مجلة البعث الأسبوعية

ميسة البكدش… صلصال ملون يحاكي براءة الطفولة في داخلها

جمان بركات

كنا نستمتع بقطع عجين تعطينا إياها جداتنا لنصنع أشكال من أحلام صغيرة وتخبزها لنا مع الفطائر، والبعض الآخر كان يتقن هواية تحويل قطع المعجون إلى حكايات وأبطال من الأساطير نلعب بها حتى تملنا ولا نملها، د.ميسة البكدش أتت لنا بكل صلصالها وراحت تحكي لنا قصصاً تعيدنا بلوحاتها وألوانها إلى دروب طفولتنا البكر.

وكان لمجلة “البعث الأسبوعية” هذا اللقاء للتعرف على الأسلوب الفني الخاص والمتفرد للدكتورة ميسة الذي جعل منها أيقونة يشار لها في فن اللوحة الجدارية ولوحات قصص الأطفال وتقنيات الصلصال الملون الجميلة.

محاكاة الواقع

بداية تحدثت د.ميسة البكدش عن بداياتها وتفتق الموهبة لديها حيث قالت: الفن مرآة تعكس جمالية الحياة والواقع الممثل، وبما أن الطبيعة هي دائمة التغيير والتبدل والإنسان الفنان ينمو حسه وتتبدل ملامحه وتتنوع تجاربه الفنية التشكيلية، ويمكنه أن يراقب ويتابع تلك التجارب والتبدلات بأعمال فنية جديدة يبتكرها.

وإن محاكاة الواقع تعزز الاقتراب من الحقائق الجميلة كما نراها، وأنا كفنانة تشكيلية أرى في التجارب الفنية الموجهة تارة للأطفال أو إلى البالغين أنها قد تتجاوز الفوارق بينهما للتعبير عن ما هو إبداعي وفني وجميل، تقترب لتكون تعابير لونية عن جمل وتعابير يحبها الطفل ويتلمسها في حكاياته وقصصه ومجلاته، ترسم له دروب التنقل بين أزهار المعرفة وبتلاتها ليرتشف نسغ الشهد ويتلقى المعلومات بطريقة سهلة وممتعة بلا تكلف ولا عناء.

صور جذابة

بالتأكيد الأسرة المحيطة لها تأثير على حياة أي شخص، وعن هذا التأثير في صقل موهبة د.ميسة وخصوصاً وأنها من أسرة فنية لها باع مميز في الفن قالت:

عشت طفولتي في مدينة دمشق وأنتمي لأسرة عريقة في ممارسة الفن التشكيلي كالنحت والغرافيك والعمارة وفن الخزف، كالعديد من الأسر العربية السورية التي يمارس أفرادها أنماطاً من الفنون المنوعة كالتمثيل والموسيقى وغيرها.

بدأت موهبتي الفنية متأثرة بالمحيط الاجتماعي السوري والعربي والعالمي والتأثر ببعض الفنانين العالميين، كانت بداياتي الأولى عندما حصلت على المرتبة الأولى بمسابقة القبول في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بدرجة الامتياز لعام ١٩٩٩م.

إن ما شدَّني إلى عالم الطفولة والفن الموجه لهم هو اختصاصي بنوع مميز من الصلصال والمعجون ولمساتي فيه وهو ما يتحرك داخل ذاتي وشعوري لتشكيل صور جذابة ورائعة عن هذا العالم المبهر والجميل.

وفي هذه الصور تتجلى التصاحبية بين مشاعر الفنان وذاته والموجودات الواقعية أو الخيالية لتتحول إلى لغة بصرية طفولية لا تذوب فيها العلاقة بين الفنان المرسل والمتلقي وتحتفظ الألوان والخطوط والمساحات بطاقتها ورمزيتها وبساطتها.

أو ربما تتحول هذه الرموز الواقعية ثلاثية الأبعاد إلى صور مجسمة يمليها خيال الفنان بأسلوب يعكس الذات الراقية المحبة لعالم الأطفال، وأسلوبهم البسيط البكر في فهم محيطهم وتحليلهم للأشياء والعناصر من حولهم.

“مسمار جحا”

وعن مقاعد الدراسة في الفنون وأثرها على تدرجها في الموهبة والهواية للاحتراف، قالت البكدش:

عندما قدّمت مشروع تخرجي المنفذ بتقنيات الصلصال الملوّن في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بعنوان “مسمار جحا” كان أول عمل ينفذ في كلية الفنون بهذه التقنية.

كما أنني أنجزت فيلماً متحركاً معداً للأطفال بتقنية الصلصال المتحرك لمشاهد هذا الموضوع، وكان عنوان رسالة الماجستير التي أعدتها في كلية الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية جامعة دمشق بعنوان:

“أثر رسوم الأطفال في التصميم الغرافيكي المعاصر”، مما أثرى خبراتي الجمالية نحو الأطفال مدعمة بجملة من التجارب والخبرات الفنية التي ساعدتني للانتقال من عتبة الإحساس والإدراك الفني إلى المعرفة في الفن الغرافيكي المعد للأطفال.

وقد شكل هذا نقلة نوعية باتجاه رسالتي التي أعدتها لنيل درجة الدكتوراه فلسفة في الفنون الجميلة قسم الغرافيك في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة جامعة حلوان بعنوان:

“الهوية الثقافية البصرية للغرافيك السوري المعاصر بين التأصيل والتحديث” انطلاقاً من أن تاريخ الفن هو أصدق من يمدنا بالمعلومات المدعمة بالوثائق البصرية التي تشهد بأن الأرض العربية السورية كانت معدا للعديد من الحضارات القديمة، وهي تمدنا بخبرات قدماء الفنانين التشكيليين الذين عاشوا على التراب الوطني السوري.

وإن مهمتنا كفنانين تشكيليين معاصرين أن ننقل هذه الخبرات القديمة والحديثة في الفنون الجميلة لتكون رصيداً تعليمياً هو ذخرٌ للأجيال المعاصرة والقادمة.

كلمة أخيرة

في الختام وجهت د.ميسة البكدش كلمة أخيرة للمواهب الوافدة للفن، وعن الأحلام المبتغى تحقيقها، فقالت:

إن مهمتنا كفنانين تشكيليين معاصرين أن ننقل هذه الخبرات القديمة والحديثة في الفنون الجميلة لتكون رصيداً تعليمياً هو ذخرٌ للأجيال المعاصرة والقادمة، ومد يد العون والنصيحة لكل وافد لهذا الدرب والعطاء المستمر حتى لا ينضب نبع الفن في بلدنا، نصيحتي لهم أن يجتهدوا في تحصيل المعرفة الفنية، فالارتهان للكسل والاستسهال مقتلة للفن وموت لروح الإبداع، ودائماً ما احفز طلابي على المثابرة في السباحة في أمواج المراجع وتنوع المصادر لكي يلموا بالفكرة من كل جوانبها ويطلعوا على كل المدارس الفنية والبصرية التي عالجتها ليستزيدوا منها وينهلوا ويخرجوا بأسلوبهم الخاص بعد التجربة.

بطاقة تعريف

د.ميسه البكدش: الإجازة في الفنون الجميلة جامعة دمشق قسم الاتصالات البصرية، الدبلوم العالي في الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية جامعة دمشق، الماجستير في الفنون الجميلة قسم الاتصالات البصرية جامعة دمشق، درجة الدكتوراه فلسفة في الفنون الجميلة قسم الغرافيك كلية الفنون الجميلة بالقاهرة جامعة حلوان، حصلت على جوائز محلية ودولية، حازت على شهادات تقدير وجوائز من مجلس الذهب العالمي، شاركت في العديد من المعارض المحلية والعربية والعالمية، صممت العديد من الإعلانات والرسوم المعدة للأطفال في الصحف والمجلات في سورية والبلاد العربية والعالم، صممت العديد من الأفلام بتقنية الصلصال المتحرك، أقامت العديد من المعارض الشخصية في سوريا والبلاد العربية وأوربا.