متى ستحاسب الولايات المتحدة على جرائمها في سورية؟
ترجمة: سمر سامي السمارة
منذ بداية الحرب على سورية، ترتكب بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، ومرتزقتهم، يرتكبون جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، في سورية، كما يدعمون الجماعات الإرهابية المتحالفة معهم لمهاجمة الجيش السوري والمدنيين السوريين، وفرض عقوباتهم غير القانونية على الشعب السوري.
وتاريخ الحرب التي دبرتها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والكيان الإسرائيلي وحلفاؤهم ضد سورية، معروف، بدءاً من العقوبات القاسية، والقصف الجوي، والهجمات الصاروخية، والاغتيالات، والتعذيب، واحتلال مرتفعات الجولان من قبل الكيان المدعوم أمريكياً، وليس انتهاء بالغزو الأمريكي لسورية، والذي بدأ عام 2015 بغارات القوات الخاصة الأمريكية على أراضيها، في ذلك العام، وغزو القوات الأمريكية في 8 آذار عام 2016 للأراضي السورية، ولا يزال مستمراً ليومناهذا.
خلال صيف 2017، دمّرت القوات الأمريكية مدينة الرقة، ومن خلال قصفها المكثف للمدينة وقصفها المدفعي الثقيل واستخدام قذائف الفوسفور الأبيض المحظورة بموجب القانون الدولي، قتلت مئات المدنيين. كما دمر الإرهابيون -حلفاء الولايات المتحدة- حلب والعديد من المدن والبلدات والقرى الأخرى بوحشية من خلال الجماعات التي دربتها الولايات المتحدة.
لقد قدّم الأمريكيون كل أنواع الذرائع لهذا الغزو، وبالطبع لم يكن أي منها صحيحاً، ولم يمنحهم أي منها أي أساس قانوني لعدوانهم، لأن ما فعلوه لم يكن سوى اعتداء مباشر ووحشي على دولة ذات سيادة، منتهكين في ذلك “مبادئ نورمبرغ” لعام 1946، و”ميثاق كيلوغ برياند” لعام 1928، والذي وافقت بموجبه جميع هذه الدول على عدم مهاجمة أي دولة أخرى، فضلاً عن انتهاك ميثاق الأمم المتحدة، والذي خضعت له جميع الدول المعتدية كجزء من القانون الدولي وقانونها المحلي.
اتسع نطاق الغزو الذي أمر به الرئيس أوباما، الأمر الذي يجعله مجرم حرب، إلى أن أمر الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية في عام 2019. بيد أن القوات الأمريكية المتبقية مستمرة في احتلالها للأجزاء الشمالية الشرقية من سورية، ومستمرة في بناء قواعد تتحكم بحقول النفط المهمّة التي توفر الكثير من احتياجات سورية من الطاقة والأموال الموجهة إلى أسواق الصادرات، فضلاً عن استيلائها على مناطق إنتاج القمح الحيوية لقوت الشعب. ومع ذلك، يستمر الأمريكيون في تقديم ذرائعهم المعتادة لهذا الغزو، مثل “مكافحة الإرهاب”، و”احتواء النفوذ الروسي في الشرق الأوسط”، أو “دعم القوات الانفصالية”.
في 10 كانون الثاني الجاري، كرّر نائب المبعوث الدولي للتحالف ضد “داعش”، ويليام روبوك، كل هذه الذرائع لتبرير الغزو الأمريكي، مضيفاً دعوته لاستمرار الغزو بالقول: “إن وجودنا يمنع أيضاً تعزيز روسيا لمهمتها العسكرية في سورية، ما يقوّض أحد المصادر الرئيسية لمكانة موسكو المرنة في المنطقة، وبالتالي يقدم الدعم لجهودنا في السياسة الأوكرانية”. وهو بذلك، يربط الغزو والاحتلال الأمريكي لسورية بعدوان الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على روسيا في أوكرانيا.
بالطبع لم يستطع السيد روبوك تقديم أية أسباب أو مبررات قانونية لمواصلة احتلال الولايات المتحدة، لأنهم لا يرون بغزوهم للدول ذات السيادة أي احتلال، فمن المعروف عن جميع الإدارات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي ومسؤوليهما، أنهم لا يهتمون كثيراً بالقوانين أو الأخلاق!.
في 12 كانون الثاني الحالي، أكد وزير الزراعة والإصلاح الزراعي محمد حسان قطنا، أن الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها سورية بسبب الحرب الإرهابية التي حرضت عليها الولايات المتحدة والإجراءات القسرية أحادية الجانب، أثرت بشكل كبير على إنجازات سنوات للتنمية المستدامة، وتسبّبت بخسائر كبيرة.
وفي 13 كانون الثاني، قال وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة، إن الاحتلال الأمريكي لأجزاء من الأراضي السورية، بما في ذلك مواردها النفطية، بالإضافة إلى العقوبات غير القانونية التي تفرضها واشنطن على سورية، يتسببان بمعاناة كبيرة للشعب السوري.
كما أكدت وزارة النفط والثروة المعدنية أن الولايات المتحدة والعصابات التابعة لها تسرق بشكل غير قانوني ما يصل إلى 66 ألف برميل من النفط يومياً، ما يمثل 80٪ من الإنتاج اليومي من الهيدروكربونات، ولهذه الأسباب لا يزال الوضع الإنساني في البلاد صعباً، حيث يواجه ملايين السوريين نقصاً في الطاقة والغذاء والمياه ويحتاجون إلى الضروريات الأساسية.
وتدين روسيا وسورية بشدة نهب الثروات الطبيعية لسورية، حيث تسيطر القوات المدعومة من الولايات المتحدة حالياً على جزء كبير من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة في شرق وشمال شرق سورية، وقد أنشأت القيادة العسكرية الأمريكية تسع قواعد عسكرية هناك منذ عام 2015.
وفي 12 كانون الثاني، طالبت الحكومة السورية مجدداً الأمم المتحدة ومجلس الأمن بضرورة إنهاء الوجود غير الشرعي لقوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات التابعة له ونهبهما المنظم لثروات الشعب السوري، وإعادة حقول النفط والغاز التي تحتلها إلى الدولة السورية. لكن حتى الآن، تواصل الولايات المتحدة ممارساتها العدوانية، وانتهاكاتها الجسيمة لمبادئ القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، من خلال استمرار وجود قواتها بشكل غير شرعي على أجزاء من الأراضي السورية في الشمال الشرقي، وفي منطقة التنف، تواصل قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات المرتبطة بها نهبها المنظم للنفط والقمح وغيرهما من الموارد الأساسية والثروات الوطنية للشعب السوري.
وأوضحت الخارجية السورية أن قيمة الخسائر المباشرة لاعتداءات قوات الاحتلال الأمريكي والمجموعات الإرهابية التابعة له بلغت 25.9 مليار دولار، تتوزع على 19.8 ملياراً خسائر سرقة النفط والغاز والثروات المعدنية، و3.2 مليارات خسائر تخريب وسرقة المنشآت، و2.9 مليار الأضرار الناجمة عن قصف طيران “التحالف الدولي” غير الشرعي لمنشآت النفط والغاز، في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 86 مليار دولار، وهي تمثل قيمة فوات الإنتاج من النفط الخام والغاز الطبيعي والغاز المنزلي والمشتقات النفطية والثروات المعدنية نتيجة انخفاض الإنتاج عن المعدلات المخطّطة في ظروف العمل الطبيعية، وبالتالي فإن إجمالي قيمة خسائر قطاع النفط في سورية بلغ 111.9 مليار دولار.
وشدّدت الخارجية على أن صمت مجلس الأمن والأمانة العامة عن إدانة ممارسات قوات الاحتلال الأمريكي، ونهبها النفط السوري، وتخريبها البنى التحتية أمر غير مقبول، كما أن تجاهل المعاناة التي يعيشها الشعب السوري جراء الحصار والإجراءات الاقتصادية القسرية التي تفرضها الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي يتناقض مع ما يدّعيه البعض من حرص إنساني، وما نشهده من مساعٍ لتمديد مفاعيل قرار مجلس الأمن “2642”، لافتةً إلى أن تلك الانتهاكات والإجراءات غير الشرعية تحدّ من فعالية أي جهود تهدف لتحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وتخلف آثاراً كارثية على الحياة اليومية للمواطن السوري، وتحول دون حصوله على الخدمات الأساسية والوقود والغاز المنزلي والطاقة الكهربائية، ولاسيما خلال فصل الشتاء وظروف البرد القارس.
وأشارت الخارجية إلى أن المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان إلينا دوهان، أكدت في ختام زيارتها إلى سورية، الشهر الماضي، أن الإجراءات القسرية المفروضة على سورية تصل إلى مستوى جرائم الحرب، وتزيد معاناة الشعب السوري، وتمنع أي جهود للتعافي المبكر وإعادة الإعمار، مشددةً على وجوب رفعها فوراً، فكيف يكون عليه الحال عندما تترافق تلك الإجراءات مع نهب قوات الاحتلال الأمريكي الممنهج لثروات سورية.
وجدّدت الخارجية مطالبة سورية للأمم المتحدة بالتحرك العاجل لوقف انتهاكات الولايات المتحدة وحلفائها للقانون الدولي، وأحكام الميثاق وضمان التعويض عنها، وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية، وإعادة حقول النفط والغاز التي تحتلها تلك القوات إلى الدولة السورية، والرفع الفوري وغير المشروط للإجراءات القسرية غير الشرعية، بما يتيح الارتقاء بالوضع الإنساني، وتوفير الظروف المناسبة للعودة الطوعية الآمنة والكريمة للمهجّرين واللاجئين إلى وطنهم.
على الرغم من ارتكابها لجرائم حرب في كلّ أنحاء العالم، لا تتوقف الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو جنباً إلى جنب مع عملائهم في كييف عن الحديث عما تزعم أنه “جرائم الحرب الروسية” في أوكرانيا وتدعو إلى محاكم دولية!.
بعد كلّ هذا، من المؤكد أن الولايات المتحدة وحلفاؤها فقط من يجب محاكمتهم، ومعاقبتهم على جرائم الحرب التي ارتكبوها على مرّ السنين، بما في ذلك الهجمات النووية على اليابان عام 1945 والتي لم يُحاسب الأمريكيون عليها، وهي جريمة، اعترف الرئيس بايدن في13 كانون الثاني الحالي، خلال لقاء له مع رئيس الوزراء الياباني أنها “جريمة ضد الإنسانية جمعاء” في إشارة إلى استخدام الأسلحة النووية.
لن ينسى العالم هيروشيما وناغازاكي، حتى لو ادّعت الحكومة اليابانية ذلك، ولا الجرائم التي ارتكبتها أمريكا وحلفاؤها بحق الملايين في كوريا، وفيتنام، ويوغوسلافيا، وأفغانستان، والعراق، واليمن، والصومال.
من سيحاكمهم، ومن سيقدّمهم للعدالة؟.. المستقبل وحده هو الذي يمكن أن يوفر إجابة محدّدة، لكن لابدّ أن الحساب قادم.