واشنطن تخرج الحرب في أوكرانيا عن مسارها
ريا خوري
ما زالت ساحة الحرب الأوكرانية ساخنة وتمضي بوتيرة متسارعة من التصعيد والتحشيد والتصريحات المحرّضة، بما يجعل تداعياتها الخطيرة تزداد يوماً بعد يوم لجهة امتدادها وتوسع نطاقها، خاصة وأنّ حلف شمال الأطلسي قرّر الاستمرار بتأجيج الحرب والدفع بها نحو مزيد من الدمار والخراب والحرائق بالوكالة حتى النهاية، مستخدماً كل ما تملكه من ترسانته من الأسلحة الحديثة المتقدمة والمتطورة جداً في خدمة الجيش الأوكراني والحكومة الأوكرانية على الرغم مما برز مؤخراً من خلافات ونقاشات حادة حول امتناع جمهورية ألمانيا الاتحادية عن إرسال دبابات متطورة إلى الجيش الأوكراني طالما تمتنع الولايات المتحدة الأمريكية عن إرسال دباباتها المعدّلة والمتطورة.
ما زال الناتو على تصميمه منذ بداية الحرب بأن يكون طرفاً أساسياً فيها، وما زال يدعو ويدعم عملية تزويد أوكرانيا بكل ما يراه ضرورياً لاستنزاف القوات الروسية، وإطالة أمد الحرب. وكان ينس ستولتنبرغ الأمين العام للحلف قد أكّد مراراً على استمرار الحرب وإطالة أمدها لسنوات لأهداف استراتيجية غربية عالمية، من دون الأخذ في الحسبان أنه كلما طال أمد الحرب كلما دخلت عوامل وأزمات جديدة غير متوقعة قد تخرجها عن مسارها، وخاصة في حال تورطت أطراف جديدة أخرى فيها، أو أدى السلاح الذي يقدمه الناتو إلى استهداف الداخل الروسي، وهو أمر سوف تعتبره روسيا عدواناً مباشراً عليها ويستهدف أمنها الوطني والقومي الاستراتيجي، وستكون روسيا في هذه الحالة مضطرة للخروج عن قواعد الحرب التقليدية التي اتبعتها منذ البداية، وعدم إبقاء مساحة الحرب داخل الأراضي الأوكرانية، من خلال توسيع دائرتها لتطال دولاً جديدة، وربما تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة غير التقليدية، لأنها سوف تدرك حينها أن الهدف هو روسيا والشعب والنظام -الخط الأحمر- بالنسبة للقيادة العسكرية والأمنية والسياسية الروسية.
المتابع لمجريات وتطورات الأحداث يدرك أن وزراء دفاع نحو خمسين دولة غربية في القاعدة العسكرية رامشتاين الأمريكية قد اجتمعوا للتأكيد على تقديم كامل الدعم العسكري للجيش الأوكراني، فقد أعلنت الولايات المتحدة وحدها عن تقديم حزمة مساعدات عسكرية تقدر بنحو مليارين ونصف المليار دولار. وهذه المساعد هي جزء من إجمالي المساعدات التي قرّرها البنتاغون والكونغرس لأوكرانيا والبالغة نحو سبعة وعشرين ملياراً وأربعمائة مليون دولار أمريكي.
من جهتها أعلنت روسيا عن أنّ هذه الأسلحة لن تغيّر في معادلات المعركة، ولن تأتي بجديد لتغيير الوضع القائم، لكنها سوف تؤدي إلى إطالة أمد الحرب التي ستزيد من عواقبها السلبية على الدول الغربية. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أكّد صراحةً، على اتهام حلف الناتو بشنّ حرب بالوكالة على روسيا من خلال تأجيج الصراع، مؤكداً أن الولايات المتحدة شكلت ائتلافاً من الدول الأوروبية لحلّ (المسألة الروسية) بالطريقة نفسها التي سعى بها الفوهرر النازي أدولف هتلر إلى حلّ (المسألة اليهودية) في أوروبا، من أجل إضعاف روسيا من ثم تدميرها.
لقد أدرك القادة الروس حقيقة المواقف الغربية منذ البداية، وهذا ما يجعل روسيا أكثر حذراً لأنها مستهدفة بوجودها، لكن القيادة العسكرية الروسية هيأت نفسها لمواجهة كافة الاحتمالات، فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي عن أن روسيا سترفع الاستعداد القتالي في الجو والبر والبحر، فيما أعلن الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف أن “هزيمة قوة نووية مدمرة في حرب تقليدية قد تشعل حرباً نووية لا تبقي ولا تذر، وأنّ القوى العسكرية الكبرى لا تخسر أبداً في صراعات ونزاعات كبرى يتوقف عليها مصيرها ومستقبلها”.