ركود الاقتصاد الألماني
هناء شروف
انخفض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 0.2٪ في الربع الأخير من عام 2022 عن الربع السابق، وهو أقلّ من توقعات السوق. جاء ذلك بعد نمو بنسبة 0.5 في المائة في الربع الثالث، و0.1 في المائة في الربع الثاني، وكان أول انكماش منذ الربع الأول من عام 2021.
تمّت السيطرة على أسعار الطاقة والكهرباء في ألمانيا، كما ارتفعت ثقة المستهلك على مدار أربعة أشهر متتالية أيضاً، لكن الاقتصاد لا يزال ينكمش في الربع الرابع بشكل رئيسي بسبب ضعف الاستهلاك وسط ارتفاع التضخم. كما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في ألمانيا بنسبة 8.6 في المائة على أساس سنوي في كانون الأول الماضي.
وراء هذه الإحصاءات تغييرات في أنماط حياة العديد من العائلات الألمانية، ففي ظلّ ارتفاع معدلات التضخم اضطر العديد من الأشخاص في ألمانيا إلى تغيير نمط حياتهم العام الماضي. على سبيل المثال، ما يقرب من واحد من كل ستة تخطوا وجبة لتوفير المال، و40 في المائة قطعوا المكونات باهظة الثمن، أو تخطوا الحلويات لتوفير المال.
على الرغم من أن ألمانيا تخوض أكبر معركة ضد ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم في الاتحاد الأوروبي، إلا أن الحكومة الفيدرالية كتبت شيكات بقيمة 200 مليار يورو (217.4 مليار دولار) للشركات والأسر الألمانية. على سبيل المثال دخل سقف سعر الغاز حيّز التنفيذ في 1 كانون الثاني الفائت فقط، ولن تستفيد الأسر والشركات الصغيرة من الحدّ الأقصى حتى آذار القادم، حيث لم يكن متوسط دعم الإيجار الشهري البالغ 190 يورو للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط ساري المفعول حتى هذا العام.
حتى إذا كانت المؤشرات الاقتصادية الألمانية لا تشير إلى ركود فني، فإن المؤشرات الأخرى تشير إلى أن الركود أمر لا مفرّ منه، فقد قام عدد كبير من شركات التصنيع الألمانية متأثرة بارتفاع أسعار الطاقة، بخفض الإنتاج أو نقل إنتاجها أو حتى إغلاقها في عام 2022. وأدّى تقلص الطاقة الإنتاجية إلى دفع الصادرات الألمانية إلى العجز في أيار الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاماً. بالإضافة إلى ذلك هناك نقص خطير في العمالة -نحو 2 مليون وظيفة تنتظر العمال- في التصنيع الألماني، ففي العام الماضي أدّت موجة من الإضرابات في بعض الصناعات إلى زيادة إضعاف القدرة التصنيعية للبلاد.
يمكن القول إن مشكلات الطاقة والعمالة تطوّرت إلى مشكلات هيكلية للاقتصاد الألماني، كما توجد مشكلات مماثلة بدرجات متفاوتة في اقتصادات الاتحاد الأوروبي الكبرى الأخرى، وحقيقة أن دول الاتحاد الأوروبي تغلّبت على أزمة الطاقة في العام الماضي لا تعني أن هذه المشكلات الهيكلية ستختفي تلقائياً.
تنتقلُ المشكلات الاقتصادية دائماً إلى الجغرافيا السياسية، لكن بفضل فترة راحة مؤقتة في أمن الطاقة وشتاء معتدل، تتخذ بعض الدول الأوروبية بشكل متزايد نهجاً أكثر عدوانية وانحرافاً تجاه الأزمة الأوكرانية. والسؤال هو ما إذا كانت هذه الاستراتيجية ستساعد في إصلاح الاقتصاد وإلى متى؟.