المشهد العام في أنديتنا لا يبشر بالخير.. هدر مال عام وسوء إدارة وغياب تام للتخطيط وملاعب وصالات متهالكة
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
أكثر ما يؤلم في المشهد الرياضي الأخير ما يتم تبادله من اتهامات بين إدارات نادي الوحدة المتعاقبة في السنوات الأخيرة، والسبب هو المال المفقود الذي ضاع من خزينة النادي ولم يعد يعرف المتابعون ما قيمته الفعلية ومن أضاعه، فقد ضاع الجميع في زواريب الأرقام والتفاصيل بين بيع اللاعبين ومشاريع النادي الإنشائية والاستثمارية وبين الصرف والعقود، لكن بالمؤكد أن المبالغ كانت كبيرة جداً وهي بالمليارات.
هذا حديث الشاشات التي تتبارى في استضافة أطراف القضية المعنيين عن قيادة نادي الوحدة وهؤلاء يتهمون بعضهم البعض بالهدر وسوء الإدارة ونحن نقف مع المتابعين نبحث عن الحقائق الغامضة وكل خشيتنا أن تنتهي هذه الزوبعة دون متهم وأن يضيع المال في التفاصيل والمفاوضات فتطوى الأوراق وتغلق الدروج وتقيد كل القضايا ضد مجهول!
قضية عقد عمر خريبين صارت نقمة على نادي الوحدة وليست نعمة، فالعقد الذي قيل أنه بملايين الدولارات لم يستفد منه النادي إلا بجزء بسيط من الدخل قيل أنه صرف في تسديد ديون النادي والباقي في علم الله وإدارات النادي، وبات من حق أبناء النادي أن يسألوا عن المال المفقود؟
وخارج عقد الخريبين فإننا إذا أحصينا استثمارات النادي وما يمكن أن يدر عليه من مال لوجدنا العجب العجاب!
سوء إدارة
نادي الوحدة يقع في أفخم منطقة بدمشق على مساحة واسعة مكتظة بالسكان مملوء بالاستثمارات التي يزدحم المستثمرون عليها لفوائدها المباشرة ويزدحم بالمرتادين على منشآتها، وفي التعداد هناك مستودعات وصالة أفراح وملاعب مكشوفة كثيرة مؤجرة وصالة سلة مؤجرة أيضاً وصالة بلياردو وصالة بولينغ ومسبح ومطاعم وكافتيريات ومقاه كثيرة ومتنوعة، كل شبر بنادي الوحدة مستثمر حتى كراج السيارات أصبح مأجوراً، أمام هذا الكم الهائل من الاستثمارات وما تدر على النادي من مئات الملايين يجعل النادي في بحبوحة مالية والمفترض أن يكون بغنى عن الداعمين والمحبين ليدعموا النادي مالياً، لكن هذا الكلام يأتي في القوالب النظرية لأن في الحقيقة النادي مفلس وهو في عجز ما يجعل جمهور النادي الكبير يتساءل: هل يعقل أن يقال لنا إن النادي في عجز مالي ولا يستطيع تسديد رواتب مدربي وكوادر فريق الشباب لكرة القدم وهي مبالغ قليلة ولا توازي ما يدفع للاعب واحد في فريق الرجال؟
القضايا التي يتم إثارتها في نادي الوحدة كثيرة وهي بمجملها تدل على سوء الإدارة والتخطيط ولن ندخل في المواضيع المالية وأين تصرف لأنها من اختصاص الجهات الرقابية ونحن لا نتهم أحداً.
موضوع عقد المدرب الصربي دوبرا موفيتش الذي يطالب النادي عبر الفيفا بتسديد مبلغ ستين ألف دولار بات في اهتمام المحاكم الكروية الدولية، ما يدل ذلك على سوء الإدارة والجهل بالتعاطي مع العقود وكيفية الالتزام بها، وسواء كان المسؤول المباشر عن هذا العقد الإدارة الحالية أو التي قبلها أو كليهما معاً فإن النادي يدفع ضريبة سوء إدارة من يتولى زمام العمل ويقود النادي إلى الانهيار والخراب.
والقادم قد يكون أسوأ عندما تفتح ملف اللاعب الأجنبي آرنسيت سوغيرا من رواندا الذي أنهي عقده وربما جاءنا ما يشير على مطالبات قد تكون أثقل من مطالبات المدرب، وهذا يشير إلى سوء التعاقد وربما الجهل بالقوانين والأنظمة الكروية الاحترافية، فكيف لإدارة ناد بحجم نادي الوحدة أن تتعاقد مع لاعب لا يساوي أدنى لاعب من لاعبي فرق الأحياء الشعبية ثم تنهي عقده بعد أن انكشف المستور، ما جعل الكثير من محبي النادي يتساءلون: من المستفيد من هذا العقود؟
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن مشكلة عقود اللاعبين المحترفين تحتاج إلى تدقيق وتمحيص، فأغلب أنديتنا تعاقدت مع لاعبين أجانب من مستويات متدنية وبعض الأندية صرف هؤلاء اللاعبين وبعضها لديها مخاصمات مع اللاعبين كقضية اللاعب المحترف النيجيري أوكيكي الذي يطالب نادي أهلي حلب بقيمة عقده ورواتبه وقد بقي في حلب أربعة أشهر دون أن يقبض ولو جزء من حقوقه، وسنعلم مستقبلاً أن النادي عليه شكوى لأن اللاعب لن يسكت عن حقه، ومثله فريق الكرامة في قضية اللاعب البرازيلي جواو سالفيو سانتوس التي أنهت إدارة النادي عقده بعد ست مراحل من مباريات الدوري الكروي الممتاز في مرحلة الذهاب، وهنا يتبادر للذهن سؤال: إذا كانت أنديتنا في عجز وتتذرع دائماً بالضائقة المالية فلماذا تلهث وراء اللاعب الأجنبي في كرتي القدم والسلة وهي مقصرة مع لاعبيها المحليين الذين يطالبون إدارات الأندية بعقودهم ورواتبهم التي لم يقبضوها منذ أشهر وهذا الكلام لا يخص نادي أهلي حلب أو الوحدة فقط بل يشمل أغلب أنديتنا، وهذا بما لا يدع للشك يندرج تحت بند الجهل وسوء الإدارة.
وكم سررنا عندما علمنا أن إدارة نادي الوحدة تريد بناء فريق جديد من شباب النادي وبدأت الحملات التي تمجد هذه الخطوة بقولها يضم فريقنا خمسة من لاعبي الشباب وللأسف نجد أن نصف المعلومة خطأ وأن الحقيقة تكشفت عندما أعلن مدرب فريق الشباب عن استقالته لعدم اهتمام إدارة النادي بفريقها وعدم دفع ما يتطلبه الفريق والمؤسف قول المدرب: إن رئيس النادي يرفض مقابلته!
كيف يرفض رئيس النادي مقابلة المسؤولين عن فريق الشباب وما الواسطة التي يحتاجونها ليستقبلهم أو يرد على مكالماتهم؟ لكن الأغرب عندما صرح إداري الفريق أنه تمكن من جمع مال من محبي النادي لفريق الشباب وسلمها للنادي أصولاً لتوزع على فريق الشباب فذهبت هذه الأموال إلى غير مكانها وبقي فريق الشباب بلا أي مورد ودون أي اهتمام من أحد، أليست هذه القصة الحقيقية الواقعية مفارقة عجيبة في عالم الرياضة؟
من هذه القضايا العديدة الحقيقية التي تتناولها وسائل الإعلام الوطنية بكل أشكالها الالكترونية أو عبر الإذاعات أو الشاشات نتأكد أن نادي الوحدة ليس بأيد أمينة وأن من يقوده إدارة تعاني من سوء التخطيط، وقضية هدر المال التي أثيرت ندع الفصل فيها للجهات الرقابية.
بكل الأحوال فإن الأمور لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لو كانت هناك محاسبة جادة، فما يعيق رياضتنا غياب المحاسبة عن كل المؤسسات الرياضية ومع وجود الكثير من الحقائق وتشكيل اللجان الكثيرة لمتابعة هذا الخرق أو ذاك إلا أننا وجدنا أن كل هذه اللجان ليست إلا لذر الرماد في العيون ولكسب الوقت وتمييع كل القضايا.
ملاعب معطلة
وخشيتنا من هذه اللجان تنطلق من قضايا سابقة مرت مرور الكرام سواء في نادي الوحدة أو غيره من الأندية وكانت تغلق هذه اللجان ملفاتها دون أي محاسبة، ومنذ أكثر من أربعة عقود لم نسمع أن مسؤولاً رياضياً تمت محاسبته أو إدانته، لنتخيل في المحصلة العامة أن المال الرياضي مستباح.
ولسنا هنا بصدد تعداد القضايا التي أثيرت كثيراً في استثمارات أندية الاتحاد والحرية وقاسيون والنضال والمجد وغيرها، وفي الأموال المهدورة على صيانة الملاعب دون أن نرى ملعباً واحداً جاهزاً وتكسوه الخضرة، وكم من ملعب كان مثاراً للسخرية سواء قبل صيانته أو بعد ذلك، ما يدل على أن القائمين على صيانة الملاعب غير اختصاصيين في هذه المهنة العلمية التي تتطلب خبراء مختصين فيها، وبالتالي فإن الأموال على ملاعبنا تهدر بلا طائل بسبب الجهل وعدم العلم بالشيء.
ومن المؤسف أن نقول: إن ملاعب دمشق كلها معطلة باستثناء ملعب الجلاء الصناعي، وهذا الملعب غير معترف به على الصعيد الدولي، ودوماً نجد ملاعبنا خارج الخدمة ودوماً في الصيانة وكم كانت ملاعبنا مثاراً للتهكم من قبل المتابعين وهم يرونها إما جرداء متصحرة أو تعلوها النباتات المتسلقة على عشبها، وحسب أخصائيين فإن ما صرف على صيانة ملاعبنا يكفي لبناء ملاعب حضارية كالتي وجدناها بالبصرة في العراق ببطولة كأس الخليج.
ما نتحدث به يأتي تحت بند هدر المال العام بسبب سوء الإدارة وسوء التخطيط وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولو أن ملاعبنا وضعت تحت إشراف أخصائيين في زراعة الملاعب لحصلنا على نتيجة مرضية.
وقضية الملاعب لم تعد مقتصرة على العشب فيها وقنوات الري المستهلكة، بل باتت قضية رأي عامة الكرويين، وهي توجه أصابع الاتهام إلى كل المرافق والتجهيزات والمستلزمات في هذه الملاعب، ومن المؤسف أن تأتي التقارير من الملاعب لتؤكد أن غرف الفريقين والحكام والمراقبين غير صالحة وغير مؤهلة لاستقبال أحد وهي تفتقد إلى الماء ودورات المياه والنظافة والسلسلة كثيرة حتى إن بعض ملاعبنا يشهد تجمعاً للقمامة للأسف، وحال الملاعب التي نتكلم عنها موثق بتقارير مراقبي المباريات، لذلك من حق الكرويين أن يسألوا إلى متى؟ وأن يتساءلوا عن المال الذي يوضع في صيانة الملاعب وتجهيزها وأين يصرف؟
الفساد الأخلاقي
من المؤكد أن التعامل بين الرياضيين وأحياناً المؤسسات الرياضية صار يفتقد إلى القواعد وأسلوب اللياقة واللباقة، وما القضية التي أحدثها نادي الفتوة في التعاقد مع مدرب الوحدة إلا نموذجاً لهذه الأخلاق التي لا نريد وجودها في الوسط الرياضي لأنها تعزز من زيادة الشرخ بين الأندية وتصنع خلافات بينها له أول وليس له آخر.
وما يجري تحت الطاولة أكثر بكثير مما يظهر فوقها فهناك الكثير من الكلام حول التفاوض مع لاعبين ما زالوا على قيود ناديهم، ولو أنديتنا تطرق الباب العالي لوصلت إلى نتيجة أفضل، فأصول التعاقدات في الدول الكروية الراقية أن التفاوض يبدأ من النادي قبل أن يقوم السماسرة بطرح القضية على اللاعبين في الكواليس وخلف الجدران ضمن أسلوب تسويقي رخيص وهذا يؤدي إلى سوء السلوك بين اللاعبين وأنديتهم ويؤدي إلى تقوية ظهر اللاعبين ويشجعهم على التمادي وربما التمرد، ولدينا الكثير من الأمثلة وما علينا إلى أن نتابع اللحظات الأخيرة قبل افتتاح الميركاتو الشتوي والمشاهد ستصل إلى الجميع تباعاً، ومن هذه أن اللاعب الفلاني وقع مع أحد الأندية ثم نجده صار في ناد آخر بغمضة عين.
ما نتكلم عنه في كرة القدم ينطبق على كرة السلة تماماً ويسري على بقية الألعاب بصور مختلفة من ناحية سوء الإدارة وغياب التخطيط وضبابية العقود واستهلاك الصالات متعددة الاستعمالات أو الصالات المغلقة الخاصة بكرة السلة، وما نقصده من كل هذه الأمثلة أن الرياضة في خطر شديد وهي مهددة بالانهيار فأغلب أنديتنا مفلسة وعاجزة رغم أنها تعيش على مناجم ذهب وهي مهملة لألعابها الرياضية التي بدأت تنحدر وتتهاوى وهي في طريقها إلى التلاشي، لذلك نأمل بدخول المحاسبة الجادة أبواب الرياضة بكل مؤسساتها بحثاً عن الخلل ليتم إصلاحه وبحثاً عن المال ليتم استرجاعه، فرياضتنا بحاجة إلى هزة قوية لتستعيد رشدها وتبدأ خطواتها الصحيحة من جديد.