مجلة البعث الأسبوعية

ارتفاع أسعار الأدوية ينشط سوق الأعشاب الطبية ..وتعاطي دوائي غير صحيح

البعث الأسبوعية_ بشير فرزان

ارتفاع أسعار الأدوية أو بالأحرى ارتفاع الفاتورة العلاجية بشكل كامل   دفع الناس للتوجه إلى محلات العطارة بحثاً عن مكونات لوصفات طبية تقي أو تسهم كما يعتقد البعض بالشفاء من العديد من الامراض ومنها  كورونا وكل المتحورات الأخرى وطبعاً لايمكن إنكار فوائد الأعشاب الطبية وحاجة الأجسام لها ضمن مايسمى الطب البديل الذي انتعشت أسواقه خلال السنوات الماضية مع الشكوك بعدم فاعلية المستحضرات الدوائية الموجودة وغياب الثقة بالمعايير الصناعية المطبقة في الصناعات الدوائية …إلا أن ذلك يبقى ضمن الأطر العلاجية الضيقة.

وما يشد الانتباه أكثر  التناقض الواضح في طريقة التعاطي مع هذا الواقع أن من يحذر وينبه من التعاطي مع الوصفات العشبية كعلاج وقائي من الأمراض هو ذاته من يروج  لإحدى الشركات المنتجة للأعشاب وبطريقة مبطنة لفوائد الأعشاب على الصحة العامة بمايعزز من قناعات الناس وبشكل يدعو إلى الاستهتار بتداعيات الامراض الوبائية وبالإجراءات الوقائية حيث تكثر اللقاءات والزيارات الاجتماعية التي تحاكي الأمراض والأوبئة من بوابة قوة الجهاز المناعي المدعم بمشروبات الأعشاب الطبية  وفوائدها التي لاتعد ولاتحصى وهذه الحقيقة كرستها وقائع الشارع ويومياته المليئة بالأخطاء والتجاوزات لكل الإجراءات المتخذة.

مثال حي

من الشواهد التي نريد الحديث عنها تلك الوصفة الخاصة بالكينا التي شهدت رواجاً كبيراً في الأيام القليلة الماضية وقد لاحظنا ذلك من خلال كثرة الطلب على أوراقها من قبل الجيران والأصدقاء نظراً لوجودها في منزلنا وهذا الإقبال دفعنا للبحث عن حقيقة هذه الشجرة وفوائدها التي ذاع صيتها كما يقال بين الناس وللحصول على المعلومة الدقيقة تواصلنا مع بعض الاطباء الذين قدموا لنا رأياً علمياً يحسم الجدل الدائر حول هذه الشجرة .

ولم يتوان الأطباء في التأكيد على أن مايشاع عن شجرة الكينا فيه الكثير من المغالطات لجهة المواد الفعالة التي تحويها إضافة إلى كشفها لحقائق علمية غائبة عن الناس تتعلق بطبيعة المكونات الموجودة والفرق بين مانسميه مجازاً في بلدنا بشجرة الكينا وشجرة الكينا الحقيقية ولفتوا  إلى أنها ستقدم في حديثها شرحاً  عن هذه الشجرة وعن الكينين ( الأب الروحي للكلوركين ) بصورة مبسطة و مختصرة وبدأت بالتعريف بشجرة الكينا  التي تنمو في المناطق المدارية و اسمها العلميcinchona officinalis من الفصيلة الفويّة Rubiaceae ولها استخدامات تاريخية شعبية قديمة جداً و أهمها القضاء على الحمى الشديدة .

المواد الفعالة

وعن القسم المستعمل من شجرة الكينا  أوضحوا أن لحاء الشجرة ( أي القشرة ) وهي لاتستخدم مباشرة من النبات بشكل عشوائي و إنما بعد تنقيتها وعزلها من لحاء النبات و تقديمها كشكل صيدلاني بمعنى أنه الجزء من النبات الذي يحوي التركيز الأعلى من المواد الفعالة وهما مادتي الكينين (تم عزلها عام ١٨٢٠ لأول مرة ) و الكينيدين (  مماكب فراغي للكينين) وبينوا معنى المماكب بالكيمياء (المادتان لهما نفس الصيغة الكيمائية و لكن بتوضع فراغي مختلف) و يشتق منه كيميائياً مادة الكلوركين و الهيدروكسي كلوركين التي تنصح بعض البروتوكولات الطبية باستخدامها لعلاج الكورونا covid 19 )

وأشاروا إلى الاستخدامات الطبية المثبتة لهذين المركبين حيث يستخدم  الكينين بوصفه علاجاً للملاريا و هو موجود في WHO_Model_List_of_Essential_medicineوهي قائمة الأدوية الأساسية المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية وبالنسبة لمركب الكيندين فهو يستخدم لعلاج اضطراب النظم القلبية .

وعن العلاقة  مابين الكينين بالكلوروكين أكدوا أن الكلوركين هو مشابه صنعي لمركب الكينين ( أي أن الهيكل الكيميائي مستوحى منه ) علماً أن الكلوروكين يستخدم أيضاً لعلاج الملاريا .

حقيقة غائبة

وعند سؤالنا ..هل يوجد شجر كينا في سورية ؟أكدوا على أن هذه الشجرة المدارية لا تنمو أبداً أبداً في سورية ( اللهم إلا بتوفير شروط خاصة و مثالية لزراعتها)  وأضافت الشجر الذي يطلق عليه شعبياً شجر الكينا في بلدنا هو شجر الأوكاليبتوس ، ولا يحوي كينين و لا كيندين ولا كلوروكين ويستخدم من هذا الشجرالزيت العطري للأوراق بوضعها في ماء مغلي و استنشاق البخار الناتج و هي مفيدة لعلاج الأعراض المرافقة لبعض المشاكل التنفسية و لكنه لا يعالج الكورونا و ليس له أي دور في الوقاية من الإصابة.

تجارة نشطة

لاشك أن الإقبال الكبير على الأعشاب خلق حالة  من الانتعاش التجاري في محلات العطارة التي تشهد ازدحاماً كبيراً حيث أكد لنا بعض أصحاب المحلات ذلك وأشاروا إلى أنهم يصححون الكثير من المعلومات والوصفات الخاطئة للناس الذين يحاولون حماية أنفسهم من خلال خلطات عشبية تعرفوا عليها من صفحات الفيس أو من المواقع المختلفة دون التأكد من جدواها.

ونبهوا إلى أنه رغم التحذير من مخاطر تناول الحلويات “السكريات” كونها تساعد الفايروس إلا أن الملاحظ هو الإقبال الكبير على شراء مواد صناعة هذه الحلويات في المنازل .

بالمختصر لايمكن إنكار أهمية تناول الأعشاب الطبية المعروفة ولكن بشرط الالتزام بالإجراءات الوقائية وعدم الاجتهاد في صناعة وصفات علاجية أو تحييد الأدوية ومراجعة المراكز الصحية والأطباء عند الاشتباه بأي أعراض وبائية .