مجلة البعث الأسبوعية

طرطوس تنجو بأضرار طفيفة ولا خوف من الهزات الارتدادية.. تطمينات علمية بأن أمواج التسونامي تحدث في المحيطات الكبيرة

البعث الأسبوعية – وائل علي

لم يكن فجر السادس من شباط الجاري فجر يومٍ عاديٍ كباقي الأيام بعد أن “زلزلت الأرض زلزالها” فأخرجت أبناء محافظة طرطوس عن بكرة أبيهم بشيبهم وشبابهم بأطفالهم ونسائهم ورجالهم بثياب النوم وبما خفّ وزنه وسط حالةٍ من الذّعر والهلع والرّعب تحت جنح الظلام والطقس العاصف الماطر إلى الشوارع والحدائق طلباً للنجاة وهرباً من بيوتهم التي لم تعد في ثوانٍ معدودات آمنة بعد أن اهتزت أركانها، لكنها وبفضل الله تمكنت من الصمود وعدم السقوط , فيما تداعت عشرات وربما مئات الأبنية والبيوت فوق رؤوس ساكنيها في محافظات اللاذقية وحلب وحماة وإدلب متسببة بكوارث قلبتها رأسا على عقب لتتحول لمحافظات منكوبة إثر ارتفاع أعداد الضحايا والمفقودين والمصابين وسط تعامي وتقصير وتقاعس مايسمى المجتمع الدولي  ومنظماته “الإنسانية” المنفلشة المعايير والماكينات الإعلامية العملاقة.

انهيارات جزئية

بعد نجاة محافظة طرطوس التي اقتصرت الأضرار فيها على انهيار جزئي في سور ثانوية المجاهد الشيخ صالح العلي المهنية في الشيخ بدر، وعدد من الأبنية الحجرية القديمة بمحيط قلعة القدموس، وانتشال مواطنين اثنين من بين الأنقاض وهما بحالة صحية جيدة، برزت على السطح بقوة أحاديث الرعب والخوف من التسونامي القادم الذي ينتظر الساحل السوري برمته ما دفع بأبناء المدن الساحلية لترك بيوتهم ومغادرتها على جناح السرعة نحو الأرياف هرباً من تسونامي محتمل، ليبيّن المهندس والباحث الجيولوجي باسل الخطيب بأن موجات التسونامي العاتية تتكون في معظم الأحيان لدى حصول زلزال يكون مركزه قعر البحر وكما يمكن أن تتكّون هذه الموجات نتيجة أسباب أخرى لسنا بواردها الآن، فنتيجة الزلزال الحاصل تحت قعر البحر تتحرك كمية هائلة من مياه المحيط أو البحر بشكل عمودي صعوداً وبصورة مفاجئة مما يفقد هذه المياه حالة الركود والاستقرار التي كانت تسودها فينتج عن ذلك على الفور أمواج دائرية ومتلاحقة تنطلق من مركز الزلزال مع فواصل متباعدة فيما بينها قد تصل إلى عدة عشرات من الكيلومترات، وتتجه نحو الشواطئ المجاورة القريبة والبعيدة وفقاً لقوة الزلزال حسب مقياس ريختر.

تحليل علمي

وأضاف الخطيب أن هذه الأمواج تتحرك بسرعة تصل إلى 800 كلم في الساعة في المياه العميقة، وفي هذه الحالة يكون ارتفاعها قليلاً ولا يتعدى 60 سم فوق سطح البحر، ولدى اقتراب هذه الأمواج من المياه القليلة الأعماق في الجرف القاري المحاذي للشواطئ، تنخفض سرعتها نتيجة احتكاك وفرملة قاعدتها من قبل الجرف المذكور، لتصبح قريبة من السرعة المتوسطة للسيارة، وفي المقابل يرتفع سطح هذه الأمواج ليصل ارتفاعها إلى 15 متراً، وفي بعض الأحيان إلى 30 متراً.

وأضاف الخطيب إلى أنه وبعد ضربها الواجهة البحرية تخترق هذه الأمواج المناطق الساحلية المنبسطة نحو الداخل لتصل إلى مسافة حوالى كيلومتر تقريباً، مشيراً في هذا السياق إلى أنه لا بد من تسجيل ملاحظة هامة ترافق هذه الظاهرة، وهي أنه قبل وصول الأمواج العاتية التي تضرب الشاطئ، تتراجع المياه إلى عرض البحر بضع عشرات إلى مئات الأمتار كاشفة ولبضع دقائق عن مناطق في قعره لم تكن ظاهرة قبل هذا التراجع، وهذا يعتبر إنذار أساسي عنها.

سجلات التاريخية

وأوضح الخطيب أن أمواج التسونامي تحدث عادة في المحيطات الكبيرة والبحار المفتوحة، ورغم أن البحر المتوسط هو بحر مغلق إلا أن السجلات التاريخية تخبرنا أنه حصلت وضربت شواطئه موجات تسونامي، تركزت بالدرجة الأولى في المنطقة الوسطى والغربية منه “شواطئ إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، الجزائر، المغرب، صيقلية”، كما وتخبرنا السجلات التاريخية، أنه قد حدث زلزال عظيم عام 375 قرب سواحل جزيرة كريت، وصلت أمواج التسونامي الناتجة عنه إلى شواطئ اليونان شمالاً وإيطاليا غرباً ومصر جنوباً، حيث أدى تقريباً إلى إغراق نصف مدينة الإسكندرية في مصر.

أما بالنسبة لشرق البحر المتوسط، “سواحل سورية ولبنان وفلسطين، يبين الخطيب أن   السجلات التاريخية تخبرنا أن ذلك قد حصل مرة واحدة وذلك عام 551م، حيث حصل زلزال في عرض البحر أدى إلى تشكيل أمواج تسونامي، أدت إلى دمار شبه كامل تقريباً لمدن بيروت وجبيل وطرابلس، وكان تأثيره طفيفاً على المدن الواقعة شمالاً أي السواحل السورية الحالية، سبب ذلك يعود إلى وجود جزيرة قبرص قبالة السواحل السورية، قد تكون اليابسة القبرصية شكلت ما يمكن تشبيهه (بمكسر الأمواج) وبالتالي خفف كثيراً من تأثيرها على السواحل السورية.

ولبث مزيد من الاطمئنان حول إمكانية أن تتشكل أمواج تسونامي إن حصل زلزال في عرض البحر بيننا وبين جزيرة قبرص، يوضح الخطيب أن قبرص تبعد عن السواحل السورية قرابة 90 كيلو متر أو أكثر بقليل، وإن حصل زلزال ضمن هذه المسافة الفاصلة في قاع البحر، فلن تكون المسافة كافية لتشكل سلسلة أمواج عاتية ذات ارتفاع كبير و طاقة كبيرة، علماً أنه حتى تتشكل أمواج التسونامي يجب أن تكون قوة الزلزال تتجاوز 7 أو 7,5 درجات على مقياس ريختر، أما إذا حصل زلزال في قاع البحر، تتجاوز شدته 9 درجات في هذه المسافة الفاصلة بيننا وبين قبرص، فهذا أمر جلل وكبير، وعندها لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا ما رحم ربي، مؤكداً أن السجلات التاريخية لا تذكر أن تسونامي ما قد أصاب الشواطئ السورية، لذلك هناك احتمال ضئيل جداً أن يصيب هذه الشواطئ أمواج تسونامي في المستقبل للأسباب الذي ذكرناها.

علم احتمالي

ونوه الخطيب بأن علم الجيولوجيا هو علم احتمالي بنسبة كبيرة، وليس علم تجريبي كالفيزياء نتائجه مؤكدة حسب نتائج التجربة في المختبر، ولأن علم الجيولوحيا علم احتمالي فالمعلومة فيه هي التوقع الأكثر قرباً للمنطق، أو الأكثر قرباً للحقيقة و ليس بالضرورة أن يكون كامل الحقيقة.

ودعا الخطيب الناس أن يحصلوا على معطياتهم ومعلوماتهم فيما يخص هكذا مواضيع من قبل الجهات المختصة أو من قبل المختصين، و ليس عبر صفحات الفيس أو غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، و التي جميعها لا تقدم الخبر الصحيح أو الكامل.

عودوا مطمئنين

الباحث د. محمد رقية المدير العام السابق للاستشعار عن بعد فقد بيّن أن الهزة الأرضية التي حصلت  صباح  ٦ شباط ٢٠٢٣ جنوب تركيا ناجمة عن زلزال كبير ظهر تأثيره في المنطقة كلها في تركيا وسورية و لبنان والأردن وفلسطين والعراق وقبرص واليونان  وحتى أرمينيا.

وأضاف رقية أن منطقة بلاد الشام وسورية تحديداً تقع في الطرف الشمالي من الانهدام العربي المتحرك الذي يبدأ من البحر الأحمر في الجنوب ويستمر شمالاً عبر خليج العقبة والبحر الميت وبحيرة طبريا والبقاع اللبناني ثم البقيعة السورية، ويستمر شمالاً عبر مصياف وسهل الغاب أو وهدة الغاب شمال غرب سورية ويشكل هنا فالقين رئيسيين يستمران شمالاً حتى الأراضي التركية عبر فالق عفرين في الشرق وفالق العاصي – بحيرة العمق في الغرب على امتداد أكثر من 1000 كم.

وبين رقية أن هذا الانهدام متحرك أفقياً حيث يتحرك طرفه الشرقي أي الصفيحة العربية  نحو الشمال بحوالي 2سم في منطقة البحر الأحمر وأكثر من نصف سم شمال غرب سورية وبالتالي فهو مولّد للزلازل نتيجة الضغوط المتراكمة عبر الحركة، ويتفرع عنه مجموعة من الفوالق أهمها فالق سرغايا وفالق دمشق وفالقي راشيا وحاصبيا في لبنان وفوالق السلسلة التدمرية على امتداد أكثر من 400 كم  وفالق النبك وفالق الجهار وفالق بيروت الذي يستمر في البحر المتوسط ويقطعه أيضاً فالق اللاذقية – كلّس  في الشمال السوري المستمر في البحر المتوسط جنوب شرق قبرص.

وأشار رقية إلى أن آخر زلزال مدمر حصل عليه كان عام 1759 ودمر جزءاً من مدينة دمشق، وتبين الزلازل التاريخية بأنه كل 250- 300 سنة يمكن أن يحصل زلزال كبير على هذا الانهدام ولكن هذا ليس قانون ثابت ويمكن أن يتغير حسب عوامل عديدة بحركية الفوال.

وأكد رقية أن الدراسات التي قام بها تشير إلى أن الزلازل التي تحدث على الانهدام يمكن أن تصل الى 7 درجات وفق مقياس ريختر وفي السلسلة التدمرية يمكن أن تصل الى 6 درجات، أما في منطقة الأناضول وزاغروس بتركيا وايران والتي تشكل حزام زلزالي ضخم فتكون زلازله شديدة تصل إلى 9 درجات خاصة على فالق الأناضول ومثالها زلزال ازميت في تركيا عام 1999 وزلزال بام في إيران عام 2005.

وأضاف رقية أنه يمكن أن يحصل هزات ارتدادية لكنها تكون خفيفة ولا تؤثر على المناطق البعيدة عن مركز الزلزال لذلك يمكن للمواطنين في سورية أن يعودوا إلى بيوتهم بدون خوف.