اصطيف: إسهامات الخطيب في ميادين البحوث لا يمكن تجاهلها
نجوى صليبه
بعد استعراضه البرقي ـ كما وصفه – لمسيرة أستاذه العلمية الغنية والمتنوّعة، أشار الدّكتور عبد الغني اصطيف إلى أنّ النّاظر في السّيرة الحافلة بالإنجازات الفكرية والعلمية والثّقافية للدّكتور حسام الخطيب يتبيّن له بوضوح أنّه جمع بين البحث والدّراسة والنّقد والتأليف من جانب، وبين العمل العام مدرّساً ومحرراً وأستاذاً جامعياً وإدارياً علمياً وبرلمانياً نشطاً على المستوى القطري والعربي والدّولي من جانب آخر، مضيفاً: لقد تمكّن الخطيب من التّوفيق بين النّجاح في العمل العام وأداء الوظائف الاجتماعية المنوطة به على وجه مرضٍ من جهة، وبين النّجاح في ـ العمل الخاص ـ العمل البحثي الذي يسعى من خلاله إلى دفع المعرفة الخاصّة به خطوات نحو الأمام من جهة أخرى، بل وأكثر من هذا فإنّ إسهامه في ميادين البحوث التي عمل فيها ومن خلال ما يتجاوز ستة عقود، والذي يعدّ بحقّ إسهاماً بارزاً لا يمكن تجاهله من جانب أي متخصّص في هذه الميادين مرتبط وعلى نحو عضوي بعمله الذي تبادل معه “التّحفيز” بصورة جعل كلّ منهما مديناً للآخر بطريقة أخرى.
وخلال المحاضرة التي أقامها مجمع اللغة العربية في دمشق حول إسهامات الدّكتور الخطيب في اللغة العربية وآدابها، نوّه اصطيف بأنّ الخطيب كان متسامياً في مسعاه نحو الأفضل في كلّ فرصة تتيسر له، مبيناً: هذا التّسامي الذي يتجلّى في مراجعته لعمله وتطويره وإغنائه حتّى يستقيم له في صورة أفضل من سابقتها، وكان شعاره الذي يحكم عمله البحثي “لا ترض بالحسن، فتّش عن الأحسن”.
وفي حديثه عن حبّ الخطيب الأوّل للنّثر القصصي العربي في سورية، عاد اصطيف إلى عام ألف وتسعمائة وستة وستين، إذ بدأ مبكّراً بالتّحقيق الأدبي الذي أجراه في مجلة “المعلم العربي” عن كتّاب القصّة السّورية، والذي أفضى به إلى صرف نحو من ثلاث سنوات لدراسة مسيرة هذه القصّة بين عامي ألف وتسعمائة وسبعة وثلاثين وألف وتسعمائة وسبعة وستين في رسالته لدرجة الدّكتوراه التي منحتها له جامعة كامبريدج عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين، ثمّ إلى نشره عدداً من المقالات والدّراسات المهمة عن المؤثّرات الأجنبية في القصّة السّورية في مجلة المعرفة وسواها في مطلع السّبعينيات، ثمّ إلى كتاب “أبحاث نقدية ومقارنة” الذي صدر عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين، وكتابه “سبل المؤثّرات الأجنبية وأشكالها في القصّة السّورية” الذي صدر عن معهد البحوث والدّراسات العالية في القاهرة، ثمّ كتابه “الرّواية السّورية في مرحلة النّهوض 1959-1967” الذي صدر عام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين، ومن ثمّ صدر عن اتّحاد الكتّاب العرب بدمشق في طبعة موسّعة حملت عنوان: “روايات تحت المجهر”، وتلاه كتابه “القصّة القصيرة في سورية: ريادات ونصوص مفصلية” عام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين.
أحبّ الخطيب الأدب المقارن، مستعيناً بمعرفته للإنكليزية التي درّسها لغةً وأدباً، وللفرنسية التي كانت لغته الثّالثة، وبحسب اصطيف، فقد ساعدته أيضاً أسفاره العديدة التي شملت معظم بقاع الأرض وامتدت نحو أربعة عقود خبر فيها غنى التّنوّع الإنساني، مبيناً: لقد كان تواصل الخطيب مع الثّقافة الغربية خاصّة والعالمية عامّة تواصلاً مستمراً يسرته دراسته في بريطانية أوّلاً وأسفاره ثانياً، ومشاركته في تحرير الآداب الأجنبية ورئاسته لتحريرها فيما بعد بين عامي ألف وتسعمائة واثنين وثمانين وألف وتسعمائة وتسعين ثالثاً، وإقامته البحثية في الجامعات الأمريكية رابعاً، فضلاً عن ترجماته ومراجعاته لترجمات غيره ومشاركته في ترجمة موسوعة الأدب العالمي إلى العربية، ويذكر له نجاحه في إدخال مقرر الأدب المقارن في جامعة دمشق ببرنامج الإجازة في اللغة العربية وآدابها للمرّة الأولى في عام ألف وتسعمائة واثنين وسبعين، ووضعه كتاب “الأدب المقارن” في جزأين، موضّحاً: خصص الأوّل منهما للنّظرية والمنهج، وانصرف في الثّاني إلى الدّراسات التّطبيقية الرّصينة.
ويتابع اصطيف: ومثلما كان العمل العام حافزاً قوياً على انشغاله بالنّثر القصصي العربي السّوري والتّأليف فيه وتطوير نتاجه عنه، كان عمله العام في سبيل قضية الأدب المقارن حافزاً مهمّاً للكثير ممّا أنجزه من دراسات مقارنة للأدب العربي الحديث، والتي تحوّلت بدورها إلى كتب لا يستغني عنها شداة هذا الحقل المعرفي المهم.
وأشار الدّكتور اصطيف إلى أنّ توجّه الخطيب في كلّ ما قام به من عمل عام أو خاص كان توجّهاً قومياً عربياً، يقول: لم ينقطع في يوم عن النّظر إلى الظّاهرة الأدبية القطرية المدروسة في إطار الظّاهرة الأدبية العربية القومية حتّى في دراسته للنّثر القصصي في سورية، والتي سلخ فيها أكثر من أربعة عقود من عمره وحتّى في سعيه إلى إبراز الهوية الفلسطينية المهددة على مختلف المستويات من قبل العدو الصّهيوني.
وفي ختام محاضرته، قال الدّكتور اصطيف: لكن السّندباد القابع في أعماقه كان يدفعه باستمرار إلى الارتحال من جديد بحثاً عن جديد، وكأنّه يخشى إخلاق ديباجته، فيغترب ويتجدد ويجدّد ويمضي.