استشراف أدب الخيال العلمي.. د. طالب عمران نموذجاً
أمينة عباس
رغبة منها في الإسهام بالتأليف النقدي في باب أدب الخيال العلمي، كونه لا يزال خارج الاهتمام النقدي مع أنه من الأنواع الأدبية الشائعة التي تلقى قبولاً لدى جيل الشباب على نحو خاص، أصدرت د. ريما دياب كتابها “اسشراف أدب الخيال العلمي” كونه يقدّم للنشء ثقافة وعلماً يسعفان في ترسيخ أسس التفكير العقلي، وهو ما نحتاجه للنهوض بالثقافة الاجتماعية، مبيّنة في تصريحها لـ”البعث” أن الخيال العلمي يُعدّ من بين علوم الحاضر والمستقبل المهمة، وقد شهدت الدول المتقدمة اهتماماً وانتشاراً علمياً، ولم يشهد عالمنا العربي اهتماماً مماثلاً به، وقد عدّه بعض الكتّاب وسيلة للترفيه والتسلية، ومنهم من جعل منه وسيلة تعليمية وتربوية حديثة وضرورية للإبداع والفكر والاستعداد لمواجهة صدمات المستقبل وتحديات الحياة.
وأشارت دياب في كتابها إلى أن الخيال العلمي لعب دوراً مهماً في تطور العلم واكتشاف قوانين الطبيعة، وقد حاول الكتّاب وأدباء الخيال العلمي استشراف آفاق المستقبل المجهولة وعوالمه الغامضة التي كانت للوهلة الأولى مضادة لحقائق العلم الظاهرة، وأنه لو نظرنا للعديد من مخترعات العصر وعلومه الحديثة مثل زراعة الأعضاء البشرية والهندسة الوراثية والعلاج الجيني والاستنساخ، فهذه الاكتشافات والاختراعات العلمية كانت أخيلة تداعب أذهان الأدباء والعلماء، وحثّ الخيال العلمي العلم والعلماء على مواصلة أعمالهم وإنجازاتهم لخدمة البشرية، لأن الموهوب بالخيال العلمي يرى الكثير مما لا يراه الآخرون، وينظر إلى ما بعد الأفق، ويقدم للقارئ آفاقاً جديدة لا يتمكن الإنسان العادي من الوصول إليها.
الخيال أهم من المعرفة
وأكدت دياب في كتابها أن الخيال العلمي لعب -إلى حدّ كبير- دوراً في تنمية التذوق الجمالي لأدب الخيال العلمي، وعلى حدّ قول آلبرت آنيشتاين: “الخيال أهم من المعرفة.. بالخيال نستطيع رؤية المستقبل، وهو رؤية مسبقة لجاذبية الحياة المستقبلية”. من هنا كان للخيال العلمي دوره الفاعل في تطور العلم والتكنولوجيا، حيث يسعى، برأيها، إلى تجاوز الواقع البشري ليرسم آفاقاً للمستقبل، فيدرك الإنسان مكانه الصحيح في الزمان والمكان، ويستطيع من خلال هذا الأدب التنويري أو ما يمكن تسميته بالأدب التحذيري تفادي سلبيات المستقبل واستشعار الخطر الذي يهدّد الإنسان والإنسانية، ومن هنا كانت روايات كثيرة تعالج قضايا مهمة وتحمل رسالة إنذار وتوعية مما يحثّ خيال القارئ على البحث عن المغزى من علم أدبي خيالي يتطلب من القارئ أن يجمع بين معارفه العلمية وخياله الحكيم الذي يشهد بنضوج فكره الأدبي.
الرائد في مجال أدب الخيال العلمي
ولأن د. طالب عمران هو الرائد في مجال أدب الخيال العلمي في سورية والوطن العربي، خصّصت دياب في كتابها فصولاً عديدة للحديث عن تجربته، متناولة فيها عدة روايات له في هذا المجال، مشيرة إلى أن عمران في رواياته تعامل مع التجارب العلمية تعامله مع قضايا الحياة اليومية، فسعى إلى الوقوف عند أهم القضايا التي تنبأ بخطرها على الإنسان، وهذا ما كتب عنه في رواية “كائنات الكوكب الأحمر” عندما لامس الأحداث المستقبلية لكوكب مجهول وكائنات غير معروفة، ورأت أن ما يثير الدهشة في رواياته أنّ القارئ في كل رواية منها يعيش في عالم جديد يعاين أحداثه وصوره، فتارة يكون على الأرض، وبعدها يحلّق إلى الفضاء ويشاهد مخلوقات غريبة ويسمع قصصاً مذهلة، وهذا التنوع برأيها عكس لنا مقدرة الخيال العلمي بالبعد عن النمطية والبحث في جمالية الأحداث وتسليط الضوء ومعاينة نماذج مختلفة من الواقع بطريق الخيال. وبسبب ندرة التركيز في الدراسات التي تناولت أدب الخيال العلمي على الجانب التطبيقي انصرفت د. ريما دياب في فصول كتابها إلى استكشاف الجوانب العلمية في أعمال د. طالب عمران الروائية، وبيَّنت أن عمران في أعماله الروائية عامةً يجمع بين خاصتين: الخاصة السرديّة التي تشدّ أعماله إلى حيز الأدب، والتخصص العلمي الذي مكّنه من التعبير عن ظواهر العلم بصورة دقيقة، أي أنه نجح في صهر الظاهرة العلمية في بوتقة الأدب، ووسيلته في ذلك الخيال الذي نبت له جناحان: الجناح الأدبي والجناح العلمي، لذا استوفت تجربته الروائية سبل النجاح برأيها، إذ تتميز أعماله بطاقة خيالية وتخييلية، إضافة لوضوح رؤيته ومهارته في استعمال التقنيات السردية، يضاف إلى ذلك توظيفه النظريات العلمية في خدمة السرد الأدبي، وهو وإن أهمل في أعماله كافة الجوانب الفنية كتجاوزه تحليل الشخصيات وتفاعلها مع الأحداث، إلا أنه من جانب آخر أظهر براعة فائقة في توظيف الزمن والخيال لتثبيت الرؤيا، ومن أجل ذلك كانت أعماله الروائية باباً للاستشراف والتوقع، وكثيراً ما صدقت رؤياه، ولاسيما في روايته “الأزمان المظلمة” وغيرها، إذ استشفّ من خلال تحليله للواقع ما سيقع مستقبلاً، حيث وجد القارئ ما بين زمن كتابة الرواية واللحظة الآنية أن كثيراً من الأحداث التي جرت مؤخراً في بلادنا كانت بين أضواء الرؤيا عند طالب عمران، كما في روايته “الأزمان المظلمة”، في حين خصّصت الفصل الرابع من الكتاب والذي جاء تحت عنوان “تجليات الحرب في روايات الخيال العلمي” للحديث عن روايات طالب عمران في هذا المجال، ومنها “أوراق متناثرة في بلدان هجرها الحرب”، حيث عكست تلك الأوراق غياب معالم الإنسانية وتغيّر المبادئ والقيم في زمن الحرب اللعينة، فصورت كيف تغيّر الإنسان وكيف بات الدم والدمار هو الهدف، حيث مات الحب وحلّ مكانه الكره والحقد الذي زرع في بلادنا عنوة، وحرَّكته القوة العظمى في زمن لم يعد يشبه الزمان، ومكان لم يعد يشبه المكان.
يُذكر أن الكتاب صادر عن اتحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع دار سويد، وقد ضمّ عدة فصول تناولت فيها الكاتبة مفهوم ورواد وأنماط وأسلوب أدب الخيال العلمي، إضافة إلى لغته وبنيته وشخصياته، في حين تناولت ضمن عدة فصول روايات د. طالب عمران بالتحليل مثل “ممرات الرعب، الأزمان المظلمة، سارقو الأحلام، صناديق الأعضاء البديلة”.