النادي السينمائي يناقش فيلم “الإفطار الأخير” والنهاية موضع جدل
ملده شويكاني
“أسوأ أنواع الرحيل من رحل عنك، ولم يرحل منك”.. هذه المفردات المؤثرة التي كتبها شكسبير، كُتبت على شاهدة قبر رندة (كندة حنا) في فيلم “الإفطار الأخير” (سيناريو وإخراج عبد اللطيف عبد الحميد.. إنتاج المؤسسة العامة للسينما)، لم تكن مجرد كلمات، كانت إحساساً شفافاً وحزيناً، عاشه مروان (عبد المنعم عمايري) بطل الفيلم زوج الراحلة رندة إثر قذيفة أصابت منزلهما وهي تحضر له طعام الغداء. وقد ارتأى النادي السينمائي بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما عرض الفيلم ضمن جلسات النادي الشهرية في سينما الكندي، ومناقشته مع الحاضرين.
السهل الممتنع
ورغم أن الفيلم عُرض في دار الأوبرا وفعاليات أخرى، إلا أن المشاهد في كل متابعة يكتشف تفاصيل صغيرة تغني الفيلم، الذي يتصف بالسهل الممتنع، إذ تخفي بساطة التعبير والصورة عمقاً يوثق ما حدث في سورية أثناء الحرب الإرهابية، من حيث تغلغل المجموعات الإرهابية بين سكان الحيّ الواحد وخيانة الوطن والجوار، إضافة إلى توثيق الاشتباكات والقذائف والقنص والصواريخ التي أمطرت أحياء دمشق وامتدت على مدى جغرافية سورية، وكانت أشدّ قسوة في الساحل والأرياف والمناطق البعيدة، وهذا ما ركز عليه المخرج عبد اللطيف عبد الحميد بسقوط الصواريخ المتلاحقة في الضيعة التي يقطن فيها، إذ مثل شخصية “أبو يوسف” الأرمل والد يوسف الذي يرتبط مع مروان بعلاقة عمل رسمي وصداقة.
اللوحات والنباتات
ويتميّز الفيلم بجمالية الصورة رغم بشاعة الحرب، فيركز المخرج على ديكور منزل مروان، الذي تزينه لوحات الفنّ التشكيلي والنباتات المنزلية، إضافة إلى المفروشات البسيطة الجميلة بألوانها إيماءة إلى ثقافة المواطن السوري وعشقه الفنّ والسلام. وكان للموسيقا التصويرية التي ألّفها خالد رزق دور كبير في شدّ المشاهد إلى الأحداث.
والشخصية المحورية في الفيلم هي مروان كونه يمثل صورة للسوري المخلص المحب لوطنه وجيرانه وحارته وأسرته، ويظهر المخرج من خلاله تمسكه بقيمه وعدم انجراره نحو الطرف الآخر. ولكن مروان يعاني من آلام الفقد بعد رحيل زوجته التي بقيت معه في حالة الحلم وأحلام اليقظة بحالة نفسية لاشعورية تتراءى له في أركان المنزل، وفي كل مكان وتقنعه بالزواج من جمانة التي تحبه.
وتدور الأحداث في أحد أحياء ركن الدين، إذ يعمل مروان خياطاً للمسؤولين لذلك يتردّد إلى مكاتبهم، لكن ضمن سياق الفيلم يبدو التزام مروان بعمله وبتنفيذ طلب المسؤول بالحضور حتى في أصعب الحالات إثر استشهاد زوجته وبعد دفنها مباشرة ولقرب مروان من المسؤول، ومن مدير مكتبه يوسف، يصبح محط أنظار سكان الحي الذين يلتجئون إليه لطلب المساعدة.
الخيانة من الداخل
يكشفُ الفيلم عن الخيانة من الداخل من خلال شخصية أبو فتحي، الذي يتضح بأنه يتعامل مع الإرهابيين، وتمّ القبض على أخيه، ولرفض مروان بعد معرفته الحقيقة التعاون معه ينتقم منه بتفجير سيارته في صباح يوم زفافه من جمانة. فيستشفّ المشاهد تقاطعاً مع فيلم عبد الحميد “أنا وأنت وأمي وأبي” بخيانة بائع الفلافل بالحي وقتله العاشقين اللذين يمثلان الشخصيتين الرئيسيتين.
وفي المشهد الأخير يهرع سكان الحارة يحملون الماء في محاولة لإطفاء حريق السيارة، وهي إيماءة إلى الخير الذي ينتصر رغم كل الشر والحقد. ويتطرق المخرج إلى العالم الآخر بلقطة بعد المشهد الأخير بصورة ضبابية وبهالة بيضاء تحيط بـ رندة ومروان من جديد، وهما يتناولان طعام الإفطار.
تشبيك الشخصيات
وبعد العرض حظي الفيلم بمناقشة غنية مع المشرف على النادي السينمائي المخرج وليم عبدالله والحاضرين، فبدأ من قصة الفيلم التي تطرقت إلى الحرب، ومن علاقة مروان بالسلطة وكيف أثرت على حياته الشخصية، ووجوده بالوسط الاجتماعي الصغير يكون محطّ الأنظار لطلب المساعدة. ونوّه بجمالية الصورة، ولم يكن مع نهاية الفيلم باستشهاد البطل، فلو بقي مروان على قيد الحياة كان دلالة على الأمل والاستمرار، ليخلص إلى قدرة عبد اللطيف عبد الحميد على التشبيك بين الشخصيات الموجودة في المجتمع بمختلف مصالحهم.
شخصية المثقف
وأشارت الشاعرة العميد عدنة خير بيك إلى شخصية المثقف التي تكرّرت في أفلام عبد اللطيف عبد الحميد، وإلى تأثير هذه الشخصية على المحيط بالحب والوفاء ما يدلّ على أهمية الثقافة بنشر الوعي والحسّ الوطني.
لاريسا عبد الحميد
وتابعت عن الجانب السلبي الذي تطرق إليه المخرج من خلال شخصية أبو فتحي الحاقد والشرير والذي تبيّن أنه مع المجموعات الإرهابية، ووجوده في الحارة كان واقعاً لكن بنسبة قليلة. كما أثنت على شخصية مروان الإيجابي الذي يشبه المواطن السوري، وتقاطعت بالرأي مع وليم عبد الله من حيث جمالية الصورة ودور الراحلة لاريسا عبد الحميد بالتفاصيل الفنية التي أغنت بهاء الصورة، وتوقفت عند شخصية عبد اللطيف عبد الحميد المحبة التي تنعكس على أفلامه.
أما بقية الآراء فتناولت البعد العاطفي والرومانسي بلقاء الأرواح، والمشاعر المؤلمة لآلام الفقد، وكانت النهاية موضع جدل بين الموت والحياة والبقاء والأمل.