مجلة البعث الأسبوعية

67 صحفيا فلسطينيا استشهدوا في غزّة.. إلى متى الإفلات من العقاب؟!

“البعث الأسبوعية” ــ غسان فطوم

من الواضح أن “اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين”، الذي أقرته الجمعية العامة للأم المتحدة عام 2013، والذي يصادف في الثاني من تشرين الثاني من كل عام، سيبقى مجرد حبر على ورق، فالجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق الصحفيين ما زالت مستمرة وفي تزايد واضح في مناطق النزاع المسلح والحروب. وبحسب مرصد اليونسكو، قتل ما يقارب الـ 1600 صحفيا في جميع أنحاء العالم خلال الفترة من 2006 – 2023، وتشير تقديرات المنظمة ذاتها إلى أن 9 من بين كل 10 حالات يفلت فيها الجناة من العقاب.

ولا تتوقف الجرائم بحق الصحفيين عند القتل، وإنما يتعرضون للتعذيب والاختطاف والاحتجاز التعسفي، والمضايقة، والعنف بأنواعه وخاصة عبر الانترنت في زمن الإعلام الرقمي، عدا عن حملات التضليل الإعلامي وفرض القيود الصارمة على حرية الرأي.

 

مثال مؤلم

ولن نذهب بعيدا في الدلالة على هول الجريمة المرتكبة بحق جنود الحقيقة، فخلال العدوان الإسرائيلي المستمر حاليا على غزة، والذي بدأ في السابع من تشرين أول الماضي، ولغاية اليوم، استشهد 67 صحفيا فلسطينيا داخل القطاع، وصحفيان اثنان في جنوب لبنان عند الحدود مع فلسطين المحتلة، عدا عن تدمير وإغلاق مقرات عشرات المحطات الإعلامية واستهداف منازل الزملاء الصحفيين وذويهم في محاولة لإرهابهم والضغط عليهم بهدف منعهم من نقل حقيقة ما يجري على الأرض من جرائم وحشية ضد البشر والحجر والشجر.

وقبلهم أستشهد 48 صحفيّا منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وذلك بحسب تقديرات لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين. ويؤكد الزملاء الصحفيون في قطاع غزة أنه يتم استهدافهم بشكل متعمد وممنهج من قبل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم المرعوب من فضح خسائره في العتاد والأرواح، لذلك يريد أن ينتقم من الصحفيين ومنعهم من نقل الحقائق إضافة إلى جرائمه الوحشية بحق المدنيين والدمار.

 

سؤال مشروع

وثمة سؤال يطرح نفسه هنا عن جدوى القوانين والإجراءات الدولية المتخذة لحماية الصحفيين التي يتم التذكير بها وعرضها في الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، فمن يقرأ تلك القوانين ويطلع على مضمونها يجد أنها تشّكل قاعدة متينة لحماية الصحفيين وكل العاملين في الإعلام. لكن للأسف، الواقع الفعلي على الأرض مختلف تماما، فمنذ أكثر من 70 عاما والعالم يستعرض ويتغنى بتلك القوانين الفضفاضة التي لم تستطع محاسبة الجناة الذين ينتهكونها عنوة ضاربين بمضمونها عرض الحائط، سواء أكانوا دولا أم جماعات مسلحة.

 

حماية بشروط!

ولو عدنا إلى القوانين، نجد أن الصحفيين بحكم وضعهم كمدنيين يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة في مناطق النزاع المسلح، ولكن “بشرط ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية، وتشكّل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكا خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها “الإضافي الأول”، وهناك من يضع اللوم على المؤسسات الإعلامية لجهة تقصيرها في حماية الصحفيين والإعلاميين التابعين لها، والذين يوفدون من قبلها كمراسلين لتغطية أخبار الحروب والنزاعات، كونها “تتخاذل حيث لا تقوم باتخاذ الإجراءات الاحترازية الواجبة من خلال التواصل مع الجهات المعنية في منطقة الصراع والتنسيق معها بشأن أوضاع مراسليها، بالإضافة إلي عدم بذل الجهد المناسب لتحرير صحفييها المحتجزين”.

 

اتفاقيات وقرارات

وبحديث التواريخ والأرقام، تعود أول اتفاقية تؤطر الحماية القانونية للصحفيين إلى عام 1949، وهي اتفاقية جنيف التي اعتبرت الصحفيين أشخاصا مدنيين، وتكفل حمايتهم أثناء النزاع المسلح. وفي عام 1977 نصّ البروتوكولان الإضافيان الملحقان بالاتفاقية على حماية الصحفيين بالنزاعات العسكرية والحماية العامة للأعيان المدنية.

واعتبر ميثاق روما (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998، وتحديدا في المادتين 7و8، إن ما يتعرض له الصحفيون من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.

وهناك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لعام 2003 والذي نص على حماية الصحفيين في أوقات النزاع المسلح، حيث أدان الهجمات المتعمدة ضدهم، مؤكدا على ضرورة اعتبار الصحفيين أشخاصا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، شريطة ألا يقدموا على أي عمل يضر بوصفهم كمدنيين.

ومن القرارات الأخرى إعلان صدر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2003 بشأن أمن الصحفيين ووسائل الإعلام بهدف التذكير بمبادئ القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية الصحافيين في أوقات النزاع المسلح والمذكورة أعلاه.

بالمختصر: أمن الصحفيين في خطر أثناء تغطيتهم للحروب والنزاعات المسلحة، والتنديد والشجب بالهجمات المتعمدة ضدهم ودعوات الأمم المتحدة للتضامن معهم لم تجد نفعا أمام ضرب القوانين والاتفاقيات بعرض الحائط، وهذا ما يجعل الحقيقة أول ضحايا الحروب، وسط صمت العالم المتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، الأمر الذي يُحتّم على المجتمع الدولي بمؤسساته منظماته المعنية التحرك بأقصى سرعة من أجل العمل على إبرام معاهدة دولية لحماية الصحفيين والإعلاميين في النزاعات المسلحة، والحالات الأخرى التي يتعرضون فيها لمختلف أنواع التعذيب والعنف والتنكيل، واتخاذ كافة الإجراءات الصارمة التي تضمن ملاحقة ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين في مناطق النزاعات والحروب، وقمع جميع أشكال الانتهاكات التي يتعرضون لها.