“الانحناء يساراً”.. قصص وجيزة تنأى عن التفاصيل
أمينة عباس
احتفى فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين – الأمانة العامة بالمجموعة القصصية “الانحناء يساراً” للقاصة الصحفية الفلسطينية سوزان الصعبي من خلال تقديم قراءات نقدية شارك فيها الناقد د. غسان غنيم، الروائي د. حسن حميد، الروائية سوسن رضوان.
مخلصة للقصة
ونوّه الإعلامي علي الراعي الذي أدار الجلسة بوجود هذه الأسماء المهمّة في جلسة القراءة لمجموعة قصصية تصدر في زمن يبدو فيه هذا النوع الأدبي قد وصل إلى مرافئه الأخيرة أمام وهمِ مقولة “الرواية ديوان العرب”، في حين بيَّنت الكاتبة سوزان الصعبي أن المجموعة تضمّ قصصاً كُتِبَت منذ سنوات ولهذا لم تتردّد بالتأكيد على أنها عندما تقرأها اليوم تشعر بأنها ناقصة، وأنه كان يجب أن تكتب بطريقة أخرى دون أن تخفي إعجابها بها حتى اللحظة، موضحة أنها دائمة التعلم ومستعدة لسماع أي نقد في سبيل تطوير مهاراتها في الكتابة، وأنها تحب القصة القصيرة وستكون مخلصة لها رغم خوضها تجربة الرواية لأنها تميل إلى الإيجاز والاختصار وتكره التكرار.
بعيداً عن المتعة
وأشار الكاتب د. حسن حميد إلى أن الكاتبة الصعبي صوت أدبي مهمّ، شأنه شأن أصوات أدبية أرادت عدم تقفي دروب الآخرين في كتابة النص القصصي، فهي غير مهمومة في قصصها في هذه المجموعة بالأحداث أو بناء الشخصيات ورسم المكان أو التعالق مع الأزمنة للكشف عن مقارباتها، ولا هي معنية بالتفاصيل التي تهتمّ بها الحكاية إنما تكتب وفقاً لما قاله أدباء فرنسا: “كل شيء في النص القصصي مَهلكة لأن النص أشبه بالطريق الذي لا يطيق الحمولة الثقيلة”، كما تتبع مقولة النقاد الفرنسيين في أن النص القصصي ليس جلسة عتاب أو جلسة محاكمة للتعرف على الأسباب وسيرورة الأحداث والنتائج، انطلاقاً من إيمانها أن النص القصصي الذكي هو النص الوجيز الذي يقول الكثير من دون فائض. وبيّن حميد أن الصعبي في قصص كتابها لا يشغلها المكان والزمن والحدث، وهي تدرك هذه الهندسة ولا تعطيها أهمية، وهذه كتابة صعبة جداً برأيه لأنها تطلب من القارئ بذل جهد يوازي جهد كتابة النص من أجل إدراك ما يرمي إليه النص، وبالتالي فإن قراءة مثل هذه النصوص عبارة عن تفاعل وليس تلقياً، وأن كل ما فيها هو اعتصار للزمن والمكان والأحداث ومسارات الشخوص وأحلامها. من هنا فإن من يرجو المتعة منها سيكون واهماً، ولو كانت متوفرة فيها لاضطربت واختلت موازينها لأن بنية النص فيها تقوم على التشظي ومكتوبة برؤية الكاتبة وقناعتها القائلة “إن كنت تريد رؤية الواقع على حقيقته فاختر المرآة التي تناسبه”. وأشار حميد إلى أن موضوعة الحرب في هذه المجموعة لم يتمّ الإفصاح عنها، إلا أن بعض الإشارات فيها تؤكد أنها كُتِبَت أثناء العشرية الدموية التي فُرِضَت على البلاد، لكن أحداث الحرب ومشاهدها لا تبدو إلا على نحو معتصر لأن الكاتبة تركت مجريات الحرب واقتفت آثارها.
بين السرد والشعرية
وبيَّن الناقد د. غسان غنيم أن الكاتبة لم تقدّم في قصصها حكايات لها بداية وعرض وخاتمة بل ومضات أجبرت المتلقي من خلالها أن يشاركها في عملية التأليف، لأنها لم تقدم له طبقاً شهياً فيه كل أصناف الفكر، بل طلبت منه أن يساعد في إعداد الوجبة ويحضر ما ينقصها، لذلك لم تتحدث عن الحرب بشكل صريح لكنها في الوقت ذاته جعلت القارئ رافضاً لها ولاعناً مشعلها، مؤكداً أن الكاتبة في قصصها تقدم لغة جديدة للقصة الحداثية ونمطاً جديداً حداثياً تجاوزت فيه الكاتبة الحكاية والحدث والاستغراق في وصف الشخصيات وتجاوز العقدة والتنسيق الموسيقي لتقدم خلطة تفيض بالإبداع الحقيقي، ليست شاعرية ولكن بلغة شعرية تقوم على التكثيف الموحي دون أن تستفيض. ونوّه غنيم بأن القسم الثاني من المجموعة ضمّ أربع قصص اجتماعية اختارتها الكاتبة بعناية، متوقفاً بشكل خاص عند قصة “الانحناء يساراً” التي حملت عنوان المجموعة واصفاً إياها بأنها درة في عقد يفيض باللؤلؤ، وأنها قصيدة نثر حقيقية بلغة طافحة بالأدبية والفن والدقة في إيصال الأحاسيس، وأن الحكاية ليست هي من جعلتها في مقدمة خصائص النص الجميلة بل كيفية تقديمها، مبيناً أن أهم ما يميّز نصوص المجموعة قلة عدد الشخصيات فيها والتركيز على شخصية أساسية دون التوسع بكافة مناحي حياتها، ورأى غنيم أن اشتراك لغة الصعبي بين السرد والشعرية منح القصص أبعاداً أدبية إضافية، خاتماً كلامه بالتأكيد على أن الصعبي أديبة امتلكت التجربة ودخلت في ثنايا خلاياها، عاشتها فأبدعت منها نصاً يستحق التقدير والإعجاب.
السواد ملأ القلوب
وتوقفت الروائية سوسن رضوان في قراءتها عند عنوان المجموعة وقصصها التي كانت برأيها مغايرة، فأضافت عليها صبغة جمالية لقصص تميّزت بعدم الشطط والنأي عن الإطالة والتكرار، وقد حفرت الحرب في رؤوس شخصياتها أخاديد من لهب ووجع، فما عاد للأحلام فيها مكان على الرغم من الأحمر الذي طغى على المساحة السردية ودلالاته الوجدانية المقهورة حيث السواد ملأ القلوب حزناً، والعتم طال جلّ أيام شخصياته، مؤكدة أن للأديبة صوتها الخاص الذي حاولت من خلاله الوصول إلى عقل المتلقي المثقف، وقد أتقنت ذلك من خلال الوقوف على العتبات النصية العديدة واللوحات التي رسمتها بقلمها عن الفقد والانكسار والعقوق والأحلام التي أُجهِضت قبل أن تولد، معتمدةً فيها على لغة سهلة وواضحة وعلى الراوي كشخصية رئيسية التزم عدم الشطط في القص والوصف، فبدا غير مملّ برأيها حيث يسير العمل لأكثر من ثلثه على خط القهر وعصب الوجع، فتحاول الأديبة أن تقّلص مساحته لتفتش عن بدائل تغير الحال كما في قصة “موسيقا الشهيق الأخير”.