى شيطنته وبثّ المزيد من مشاعر الكراهية له حول العالم.

وقبل الولوج إلى ظاهرة “روسوفوبيا” التي أصبحت ظاهرة عامة لدى الجمهور الغربي بالقياس إلى حجم الضخ الإعلامي الذي يصاحبها، لا بدّ من الإشارة إلى مجموعة من النماذج التي طوّرتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة في هذا الشأن عبر وسائل إعلامها، فقد أشرفت بنفسها على صناعة التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية ابتداء من تنظيم القاعدة وليس انتهاء بتنظيم “داعش” الإرهابي الذي أقرّت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بأنه صناعة أمريكية، وذلك لاستخدامها في حروب بالوكالة تشنّها على الدول ذات السيادة من جهة، ثم لاتخاذها وسيلة من وسائل تشويه صورة الإسلام بعد أن تُغرق في تسويقها عبر إعلامها بأنها تنظيمات ذات “توجّه إسلامي”، الأمر الذي يمكّنها فيما بعد من التدخّل في شؤون الدول الإسلامية تحت عنوان “محاربة التطرّف الإسلامي” أو ما يُعرف بظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

وعندما أرادت احتلال أفغانستان لاستخدامها قاعدة لها في المنطقة الفاصلة بين إيران وروسيا والصين، والتدخل في شؤون دول الجوار، اتخّذت من تنظيم القاعدة الذي أنشأته ذريعة لذلك، ثم ما لبثت أن صنعت فكرة “إيرانوفوبيا” لشيطنة إيران وتشويه صورتها وصولاً إلى إيجاد الذرائع لمحاصرتها ومعاقبتها وتغيير نظام الحكم فيها بما يتناسب مع طموحاتها في الهيمنة على العالم.

والأسلوب ذاته تم استخدامه في العراق من خلال أكذوبة أسلحة الدمار الشامل ويتم استخدامه مع سورية عبر ملفّ الكيميائي، وكل ذلك طبعاً لتعميم صورة نمطية حول هذه الدول توحي بأنها دول مارقة ولابد من محاربتها وإضعافها وحتى احتلالها، وبالتالي قامت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بتسمية بعض دول المنطقة محوراً للشر تمهيداً لشيطنتها ثم احتلالها.

ومن هنا ليس مستغرباً أن تقوم الإدارة الأمريكية بتسويق مفهوم “روسوفوبيا” في الغرب لنشر الخوف والكراهية من كل ما هو روسي، وذلك لتسويق جميع السياسات العدوانية التي تتخذها ضدّ روسيا على أنها سياسات لها ما يبرّرها بالنظر إلى حجم الشرّ المختزن في الدولة المستهدفة الذي تجب محاربته بجميع الوسائل حتى لو كلّف ذلك تدمير اقتصادات جميع الدول المرتبطة بهذا البلد، وهو ما يحدث حالياً مع الدول الأوروبية التي عليها أن تنصاع للأكذوبة الأمريكية التي سوّقت روسيا على أنها وحش كبير يريد أن يبتلع أوروبا.

وبالتالي فإن أغلب السياسات المتبعة في الغرب الأوروبي خاصة تجاه روسيا إنما تنطلق من فكرة العداء لهذا البلد، الذي أصبح مقياساً يتم على أساسه تصنيف السياسيين الأوروبيين، ولذلك قال المعلّق الصحفي البولندي فيتولد مودزيلفسكي، في مقال له: إن “روسوفوبيا” أصبحت في بولندا الأداة السياسية الرئيسية.

ورغم أن بولندا كانت من أكثر الدول التي تضرّرت من النازية واستفادت بالمقابل من الانتصار السوفييتي عليها في الحرب العالمية الثانية، وينبغي على بولندا أن تردّ بعضاً من هذا الجميل إلى وريثته روسيا، غير أن موجة “روسوفوبيا” السائدة في المجتمع البولندي باتت هي المتحكّم الأساسي في المزاج السياسي العام، وبالتالي كان هناك دائماً “تنافس بين مختلف القوى السياسية في بولندا، في مجال الخطاب المعادي لروسيا”، ما يجعلها رهينة للوضع، حسب مودزيلفسكي.

لقد احتلت “روسوفوبيا” دائماً مكاناً مهمّاً في السياسة البولندية، ولكن بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، أصبحت هذه الظاهرة الدافع السياسي الرئيسي لجميع ممثلي السلطة والمعارضة، وبعد شباط عام 2022، أصبحت هذه المنافسة تشكّل المحور الوحيد في الأجندة السياسية وبدأت تكتسب طابعاً هزيلاً في غاية البشاعة.

يُذكر أن سلطات بولندا رفضت السماح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالمشاركة في اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي انعقد في 1 و2 كانون الأول العام الماضي في بولندا، الأمر الذي اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد مظاهر العنصرية النابعة من الخوف الغربي من روسيا.

وفي المقابل، وعندما تفشل الأداة الدعائية الغربية في تسويق فكرة روسوفوبيا في الغرب على نطاق واسع، لعجزها طبعاً عن تغيير الكثير من الحقائق التي يؤمن بها المتلقي الغربي إزاء العلاقة مع روسيا ودورها في هزيمة النازية وحماية الغرب من هذا الشر، تعمد هذه الدعاية إلى تسويق خصم روسيا على أنه حمل وديع وأن هناك وحشاً كاسراً في محيطه يحاول أن يلتهمه، وذلك استدراجاً لمشاعر العطف إزاء هذا الحمل، فتسوّق مثلاً الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي على أنه شخص متحضّر يحمل الكثير من القيم “الديمقراطية الغربية” في مواجهة الدكتاتورية التي يتسم بها الرئيس الروسي.

وهذا الأسلوب طبعاً بات مكشوفاً في الغرب ولم يعُد ينطلي على الكثير من المراقبين والمحللين الذين أدركوا ضعف الدعاية التي تسوّق لزيلنسكي، حيث قالت الكاتبة الأمريكية كيتلين جونستون: إن طرق الترويج التي يستخدمها رئيس أوكرانيا وكذلك الولايات المتحدة، تعدّ معيبة فعلاً. لقد تم تحويل الرئيس فلاديمير زيلينسكي إلى تعويذة مؤسساتية سهلة الوصول في حملة إعلانية تعدّ الأشدّ شراسة في الولايات المتحدة خلال كل الفترات.

ولعل قرار وضع تمثال نصفي لرئيس أوكرانيا في مبنى الكابيتول الأمريكي، و”العبارة الهوليودية المزيّفة” التي قال فيها زيلينسكي: إنه يحتاج إلى الأسلحة وليس للدعم الكلامي، ما هما إلا جهد أمريكي خالص للقول للجمهور الأمريكي: إن السياسة الأمريكية فيما يخص التعاطي مع روسيا سياسة سليمة، وبالتالي انتقلت من الهجوم على روسيا إلى الدفاع عن نفسها عبر تسويق زيلنسكي على هذه الصورة حتى دون طلبه أو علمه بذلك.

وقد ساهمت وسائل الإعلام من جانبها في الترويج السخيف للرئيس الأوكراني، حيث ذكرت عملية التقاط الصور لزيلينسكي وزوجته التي نظّمتها مجلة فوغ، وكذلك اختيار مجلة تايم له كشخص السنة، لكن دون الإدراك أن مثل هذه العلاقات العامة والترويج هو “تعنيف عقول الناس” الذين، على الأرجح، سئموا بالفعل من كل ذلك.

وفي المحصلة، يبدو أن عجز الإعلام الغربي عن الاستمرار في تسويق روسيا على أنها دولة شر تمثل خطراً داهماً على العالم، وذلك لأنه لم يتمكّن من عزلها دولياً، أو فرض فكرة روسوفوبيا على نطاق واسع، جعله يتجه نحو تلميع صورة خصمه علّه يتمكّن من تحقيق الغاية الأساسية، وهي شيطنة روسيا وتبرير دفاعه المستميت عن النظام الأوكراني الذي تم استخدامه طويلاً لإضعاف روسيا وشيطنتها وهزيمتها استراتيجياً، وهذا ربما يكون مؤشراً كبيراً على عجز الإعلام الغربي عن الانتصار في الحرب على روسيا.