“الهارب” اقتبست قصته ثلاثة مسلسلات سورية ومصرية
سامر الشغري
حالما انتهت حلقات مسلسل “الهارب” للفنان القدير أيمن زيدان، الذي أعادت عرضه إحدى القنوات مؤخراً اتصلت بها على الهاتف لأخبرها كمن كشف سراً خطيراً: هل تعلمين أن كاتب مسلسل “الهارب” الدكتور رفيق الصبان اقتبس قصة العمل من فيلم أمريكي يحمل العنوان نفسه، ثم لحقه مسلسلان آخران، سوري ومصري.
أجابتني بهدوء أخمد حماستي: لم أتابع منه سوى بضعة مشاهد، ثم إن الاقتباس وخاصة من الدراما التركية أصبح الآن ظاهرة منتشرة، وصار لدينا أعمال كثيرة مقتبسة، وبالنسبة لي أفضّل مشاهدة عمل أعرف نهايته، فذلك عندي كمن ينتظر الحدث المتوقع، أليس ذلك ممتعاً؟.
فاجأني رأيها وأفحمني بعض الشيء فودّعتها وأنهينا المكالمة، ثم جلست على مكتبي لأدون ملاحظات حتى أقنعها برأيي، بأن الاقتباس ولو أصبح كثيراً فهذا لا يمنحه الشرعية، وسيظل أقل درجة من النسخة الأصلية.
كتبتُ لها أن فيلم “الهارب” الذي لعب بطولته النجم الأمريكي هاريسون فورد، وعرض سنة 1993، تدور قصته حول طبيب مشهور يتهم بجريمة قتل ويحكم عليه بالإعدام، فيهرب قبل تنفيذ الحكم ويشرع بالعثور على دليل براءته، وهذه القصة مشابهة تماماً لقصة مسلسل “الهارب”.
توقفتُ قليلاً ثم كتبت ملاحظة ثانية، بأن شارة مسلسل “الهارب” الذي أنتج سنة 1994 لم تذكر أن العمل مقتبس بل على العكس، فهي تقول القصة من تأليف الراحل الصبان وسيناريو مخرج العمل محمد عزيزية.
زادت حماستي فاستهلكت ورقة بيضاء ثانية كتبت عليها، إن الكاتب المصري صلاح فؤاد أعاد اقتباس فكرة فيلم “الهارب” من خلال العمل الدرامي الذي كتبه بعنوان “ضبط وإحضار”، وعرض سنة 2001 للمخرج إبراهيم الشقنقيري وبطولة محمود قابيل، حيث تدور أحداث المسلسل عن طبيب يحكم عليه بالإعدام بعد اتهامه بجريمة، فيقوم بالهرب لإثبات براءته، ولم يكن هذا الاقتباس الأول للكاتب فؤاد، فقد سبقه فيلم “سلام يا صاحبي” الذي اقتبس قصته من فيلم بورسالينو للنجم الفرنسي آلان ديلون.
ولم أنسَ طبعاً أن أشير للعمل الثالث المقتبس من فيلم “الهارب”، مع مسلسل “الهاربة” إنتاج 2007 إخراج زهير قنوع وقصة محمود الجعفوري، وتلعب دور البطولة فيه سوزان نجم الدين، ورغم تشابه عنوان الفيلم مع المسلسل فإن الكاتب لم يجعل البطلة طبيبة، بل رئيسة تحرير مجلة خاصة تتهم بجريمة وتهرب منها لتبحث أيضاً عن دليل براءتها. ولم أنسَ أيضاً أن أكتب أن فيلم “الهارب” نفسه مقتبس من مسلسل أمريكي حمل الاسم نفسه، ويبدو أن هذه الفكرة لافتة لدرجة جعلت الكثيرين يقتبسونها عن ذلك الطبيب المتهم البريء، الذي يهرب من سجنه ليثبت براءته ويستخدم ذكاءه العلمي ليوقع الفاعل الحقيقي.
تذكرتُ في نهاية ملاحظاتي أن أشير لها بأن للمصريين باعاً طويلاً في ظاهرة الاقتباس السينمائي، وهناك عشرات الأمثلة مع رشدي أباظة وعادل إمام وحسن يوسف وأحمد حلمي وغيرهم، بل هناك أفلام اقتبست بالاسم والمضمون نفسه كما في قصة “الحي الغربي”، وأفلام اقتبست أكثر من مرة كما مع فيلم “امرأة جميلة” لجوليا روبرتس، عندما قدمته الفنانتان إلهام شاهين وجالا فهمي عبر فيلمي “خادمة ولكن” و”الجينز”، وظاهرة الاقتباس هذه أكدها الناقد المصري محمود قاسم في كتابه “المصادر الأجنبية في السينما المصرية”، والذي أدلى فيه برأي مرعب قال: باستثناء مجموعة قليلة من أفلام السينما المصرية التي تقترب من الأربعة آلاف وخمسمائة فيلم، سنجد أن أغلب الأفلام مستورد من الخارج.
بعد كلّ هذه الملاحظات التقطت سماعة الهاتف لأكلمها وأسرد عليها ملاحظاتي الجديدة، وقبل أن أنطق بكلمة فاجأتني مرة ثانية بصوتها الهادئ الدافئ:
“طيب سوف أقتنع معك برأيك قبل أن تقوله”..
رددت بسرعة: ولكن هذا إقناع وليس اقتناعاً.
فأجابت وهي تضحك: “نفس الشيء المهم النتيجة”، لتتركني كما كلّ مرة لحيرتي وارتباكي أمام أجوبتها التي تسأل أكثر مما تجيب!