رياح العداء تهب على فرنسا في الساحل الأفريقي
هيفاء علي
طلبت بوركينا فاسو من فرنسا سحب قواتها المتمركزة في عاصمة البلاد واغادوغو، وإنهاء الإتفاق العسكري بين البلدين الموقع في نهاية العام 2018. وفيما قال المتحدث باسم حكومة واغادوغو أن بلاده قررت إنهاء الاتفاق العسكري مع فرنسا والذي يتيح لقواتها التواجد على أراضي العاصمة، وإن القوات المسلحة الوطنية ستتولى مهمة الدفاع عن البلاد، شكك بعض المختصين في قدرتها على مواجهة الجماعات الإرهابية التي زاد نفوذها في الفترة الأخيرة بالمنطقة، فما هي تداعيات الانسحاب العسكري الفرنسي على دول الساحل الأفريقي؟
وكما حدث في مالي قبل بضعة أشهر، بدأ التحرك المعادي لفرنسا في شوارع واغادوغو، في نهاية 2022 عندما خرجت مظاهرات عفوية تطالب برحيل الجنود الفرنسيين من البلاد أمام فشلهم في وضع حد لنشاط تنظيمي “القاعدة” و”داعش”.
في 28 تشرين الأول الماضي، تظاهر المئات للمطالبة بـ “مغادرة فرنسا في غضون 72 ساعة” من بوركينا فاسو. وفي 19 تشرين الثاني، احتشد المئات أيضاً في العاصمة احتجاجاً على الوجود العسكري الفرنسي، وانطلقوا باتجاه السفارة الفرنسية رافعين أعلام روسيا، فيما توجه بعضهم على دراجات نارية إلى قاعدة كامبوينسين (ضواحي واغادوغو) حيث تتواجد قوة “سابر”، وهي وحدة من القوات الخاصة مكونة من 400 جندي.
وكان الكابتن إبراهيم تراوري قد استولى على السلطة في 30 أيلول 2022 إثر انقلاب عسكري هو الثاني في غضون ثمانية أشهر، ليتبنى “شرعية انتقالية” ويترأس “الحركة الوطنية للحماية والإصلاح، متقلداً ثلاثة مناصب بوقت واحد: رئيساً انتقالياً، ورئيس الدولة، وقائداً أعلى للقوات المسلحة.
في المقابل، شنت الصحافة الفرنسية هجوماً لاذعاً على دور بلادها في عموم أفريقيا، ورأت أن ثمة “استياء” لدى سكان مالي وبوركينا فاسو سببه الإنطباع بأن القوات الفرنسية فشلت في الحد من الزحف الارهابي في البلدان المعنية أو في المنطقة بشكل عام، وبالتالي فعليها الرحيل وترك المجال لشركاء آخرين، معتبرةً أن أمام استمرار نشاط الجماعات الإرهابية وتوسعها إلى غرب وجنوب منطقة الساحل، صب الناس غضبهم على فرنسا وحملوها المسؤولية عن هذا التمدد.
وتعد الانسحابات المتتالية للقوات الفرنسية من القرن الافريقي مؤشرا جديدا على تراجع النفوذ الفرنسي لدى مستعمراتها السابقة في أفريقيا، فمنذ الانقلاب الذي أوصل إبراهيم تراوري إلى السلطة في أيلول الماضي، تدهورت العلاقات بين باريس وواغادوغو، كما هو الحال في مالي، وغيرها من الدول الأفريقية.
وأمام الرياح المتزايدة المعادية لفرنسا، وخروج مظاهرات مناهضة للفرنسيين في بوركينا فاسو في الأشهر الأخيرة، واستخدام مقاطع فيديو على شكل رسوم متحركة لتقديم الجنود الفرنسيين في شكل فئران أو “زومبي”، اختارت باريس عدم لفت الأنظار. لكن اليوم، بات العديد من المراقبين يتساءل بشأن احتمال تكرار السيناريو المالي في بوركينا فاسو، التي يتمركز ما بين 400 و500 جندي فرنسي في عاصمتها واغادوغو، كجزء من فرقة “سابر”، أو القوات الخاصة التي دعمت عملية برخان، التي وضع لها الرئيس الفرنسي حداً مع مغادرة الجيش الفرنسي مالي نهائيا في آب الماضي بعد نحو عشر سنوات من بدء تدخله ضد الجماعات الجهادية في منطقة الساحل، حسب زعمه.
وبحسب الصحافة الفرنسية، صحيح أن انسحاب القوات الفرنسية من بوركينا فاسو لن يطرح تحدياً لوجستياً، لكنه يطرح بشكل أكثر إلحاحا مسألة الاستراتيجية العسكرية الفرنسية في أفريقيا، مع العلم أن الجيش الفرنسي ما يزال منتشراً في النيجر في منطقة الحدود الثلاثة، وفي تشاد، التي أقامت معها فرنسا شراكة طويلة الأمد. كما أن جنوداً فرنسيين يتمركزون في السنغال وكوت ديفوار والغابون، وهو وجود سيتم طرحه على الطاولة في الإليزيه على أمل وضع حد للاتهامات ضد نفوذ باريس.