في ذكرى رحيل عبد الرحمن غنيم أحد رموز الثقافة الفلسطينية
أمينة عباس
أحيت الأمانة العامة للاتّحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في دمشق، بحضور عدد كبير من المفكرين والأدباء، الذكرى السنوية الثالثة لرحيل المفكر العروبي القومي، عبد الرحمن غنيم (1944 – 2019)، وتمّ بهذه المناسبة افتتاح مكتبة باسم الراحل في إطار المكتبة العامة للاتّحاد.
وبيَّنت د. دينا غنيم ابنة الراحل أنها، بافتتاح مكتبة في الأمانة باسم والدها لتكون موئلاً للمهتمين، أيقنت أنها لم ولن تفقد أباها، وأن الرياح لن تكفّ عن العصف، وحرفُه لم ولن يضلّ السبيل، موضحة أنها لا تتذكر والدها إلا وهو وراء الطاولة يكتب ويقرأ، ومن الصعب أن تتذكره بمظهر مخالف لذلك، وهو الذي أمضى حياته على هذا المنوال، مؤكدةً أنها كانت تشعر أن الكتابة والقراءة أخذته من عائلته ومن الحياة الاجتماعية، وأنه في سنواته الأخيرة ابتعد عن الأدب وتفرّغ لدراساته المقارنة والتاريخية، وأصدر في مصر ستة مؤلفات عبارة عن موسوعات وهبها في سبيل العلم، منوهة بجوانب مهمّة من حياة والدها الذي كان ديدنه الكتاب والقلم.
صوت فلسطين
وأجمع المشاركون في اللقاء، رافع الساعدي أمين سر، سامي قنديل، الكاتب محمد أبو عزة، الأسير المحرر تحسين الحلبي، د. خلف المفتاح، د. صابر فلحوط، د. حسين عمر حمادة، عبد الفتاح إدريس، الناقد أحمد هلال، الإعلامي ملهم الصالح المشرف على اللقاء، على أن عبد الرحمن غنيم هو أحد رموز الثقافة الفلسطينية، وكان يؤمن أن المثقف يجب أن يرتبط بالسياسي لمواجهة الخصم، وكان لمؤلفاته تأثير كبير على الشباب أواخر السبعينيات، وخاصة كتابه “من أين يأتي الفدائيون؟” والذي تحدث فيه عن قضايا تفصيلية من المعترك الفدائي، وكتابه “داوود وسليمان مملكة الإسلام الأولى” أجرأ كتاب انتزع سليمان من براثن اليهود، وقد عرَّضه هذا الكتاب لمحاولة اغتيال، وكان خطابه وطنياً جذرياً، ولم يتنازل في كلّ المراحل، وكان صوت فلسطين في المجالس الوطنية الفلسطينية ومن مؤسّسي الإعلام في منظمة الصاعقة ومسؤول دار نشر الطلائع في منظمة الصاعقة التي أنتجت أكثر من 30 كتاباً، ورئيساً لتحرير مجلة الطلائع، وهو من الأشخاص الذين قرنوا الإبداع بالموقف، وهو كنز موسوعي ومفكر ومنظومة فكرية متكاملة جعلت منه شخصاً متعدداً، ولم يأتِ إلى الحياة السياسية بفكر معيّن بل كان مثقفاً ينتح من الينابيع والأصول، لذلك حين انكبّ على دراسة الفكر الصهيوني دخل ليكون صاحب فكر نقدي، وليشكل مدرسة منضبطة في المنهجية والبحث والفكر الثوري، وهو باقٍ في الذاكرة بكل كلمة كتبها فكراً لأنه قام بتحرير السواكن التي تثير الأفكار والأسئلة التاريخية والعقائدية، وإثارة الأسئلة الحضارية الموجعة التي ما زالت تقضّ مضاجعنا.
مفكر فلسطيني عربي قومي
وبيّنت المشارَكات أن غنيم الذي لم يكن له همّ إلا الكتابة كان مدافعاً عنيفاً عن آرائه، وقد عمل في إذاعة فلسطين بدمشق التي كان يشرف عليها الشاعر يوسف الخطيب، وكانت هذه الإذاعة على الرغم من محدودية وقتها تضمّ مجموعة من الشباب الفلسطينيين وخرَّجت أسماء مهمّة فيما بعد، وكانت زوجته الموظفة في أرشيف الإذاعة تزوده بأرشيف غنيّ، وقد عُرِف بغزارة إنتاجه حيث كان في غضون فترة قصيرة قد أنجز كتابين في العام على الأقل، وكان في كلّ مرة يأتي بما هو جديد في كتاباته، وكان دوماً يبحث ويكتب عما يفند مقولات العدو الصهيوني ويردّ عليها، وقد عاش جراحات عديدة في كل مرحلة من حياته، ووقف ضد فكر التسوية مبكراً لإيمانه أن كلّ تنازل للكيان الصهيوني والإدارة الأميركية سيتلوه تنازل جديد، ولأنه كان مفكراً فلسطينياً عربياً قومياً قامت وزارة التربية بإدراج كتاباته ضمن مناهجها في المرحلة الإعدادية.
وعبد الرحمن غنيم كاتب وباحث وإعلامي، ولِد في المغار بفلسطين عام 1944 وتلقى تعليمه في غزة، وتخرّج في جامعة القاهرة حاملاً الإجازة في الاقتصاد والعلوم السياسية، وقدم إلى دمشق في الستينيات، وأصدر أول مطبوع له وهو في عمر العشرين، وعمل في الإذاعة وأنشأ دار الجليل للنشر، وكان عضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية، وعضو جمعية البحوث والدراسات في اتحاد الكتاب العرب، وله 34 كتاباً تنوّعت بين الشعر والدراسات السياسية والفكرية، من أبرزها ديوان “في ظل وادي الصمت” وكتب، منها “الحرب النفسية ودورها في المعركة، المثلثات ونجمة إسرائيل السداسية، ملاحظات على طريق التحرير، الوظيفة الثورية للإعلام الاشتراكي، المرتكزات النفسية للفكرة الصهيونية، الحالة الفلسطينية ودور الرقم الصعب، اليهودية بين القرآن والتوراة ومعطيات التاريخ القديم”، بالإضافة إلى مئات المقالات التي كان ينشرها في الصحف ومنها صحيفة “البعث” والمجلات العربية.. كرّس حياته للدفاع عن الفكر العروبي في مواجهة الفكر الصهيوني والتكفيري.