مجلة البعث الأسبوعية

حول سعر صرف العملة الوطنية في الحروب

د. مهدي دخل الله

يكتب الاقتصادي الأمريكي الشهير جون غالبرايت فصلاً كاملاً في كتابه ( حول تاريخ الفكر الاقتصادي ) عن أوضاع النقد الدولي أثناء الحروب . الفصل يحمل عنواناً مثيراً ” الطبيعة الاستقلالية للنقود ” ، ويعني أن النقد له طبيعة تجعله عصياً على إرادة الحكومات ورغباتها ..

ما يهمنا في هذا الفصل وصف الكاتب لحالة النقد أثناء الحروب الأمريكية الكبرى الثلاثة : حرب الاستقلال ( 1775 – 1783 )، وحرب توحيد الولايات المتحدة ( 1861 – 1865 )، وحرب فيتينام ( 1960 – 1974 ).

في الحرب الأولى قامت حكومة الثورة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني بطبع نقود ورقية لا قيمة لها عملياً لتمويل الحرب ، اسم تلك النقود ( كونتننتال ) ، وكان على الأمريكي أن يحمل كيساً كبيراً لشراء بضاعة صغيرة عادية .

أثناء حرب التوحيد ( الحرب الأهلية )  طبعت الحكومة الفدرالية ورقة نقدية لا قيمة لها ولا غطاء ، اسمها ( غرين باك ) . وكان على الشعب استخدامها بالطريقة نفسها كما كانت سابقتها ( الكونتننتال ) .

أثناء حرب فييتنام خسر الدولار من قيمته الشرائية ( التضخم ) أكثر من  400% ، لدرجة أن الرئيس نيكسون اضطر إلى إلغاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ( IMF ) الذي تعهدت بموجبه أمريكا بتبديل الدولار بالذهب وفق قيمة ثابتة ؛ ذلك لأن الدولار خسر أمام الذهب خسارة تاريخية ضخمة في قيمته التبادلية بسبب تمويل حرب فييتنام . بعد ذلك جاء البترودولار العربي نهاية السبعينات ليدعم الدولار دعماً كبيراً ..

بعيداً عن التجارب التي ذكرها جون غالبرايت ، لنبحث التجارب في منطقتنا . بدءاً من السبعينات ، هناك ثلاث دول تعرضت لحروب كبرى ــ لبنان والعراق وسورية ـــ لنفرض أن هذه الحروب متساوية في شدة التدمير ، وهذا افتراض غير صحيح لأن الحرب على سورية فاقت كل الحروب ، خصوصاً الحرب الديبلوماسية والإعلامية والاقتصادية . لكن لنفرض أنها حروب متساوية ولنراقب ماذا حصل بالعملات الوطنية :

– لبنان : كان سعر صرف الليرة تجاه الدولار في السبعينات 3 ليرات مقابل الدولار ( 285 قرشاً ) ، فأصبح اليوم أكثر من خمسين ألف ليرة ، أي سبعة عشر ألف ضعف تقريباً . علماً أن لبنان حصل في هذه الفترة على أكثر من 100 مليار دولار ديون ومساعدات ، وعدد سكانه ثلث عدد سكان سورية ..

– العراق : في السبعينيات كان سعر صرف الدينار 3 دولارات لكل دينار ( أي الدولار ثلث دينار ) . اليوم الدولار يساوي أكثر من 1600 دينار ، أي حوالي خمسة آلاف ضعف ؛ علماً أن العراق بلد غني وعضو في أوبك ، ولم يتعرض لمقاطعة اقتصادية وتجميد مقعده في ج . د. ع .

– سورية : كان سعر صرف الليرة في السبعينيات 4 ليرات للدولار ، فأصبح اليوم حوالي 6500  ليرة ، أي ألف وسبعمائة ضعف ، وهو أقل عشر مرات من لبنان وثلاث مرات من العراق .

mahdidakhlala@gmail.com