مجلة البعث الأسبوعية

واشنطن ستحترق بالنار التي توقدها

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

بعد تولي إدارة بايدن لمهامها في البيت الأبيض، وصلت التوترات بين الولايات المتحدة والصين إلى أعلى مستوياتها. وعلى الرغم من عمق التناقضات بين الجمهوريين والديمقراطيين في معظم القضايا السياسية والدولية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بموضوع الصين يتحقق التوافق على ضرورة اتخاذ خطوات صارمة تجاه هذا البلد. ومن الجدير بالذكر، أن آراء بايد  بشأن الصين كانت صارمة  بشكل ملحوظ منذ أن كان نائباً للرئيس في عهد أوباما.

أصبحت زيادة شدة التوترات في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة أكثر وضوحاً في أحداث عام 2022، عندما حذف موقع الخارجية الأمريكية في شهر أيار الصياغة الخاصة بعدم دعم استقلال تايوان والمتعلقة بالاعتراف بتايوان كجزء من الصين. ولأهداف استفزازية علنية، زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الجزيرة، وبذلك تكون أول سياسي أمريكي رفيع المستوى يتواجد هناك على الرغم من تحذيرات بكين.

رداً على ذلك، علقت الصين الحوار الثنائي مع واشنطن حول مجموعة واسعة من القضايا، ومن أجل “ترسيخ” هذه السياسة الاستفزازية، لم يرسل البيت الأبيض ممثلين آخرين للمؤسسة السياسية الأمريكية إلى تايوان فحسب، بل أرسل وفوداً سياسية شاركت في خطط التحريض على الانفصال عن الصين. ومن أجل خلق مخاطر أمنية في المنطقة، بدأت الولايات المتحدة في تنفيذ عمليات إبحار لسفنها الحربية عبر مضيق تايوان بشكل منتظم تقريباً.

في الآونة الأخيرة، بدأت اليابان، وهي الحليف الإقليمي الرئيسي للولايات المتحدة، بإرسال إشاراتها بوضوح إلى القوات الانفصالية في تايوان، ما اضطر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين للتواصل مع طوكيو في أواخر كانون الأول الماضي لقطع العلاقات رسمياً مع تايوان.

وكجزء من السياسة المعادية للصين، بدأت الولايات المتحدة بشكل مكثف في إمداد تايوان بأسلحة حديثة -على غرار ما فعلته لخلق الأزمة الأوكرانية- قبل بدء نزاع مسلح محتمل، حيث وافقت وزارة الخارجية الأمريكية في نهاية العام السابق على صفقة بقيمة 1.1 مليار دولار لتزويد تايوان بالأسلحة الثقيلة. وتنص ميزانية الدفاع الأمريكية الجديدة الموقعة في 23 كانون الأول 2022 من قبل الرئيس بايدن على تقديم مساعدة عسكرية لتايوان بقيمة 10 مليارات دولار، وتشمل على وجه الخصوص توريد أنظمة زرع الذخيرة المضادة للدبابات بتكلفة تقدر بـ 180 مليون دولار.

في نهاية شهر كانون الأول الماضي، أعرب الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الصينية تان كيفي عن استياء بكين الشديد من هذه السياسة، مؤكداً أن مثل هذا المسار يؤدي إلى تصعيد التوترات، وإمكانية حصول مواجهة مسلحة، بالإضافة إلى صدام عسكري  بين ممثلي دولة واحدة. وفي الوقت نفسه، وعد الجانب الصيني باتخاذ تدابير رد عنيفة، وأصر على ضرورة توقف الولايات المتحدة عن بيع الأسلحة إلى تايبيه، ووقف الاتصالات مع الجيش التايواني، وإلا فإن واشنطن “ستحترق في النار التي أوقدتها”.

وبهدف استمرار دوامة التصعيد في العلاقات مع الصين، لم تقتصر أنشطة واشنطن على المملكة المتحدة ودول أوروبا الغربية الأخرى فحسب، ولكن أيضاً حلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أي أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان.

على الرغم من أن دور اليابان في وقت سابق في المواجهات العسكرية لم يكن مهماً،  إلا أن الولايات المتحدة تدفع هذا البلد اليوم، لتعزيز قدرته العسكرية بهدف استخدامها في النزاعات الإقليمية المحتملة، خاصة مع الصين.

في الوقت نفسه، تنطلق واشنطن من حقيقة أن اليابان أصبحت اليوم قوة عسكرية هائلة بأسطولها القوي، وقدرتها على إنتاج العديد من أنواع الأسلحة، والمعدات بشكل مستقل، حيث تقوم طوكيو أيضاً بتشكيل قوات مسلحة كاملة، وزيادة ميزانية الدفاع وتغيير استراتيجيتها الدفاعية بموافقة واشنطن.

في هذا الصدد، من الواضح أن الولايات المتحدة تعتمد على إمكانية استخدام القدرات العسكرية لليابان في حالة تصاعد الصراع في تايوان. بالنتيجة، من دون الاعتماد على الحلفاء الإقليميين واستغلالهم “كوقود للمدافع”، لا تستطيع الولايات المتحدة وحدها أن تصمد أمام سباق التسلح الذي أطلقته مع الصين. وفي حال تفاقم الصراع على تايوان، ستكون اليابان القاعدة الرئيسية لعمليات القوات الأمريكية ضد الصين، بدعمها للأمريكيين وتوفير الغطاء والإمدادات والدفاع.

بعد نتائج المحادثات التي عُقدت في 12 كانون الثاني الجاري في واشنطن بين رئيسي وزارتي الخارجية والإدارات العسكرية للولايات المتحدة واليابان، أصبحت هذه الحسابات للاستخدام العسكري الاستراتيجي لليابان أكثر وضوحاً. وخلال تلك المحادثات، تم توجيه نداء للالتزام بالمادة 5 من معاهدة التعاون والأمن المتبادل بين البلدين باستخدام جميع الوسائل العسكرية المحتملة، بما في ذلك القدرات النووية. البيان المشترك الذي صدر يفصّل مناقشة القضايا المتعلقة بانضواء اليابان تحت المظلة النووية الأمريكية، ويؤكد عزم كلا البلدين على تعزيز التعاون في الردع الموسع لـ “الخصم المحتمل”. وبحسب البيان الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال الاجتماع في واشنطن، تعتبر الصين “أخطر تحد مشترك للولايات المتحدة واليابان، وكذلك لحلفائها وشركائها”.

من جانبه، أشار وزير الدفاع، لويد أوستن  إلى نية الولايات المتحدة بتعزيز وجود القوات الأمريكية العسكري في اليابان من خلال النشر المتقدم لوحدات أكثر تنوعاً ومرونة وقدرة على الصمود، كما شدد على أن واشنطن تؤيد بالكامل قرار السلطات اليابانية ببناء قدرات الهجوم المضاد من خلال الحصول على أسلحة صاروخية، وكذلك تعزيز التحالف العسكري الأمريكي الياباني.

في الوقت نفسه، تدرك الولايات المتحدة وحلفاؤها بوضوح، أنهم لن يكونوا قادرين على صد محاولة الصين لفرض سيطرتها على تايوان بالقوة، إلا من خلال خسارة عشرات الآلاف من الأفراد العسكريين، وهذا بالتحديد ما أكده مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن الذي نشر دراسة “المعركة الأولى في الحرب التالية”. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى البريطانيين، الموالين للولايات المتحدة بشكل خاص، في تعليقاتهم حول مثل هذه الحرب مع الصين، يذَكرون واشنطن “بألا تنسى كيف حدث الفشل الذريع في أفغانستان”.

في ظل هذه الظروف، وعلى الرغم من الموافقة العاجلة في 11 كانون الثاني الجاري من قبل مجلس النواب الأمريكي على اقتراح تشكيل لجنة خاصة بشأن الصين، أقر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الصيني الجديد تشين جانغ، أهمية وضرورة الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة بين واشنطن وبكين.

ومع ذلك، مع الأخذ في الاعتبار عدم وجود أي إمكانية للتنبؤ في السياسة الأمريكية في ظل إدارة جو بايدن، وهو ما أظهره البيت الأبيض مراراً وتكراراً، فمن الصعب جداً ضمان أن واشنطن ستقلل التوترات في العلاقات مع بكين. وهذا، من بين أمور أخرى، تؤكده التوقعات التي صدرت في أوائل كانون الأول الماضي من قبل مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية في المحيطين الهندي والهادئ إيلي راتنر بأن عام 2023 “يمكن أن يكون العام الأكثر تحولاً في وضع القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ خلال جيل واحد”.

في ظل هذه الخلفية، فإن تحذير الصين الأخير للولايات المتحدة بشأن الاستفزازات الجارية حول تايوان، واقتراح إعطاء الأولوية للطرق السلمية لحل قضية تايوان له ما يبرره تماماً.