الاستخبارات الأمريكية تفتعل “انتفاضة الميدان” في البرازيل
هيفاء علي
أكد مسؤول استخباراتي أمريكي سابق أن إعادة تشكيل “ميدان” الفوضى التي نُظمت في برازيليا، في 8 كانون الثاني الجاري، كانت عملية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وترتبط بمحاولات ثورة الألوان الأخيرة في إيران.
وفي ذلك اليوم، اقتحم أنصار مشتبه بهم للرئيس اليميني السابق، جاير بولسونارو، الكونغرس، والمحكمة العليا، والقصر الرئاسي في البرازيل، متجاوزين الحواجز الأمنية، وتسلقوا أسطح المنازل، وحطموا النوافذ، ودمروا الممتلكات بما في ذلك اللوحات القيمة، ودعوا إلى انقلاب عسكري كجزء من برنامج لتغيير النظام يستهدف الرئيس المنتخب لويس إيناسيو “لولا” دا سيلفا.
ووفقاً للمصدر الأمريكي، فإن سبب انطلاق العملية، التي تحمل علامات واضحة على التخطيط المتسرع، هو أن البرازيل على وشك إعادة تأكيد نفسها في الجغرافيا السياسية العالمية جنباً إلى جنب مع دول البريكس، إذ أن مخطّطي وكالة المخابرات المركزية قد قرأوا التقرير الأخير الذي كتبه ونشره زولتان بوزار، الخبير الاستراتيجي لبنك “كريدي سويس”، وهو بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في نيويورك، والذي أوضح فيه أن النظام العالمي متعدّد الأقطاب لا يتمّ بناؤه من قبل رؤساء دول مجموعة السبع، ولكن من قبل مجموعة الدول السبع في الشرق، بالنظر إلى التقارير التي تفيد بأن الجزائر والأرجنتين وإيران تقدمت بالفعل بطلب للانضمام إلى البريكس أو نسختها الموسعة “بريكس+”.
لقد رسم المصدر الأمريكي تشابهاً بين ميدان وكالة المخابرات المركزية في البرازيل، وسلسلة الاحتجاجات الأخيرة في الشوارع في إيران، والتي استغلتها الوكالة كجزء من حملة ثورة ملونة جديدة، وقد كانت عمليات وكالة المخابرات المركزية في البرازيل وإيران موازية للعملية في فنزويلا في عام 2002.
ولفت الخبير نفسه إلى أن المحافظين الجدد في وكالة المخابرات المركزية، وبغضّ النظر عن انتماءاتهم السياسية، غاضبون من أن “مجموعة السبع في الشرق” بدأت تعزف عن استخدام الدولار في معاملاتها التجارية، وها هو جون بولتون الذي أعلن عن اهتمامه بالترشح لرئاسة الولايات المتحدة، يدعو الآن إلى طرد تركيا من حلف شمال الأطلسي مع إعادة تنظيم الجنوب العالمي بسرعة داخل مؤسسات جديدة متعددة الأقطاب.
كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الصيني الجديد، تشين جانج، عن اندماج مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا، وهذا يعني أن أكبر مشروع للتجارة والاتصال والتنمية في القرن الحادي والعشرين (طرق الحرير الجديدة في الصين) أصبح الآن أكثر نمواً، وهذا يمهد الطريق لإدخال عملة دولية جديدة للتبادل يجري تصميمها بالفعل على مستويات مختلفة، بهدف استبدال الدولار الأمريكي.
وهكذا تمّ دفع الولايات المتحدة ببطء، ولكن بثبات، إلى خارج أوراسيا الكبرى من خلال الإجراءات المنسقة للشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية. كما أن الاتحاد الأوروبي الضعيف، والذي أجبرته واشنطن على إلغاء التصنيع، وشراء الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بتكلفة باهظة، لا يملك أي موارد أساسية. ومن الناحية الجيو- اقتصادية، فإن هذا يترك “نصف الكرة الغربي” الذي حدّدته الولايات المتحدة، وخاصة فنزويلا الضخمة الغنية بالطاقة، كهدف رئيسي. ومن الناحية الجيوسياسية، فإن اللاعب الإقليمي الرئيسي هو البرازيل. وعليه، فإن لعبة المحافظين الجدد هي القيام بكل ما هو ممكن لمنع التوسع التجاري، والنفوذ السياسي للصين وروسيا في أمريكا اللاتينية التي تعتبرها واشنطن حديقتها الخلفية.
تمّ اعتراض محادثات وكالة المخابرات المركزية في البرازيل منذ منتصف عام 2022، حيث كان الموضوع الرئيسي هو فرض السردية واسعة الانتشار بأن “لولا لا يمكن أن يفوز إلا بالغش. وكان أحد الأهداف الرئيسية لعملية وكالة المخابرات المركزية هو تشويه سمعة العملية الانتخابية البرازيلية بأي وسيلة”.
بعد كل شيء، حكومة لولا في حالة من الفوضى، حيث يصطدم الوزراء باستمرار بعض الأعضاء الذين كانوا يدعمون بولسونارو حتى بضعة أشهر خلت، بالإضافة إلى وجود عدد كبير جداً من اللاعبين المشاركين، والعديد من المصالح المتنافسة، وبعض وزراء لولا البولسوناريين، والليبراليين الجدد، ودعاة التدخل المناخي، وممارسي سياسات الهوية، ومجموعة واسعة من المبتدئين السياسيين والمتسلقين الاجتماعيين.. كلهم متوافقون مع المصالح الإمبريالية لواشنطن.
وعليه، ستستمر محاولات الانقلاب القديمة مع سيناريوهات تغيير النظام. وبما أن هذه العملية هي من صنع وكالة المخابرات المركزية، فإن المدرّبين سيأمرون أتباعهم العسكريين “الموجّهين” بالتصرف مثل النعام.
لذلك فإن المستقبل ينذر بالسوء، لأن المؤسسة الأمريكية لن تسمح للبرازيل، ولا لاقتصاد البريكس الذي يتمتع بأكبر قدر من الإمكانات بعد الصين، باستئناف الأعمال التجارية بكامل قوتها.