الغصة الأكبر..!
بشير فرزان
ما أحوجنا في هذه الظروف إلى معرفة الكثير من التفاصيل حول ما هو مطلوب ومتوفر وممكن، كون ذلك هو المعادلة الأساسية للتخطيط المؤسّساتي الصحيح والإيجابي لضمان الولوج الآمن إلى ميادين التنفيذ، ولأن مثل هذه المعرفة لم تعد حاضرة في عمل الوزارات بعد أن أضاعت بوصلتها وباتت عشوائية في قراراتها وإجراءاتها بشكل أبعدها عن مسارات العمل التي يفترض أن تصبّ بنتائجها في الحياة العامة الخاوية حالياً من أي فعل إيجابي يمكن البناء عليه إلا فيما ندر، وهذا الواقع يعمّم على كافة الوزارات دون استثناء.
وما يزيد الطين بلّة تلك التصريحات التي تستخفّ بالرأي العام، وتستهزئ بمعاناة الناس دون أن تتقدم أي خطوة باتجاه الحلّ، وهذا ما يشرعن التساؤلات اليوم عن نتائج استنفار الحكومة لمواجهة الارتفاع الجنوني في السوق الغذائية، كأسعار البيض والفروج، وما تمخضت عنه سلسلة اجتماعاتها وقراراتها التي ساهمت في خروج هذا القطاع عن السيطرة بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى!
ومن هنا، فليسمح لنا السادة المسؤولون، وتحديداً في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وبكل تأكيد ليس من باب تحميل المسؤولية الكاملة عن كلّ ما يجري، ولكن من باب الظروف الراهنة السوري التي تترك المواطن يدفع ضريبة كبيرة جداً تفوق طاقة احتماله وتهدّد لقمة عيشه بسعراتها المعاشية المتدنية في أسواق هاربة من كلّ شيء إلا من سلطة الدولار والتّجار.
والغريب في الأمر حالة الاقتناع والثقة التي يتحدث بها الكثير من المسؤولين عن أحوالهم بطريقة استعراضية نابضة بالتراجيديا الواقعية، فالناس تتألم فقراً وهناك من يدعوهم إلى شدّ أحزمة التقشف ويحاول إقناعهم بأنه يعيش المأساة ذاتها من الحرمان والجوع وانعدام الحيلة، وأنه يصحو من ساعات الصباح الأولى ليسير في مناكبها بحثاً عن كسرة الخبز التي قد لا يستطيع الحصول عليها!!
والغصّة الأكبر في حياة المواطن أن يتماهي مع هذا الأداء التمثيلي البعض تحت قبة مجلس الشعب من خلال تصريحات غير موفقة، وتفضح الكثير من الخفايا والتفاصيل التي تدين السلطة التشريعية بالتقصير وعدم القدرة على تصويب واقع حال العمل الحكومي. ولسنا هنا بصدد تعداد الإخفاق في تحسين الحالة المعيشية ومتابعة عمل الحكومة وتقييم أداء الوزارات بشكل صحيح، وحجب الثقة عن ذلك الأداء المترنح، وهنا نستثني تلك المداخلات التي تبقى حبراً على ورق أو لوحات إعلانية انتخابية تنقل أحلام البعض في الاستمرار تحت مظلة القبة التشريعية.
وبصراحة.. يأمل الناس بقرارات “سريعة ومهمة وعاجلة” قادرة على إحياء ما تبقى من علاقة المواطن بالمسؤول، وإنعاش الثقة بينهما بناءً على مقتضيات المصلحة العامة وأحكام الظرف الاستثنائي، بحيث تكون كل القرارات القادمة قادرة على ملء الشواغر الوظيفية بالأكفاء والنزهاء، وسدّ الثغرات في العمل المؤسساتي وتقليص الفجوة في الحياة المعيشية بين الدخل والإنفاق.