اقتصادصحيفة البعث

قطع مهدور!

حسن النابلسي 

لا يزال الحديث عن تمويل المستوردات عبر “المنصة” محط جدل وأخذ وردّ، مع الإشارة هنا إلى أحقية ما يطرحه بعض المستوردين لجهة التأخير الحاصل باستلام القطع المطلوب للتمويل!

لكن إذا ما حاولنا سبر حيثيات آلية التمويل هذه، سواء لجهة تأثيرها على سعر الصرف، أم لجهة المواد المستوردة، أم لجهة المتمولين أنفسهم، فسنجد أولاً أن إيقاف تمويل عديد المواد عبر المنصة، خلال الفترة الماضية، قفز بسعر الصرف في السوق السوداء إلى 17 ألف ليرة، مباشرة، وبعد عودتها إلى المنصة استقر السعر عند حدود الـ 13500 ليرة، أي أن إرضاء ثلة من المستوردين جاء على حساب استقرار سعر الصرف، وبالتالي على حساب شريحة المستهلكين، مع الإشارة هنا إلى تفهمنا لتحفظ التجار والصناعيين على التمويل عبر المنصة نظراً لبطء عملها الشديد، وبالتالي إبطاء رأس المال لمدد زمنية قد تصل إلى أربعة أشهر، كون أنه يتوجب على التاجر المستورد تسديد 50% من قيمة البضاعة بالليرات السورية لدى المنصة، وذلك عند تقديم طلب التمويل بعد الحصول على إجازة الاستيراد، واستكمال المبلغ المتبقي خلال مدة شهر من إدخال البضائع ووضعها بالاستهلاك المحلي، بينما يتوجب على الصناعي المستورد للمواد الأولية اللازمة لصناعته تسديد 30% من قيمة البضائع عند التقدم بطلب التمويل، وإدخال المبلغ المتبقي خلال شهر من إدخال البضاعة، لكنهم في النهاية “أي التجار والصناعيين” بمنأى عن الخسارة، لأن أي اختلال بسعر الصرف سرعان ما يتفادونه ويبيعون منتجاتهم بناء على السعر المعتمد في السوق السوداء!

ثانياً.. بالنسبة للمواد المستوردة عبر المنصة، نجد أن المواد الأساسية “طحين – سكر – شاي – حليب الأطفال – زيت – رز” فهي معفية من التمويل عبر المنصة، وهذه ربما لا خلاف عليها!

ليبقى الخلاف على عديد المواد ذات الطابع الكمالي إلى حدٍ ما، ولاسيما مستلزمات إنتاج المواد الداخلة في تصنيع السلع التي تستخدم لمرة واحدة كـ “أكياس النايلون والمعالق والشوك البلاستيكة المخصصة للوجبات السريعة وأغلفة العديد من المواد المعبأة محلياً – وصحون الفلين.. إلخ”.. فإذا ما علمنا أن التقديرات تشير إلى أن قيمة هذه المواد التي تستخدم لمرة واحدة لا تقل عن 1 مليون دولار يومياً، وأن القيمة المضافة لإنتاجها محلياً لا تتجاوز الـ 10 – كأكياس النايلون مثلاً – فعندها علينا أن نعي جيداً ونعيد حساباتنا بدقة لحجم القطع المهدور!

للتوضيح أكثر سنأخذ مثال أكياس النايلون: إذا ما افترضنا أن عدد الأسر السورية 5 ملايين أسرة، ومتوسط استهلاك الأسرة الواحدة من هذا المنتج حوالي 4 أكياس لشراء الخضار والفواكه والسلع اليومية؛ وإذا ما علمنا أن عدد الأكياس في الكغ الواحد يبلغ 250 كيسا، وأن سعر الكغ وفق سعر الصرف 2 دولار، فسنخلص إلى نتيجة دفع فاتورة بقيمة 160 ألف دولار يومياً قيمة أكياس نايلون تستخدم لمرة واحدة، وذلك على اعتبار أن ضرب 4 أكياس “وهو معدل استهلاك الأسرة يومياً” بعدد الأسر البالغ 5 ملايين، مقسوماً على 250 كيس  “وهو عدد الأكياس في الكغ الواحد” يساوي 80 طنا.. وإذا ما ضربنا سعر الكغ البالغ 2 دولار بـ 80 ألف كغ الأكياس سينتج لدينا 160 ألف دولار قيمة الأكياس المستهلكة يومياً!

أما بالنسبة للمستوردين المتمولين عبر المنصة، فللأسف أغلبهم يعيش خارج البلاد، وهؤلاء هم من تعلو أصواتهم لفتح باب الاستيراد على مصراعيه وفق ما يشاؤون، ودائماً يتحفظون على ما يصدر من قوانين وتشريعات علماً أن أصول استثماراتهم في الخارج، وهم من يشكلون ضغطاً على سعر الصرف لأنهم يشترونه من السوق المحلية، ويستنزفون القطع الأجنبي منها لتضخيم ثرواتهم!

hasanla@yahoo.com