مجلة البعث الأسبوعية

حرب اليمن بعيدة عن دائرة الضوء الإعلامي

 البعث الأسبوعية- عناية ناصر

كانت إحدى النتائج غير المتوقعة لحرب اليمن، هو أن يقوم الكثير من الرجال اليمنيين بأعمال منزلية، الأمر الذي اعتبره صحيفة “واشنطن بوست” في عام 2016 من الآثار الاجتماعية والثقافية للحرب على اليمن، لأنه بحسب الصحيفة فإن الجانب “الجيد” على ما يبدو من هذه الإبادة الجماعية التي ترعاها الولايات المتحدة، هي المساواة بين الجنسين!.

السؤال هو هل يرضي وضع اليمنيين الذين لم يتم قتلهم حتى الآن بالقنابل الأمريكية والأوروبية وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك التي تنتهج سياسة خارجية نسوية؟. وفق زعمها، مثل أحد معارفها، المضارب والملياردير جورج سوروس، فهي تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية في جميع البلدان التي لا تريد الخضوع لـ “المصالح الأمنية” الأمريكية. وبالتالي، فإن الافتقار إلى الديمقراطية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أوكرانيا واليمن، والتي هي جزء من نفوذ الولايات المتحدة، ليست جزءاً من هجومهم الأخلاقي.

من المثير للدهشة أنه في 16 كانون الأول 2022، كانت محطة  “إم إس إن بي سي” -إحدى وسائل الإعلام الإخبارية الأمريكية الرئيسية- هي القناة  الوحيدة  التي ذكرت أن مجلس الشيوخ الأمريكي قد اقترب جداً من إنهاء التواطؤ الأمريكي في الحرب على اليمن، لكن نفس الشخص الذي تعهد بإنهاء تلك الحرب تدخل وأوقف مجلس الشيوخ عن اتخاذ هذا الإجراء، ألا وهو الرئيس جو بايدن. لم تكن هناك احتجاجات من السياسيين من جميع الأطياف ضد قوات التحالف، وحلفاء الولايات المتحدة مثل بربوك وممثلين آخرين عن الاتحاد الأوروبي، حيث سُمح لهم بمواصلة الحرب بكل وحشية ومع غالبية الأمريكيين باستخدام الأسلحة الألمانية والبريطانية والفرنسية.

تقوم المجلة الإخبارية الألمانية “دير شبيغل” بنشر تقارير يومية عن الحرب الروسية الأوكرانية على سبيل المثال، إلا أن الحرب العدوانية على  اليمن المدعومة من الغرب، والتي تتسبب في خسائر فادحة لا تُضاهى، بالكاد تحظى بأي اهتمام في تلك المجلة، أو في بقية وسائل الإعلام الأوروبية الرئيسية، فهم لا يقومون بإدانة  قوات التحالف والقوى الغربية المتآمرة في الحرب على اليمن، بل يقومون بمهاجمة روسيا والعمل على شيطنتها.

لقد كان  أحد أسباب تورط الولايات المتحدة في الحرب على اليمن من قبل إدارة أوباما هو إرضاء لإحدى دول التحالف التي قامت بمعارضة التوصل إلى أي اتفاق نووي مع إيران، إضافة إلى أن مواجهة إيران كانت بالنسبة للقادة العسكريين الأمريكيين تحظى بأولوية استراتيجية على القتال ضد “القاعدة وداعش” على الرغم من أن بعض كبار الضباط شككوا في دعم واشنطن للتحالف، وأنه محكوم عليه بالفشل.

ووفقاً  لتقرير صادر عن مجلة  “نيوزويك” الأمريكية في شباط عام 2015، قامت قوات التحالف باتهام اللجان الشعبية في اليمن بالتحالف مع إيران، لكن حقيقة الأمر هي أن اللجان الشعبية تقاتل دفاعاً عن الأشياء التي يتوق إليها جميع اليمنيين، من بينها مساءلة الحكومة، ووضع حد للفساد، وأسعار الوقود العادلة، وفرص العمل لليمنيين العاديين، وإنهاء النفوذ الغربي.

ومثل “القاعدة” وفرعها في سورية “جبهة النصرة”، فإن “داعش” منظمة إرهابية ممولة إلى حد كبير من قبل الأثرياء، وخاصةً الولايات المتحدة من أجل إحداث تغيير في اليمن، حيث بدأ عدم الاستقرار السياسي في اليمن بعد ما يسمى “الربيع العربي” التي رعتها الولايات المتحدة عام 2011 والتي أطاحت بالرئيس اليمني عبد الله صالح، ثم أصبح  نائب الرئيس هادي الرئيس المؤقت لليمن لفترة عامين في انتظار الانتخابات المقررة. وفي عام 2014، أدى إحباط اليمنيين من الفساد المستشري، والبطالة، وارتفاع أسعار الوقود إلى اضطرابات في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك الدعوات لاستقلال جنوب اليمن،  وحينها قام هادي بالفرار من البلاد. ومن أجل الهدف المعلن والمتمثل في إعادة هادي المدعوم من الغرب إلى السلطة، قامت العديد من  الدول في عام 2015 بتشكيل تحالف مدعوم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا بالعدوان على اليمن. ولتبرير هذا العدوان، زعمت قوات التحالف والدعاية الغربية أن الحوثيين وكلاء لإيران، وهو ادعاء قام الحوثيون برفضه.

وفي هذا الإطار قال الخبير في شؤون اليمن ستيفن زونس، أستاذ السياسة والدراسات الدولية في جامعة سان فرانسيسك:” لم يكن الحوثيون أبداً وكيلاً لأية جهة أو دولة، فهم لديهم تاريخهم الفريد ومظالمهم وأجندتهم”.

وكالعادة، لعبت المصالح الراسخة دوراً هنا أيضاً من جانب واشنطن، حيث يستفيد العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي من شحنات الأسلحة إلى اليمن حالها كحال شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا، لأنهم مستثمرون في شركات الأسلحة، ومستفيدون من تلك الحروب بالوكالة، وهم أنفسهم الذين لا مصلحة لهم في إنهاء الحرب لا في اليمن، ولا في أوكرانيا.

وفقاً للأمم المتحدة، فإن الحرب على اليمن هي أكبر كارثة إنسانية في العالم، حيث أودت بالفعل بمئات الآلاف من الضحايا، إضافة إلى أن 20 مليوناً من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليوناً يتضورون جوعاً في البلد الذي مزقته الحرب.

لو أراد الغرب لما كانت هذه الحرب لتحدث، أو على الأقل لكانت انتهت منذ فترة طويلة لولا الدعم الأمريكي والغربي، وحتى عبارات التضامن من قبل  السياسيين والمشاهير الغربيين قليلة للغاية مقارنة بتلك التي تمطر على أوكرانيا، كما أن العقوبات ضد مرتكبي هذه الحرب ومؤيديها، والتي تتسبب في موت ودمار أكثر بما لا يقاس من الحرب في أوكرانيا، لا يتم البحث عنها أو الخوض في تفاصيلها ، وكل هذا يتناسب تماماً مع سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها أمريكا وتابعيها من الدول الغربية.