مجلة البعث الأسبوعية

ومتــى سينتهـي هـذا كلـــه ؟..

د. مهدي دخل الله

لعله الجحيم … لكن ما هو الجحيم ؟ إنه الحالة التي ليس فيها طريق إلى الداخل ولا إلى الخارج ولا إلى ما حول . هكذا عرَّف الجحيم ه. ج. ويلز في مقالته الشهيرة ” العقل عند أقصى حدود الاحتمال “، وكذلك هنري باربوس في روايته ” الجحيم ” ..

عندما يُفتقد الطريق وتصبح الاتجاهات بلا معنى يصل العقل إلى أقصى حدود الاحتمال بالتأكيد . اليوم يبدو أن العالم يعيش هذه الحالة ، حيث لا طريق إلى الداخل أو الخارج أو ما حول . سورية وليبيا والعراق واليمن والصراع الدولي في أوراسيا وفي تايوان ، كل هذا يشير إلى حالة تخلى فيها العقل عن مهمته في التفكير . وإذا أضفنا الأوضاع الاقتصادية الصعبة في أنحاء العالم كلها بدى واضحاً حجم هذه الأزمة متعددة المضامين .

للرئيس الأسد قول مأثور معناه أن على المجتمع القوي أن يحول الأزمة إلى فرصة . هذا يعني أن الاستسلام للأزمة ممنوع . وهناك أمر أخر أهم وهو أنه كلما اشتدت الأزمة زادت إمكانات تحولها إلى فرصة . لعله جدل الوجود حيث يولد الشيء وتولد بذور نقيضه معه .

ومع الاحترام الكامل لجحيم باربوس وللعقل الذي وصل إلى أقصى حدود الاحتمال لويلز، إلا أن التاريخ يثبت إمكانية الخروج من الدائرة المغلقة التي تحدث الرجلان عنها . وهذا الخروج يستند إلى جوهر الوجود الإنساني الذي يختلف نوعياً عن وجود المادة الصماء .

هنا لابد من العقل ، لكنه العقل باعتباره وسيلة مسهلة للإرادة وليس منطلقاً للبحث عن الحلول . فالعقل الخالص ، التقني ، الذي تحدث عنه ويلز لا يفيد في مثل هذه الحالات . لابد من الاستناد إلى ما سماه عمانويل كانت بـ ” العقل العملي “، أي العقل الذي يكون أداة لما هو أرقى منه .. الإرادة ..

اجتناباً لمقولة ديكارت الشهيرة ( الكوجيتو) : ” أنا أشك إذاً أنا أفكر ، أنا أفكر إذاً أنا موجود ” ، تنطلق المجتمعات القوية ، والأفراد ، إلى مقولة أخرى تقول : ” أنا أُبدع إذاً أنا أريد ، أنا أريد إذاً أنا موجود ” . فالإرادة هي التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات ، وفي تكوينها يجتمع الوعي مع الحدس والحس السليم والثقة والفعل .. إنها شيء من خارج صندوق العقل في مفهومه المحدود .

ولو قرأنا تاريخ الشعوب العظيمة ، والأفراد العظماء ، لوجدنا أن عظمتهم تستند إلى إرادة الإبداع وليس إلى العقل التقني المحدود . إنها حرفة صناعة التاريخ .

mahdidakhlala@gmail.com