تحقيقاتصحيفة البعث

احذروا شائعات نكبة الزلزال.. المطلوب وضع مصفوفة أولويات “لإدارة الكارثة” والخروج منها

بضع ثوان من هزّة أرضية كانت كفيلة بقلب حياة الكثير من الأسر السورية رأساً على عقب، ليستفيق الكثير من أهالي منطقة حلب واللاذقية وحماة تحت ركام منازلهم المنهكة أصلاً من سنوات حرب قست على قلوبهم، وبضع ثوان استطاعت أيضاً لمّ شمل قلوب السوريين على أهلهم المتضررين ترجموها بأفعال عبّرت عن خصال وأخلاق السوريين ممن تهافتوا لتقديم المسكن والطعام واللباس والتبرع بمبالغ مادية، لعلّ وعسى تُسهم في تخفيف المُصاب على أخوتهم المتضررين، وبضع ثوان اختزلت المسافات بين الكثير من الدول التي تسابقت في إرسال المعونات والمساعدات البشرية والمادية والغذائية والطبية، لنشهد لُحمة في فرق الإنقاذ العربية التي ضمّت يدها فوق السوريين الباحثين عن أسرهم بصوت منكسر تحت أنقاض الزلزال.

شائعات وفوضى

وعلى الرغم من مضي يومين من حصول الكارثة وتأكيد شاشات الأخبار وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي زحمة الحملات الإعلامية وكثرة التبرعات المحلية والعربية التي ملأت صورها شاشات أجهزتنا الخليوية، لا زلنا نقرأ بين سطور هذه النشرات والصفحات وجود الكثير من العائلات المتضرّرة بلا مأوى أو طعام، الأمر الذي أثار الشك والريبة في قلوب الكثيرين، ولاسيّما أن حجم التبرعات والمعونات كفيل بتغطية احتياجات جميع الناجين من الطعام والدواء والدفء، إلّا أن عدم خلو العمل الإغاثي في الأزمات من حالة الفوضى هو شيء نادر الحدوث، فكيف هو الحال مع غياب مستلزمات الإنقاذ وقلة المعرفة والدراية بالتعامل مع مثل هذه الأزمات، ولاسيّما أنها نادرة الحدوث في بلدنا، الأمر الذي تطلّب الإسراع في التنسيق بين الجهات الرسمية لإيصال هذه المساعدات بشكل عادل وعدم السماح لبعض ضعاف النفوس بالتلاعب واستغلال مصائب المواطنين.

لا يوجد سرقات

في هذا الإطار نفى وزير حماية المستهلك هذه الأخبار بتأكيده عدم تسجيل أي سرقة للمساعدات، أما الشكوى الواردة حول سرقة أحد المخاتير للمعونات فقد تمّ -بحسب الوزير- إرسال دورية وحلّ المشكلة وتوزيع المساعدات بشكل عادل، لافتاً في تصريحه لإحدى الوسائل الإعلامية أن التبرعات وصلت إلى المليارات ولا يحق لأحد التصرف بها والوزارة لم تأخذ منها إلا بالحالات الضرورية.

غياب المستلزمات

ولم ينفِ الخبير الاقتصادي علي محمد حدوث فوضى في الأيام الأولى من حصول كوارث، حتى في الدول المتقدمة والمتطورة والتي تمتلك تجهيزات كافية للتعامل مع الكوارث الطبيعية نتيجة عنصر المفاجأة فيها، وسورية كبلد من بلدان العالم الثالث يعاني ما يعانيه كبقية الدول بكيفية الاستجابة لهذه الكوارث ومعالجة آثارها وتبعاتها، فما بالنا بسورية الخارجة من حرب استمرت أكثر من 12 عاماً وفقدت الكثير من مقوماتها البشرية والصناعية ومستلزمات ومعدات الإنقاذ الخاصة بالكوارث، فبحسب تصريحات حكومية تمّ سرقة وتخريب حوالي الـ50 ألف معدات مؤهلة للقيام بهذه الأعمال خلال الحرب، وبالتالي فإن الإمكانيات ضعيفة لمواجهة هذه الكارثة، لافتاً إلى أن حالة التكافل الاجتماعي تظهر في جميع الدول عند تعرضها لكوارث كمساعدة من المجتمع للحكومات في مواجهة الكوارث، لأن الحكومات بمفردها لا تستطيع الاستجابة والمجابهة، لذلك فهي بحاجة لتضافر كافة قطاعات المجتمع والدول الأخرى ولو كانت الدولة المعنية من الدول الرائدة اقتصادياً، وبالتالي فإن ظهور حالات التماسك الاجتماعي في سورية بعد الزلزال تمّ التعبير عنها بحملات تبرع بسلل غذائية وطبية ومبالغ مالية من قبل التّجار والصناعيين ومن ثم الفنانين والمغتربين عبر فتح حسابات مصرفية أدت لتشتت الحسابات المصرفية، لكن لا يمكن اعتبارها مشكلة في حال ثُبّتت هذه التبرعات في مجموعة من الحسابات المصرفية ومن ثم آلت إلى جهة واحدة لتقوم هي بتوزيعها بشكل صحيح على متضرري الزلازل.

أولويات

الخبير الاقتصادي لفت إلى اتباع الحكومة أولويات في الفترة الأولى بعيداً عن التوزيع المادي، أهمها فتح مراكز إيواء وتوفير المستلزمات التي يحتاجها قاطنو هذه المراكز، إضافة إلى المساهمة قدر الإمكان في انتشال الضحايا من الركام وهذا الموضوع يستنزف جزءاً من المساعدات. وأشار محمد إلى حاجتنا لأسبوع على الأقل لإجراء مسح لتقدير حجم الخسارة البشرية “ضحايا- جرحى- تضرر منازل الأهالي” والخسارة المادية وعدد الأبنية الآيلة للسقوط ودمار البنى التحتية من طرق وشبكات كهرباء وشبكات مياه وغيرها، ليصار إلى حجم الضرر وإجراء المسح القابل للتعديل في كلّ لحظة لأشهر قادمة، وعند تحديد حجم الضرر المبدئي توضع هذه النقاط كمصفوفة أولويات “لإدارة الكارثة”، وبناءً على ذلك فإن جميع المساعدات الحالية سواء في حسابات بنكية ومصارف خاصة وعامة أو حسابات في جمعيات ونقابات يجب تجميعها بيد لجنة دقيقة موثوق بها لتقوم بالصرف وفق الأولويات المذكورة، طبعاً بعد الانتهاء من الإنفاق في مرحلة الإنعاش الأولى والحاصلة اليوم في مراكز الإيواء وانتشال الضحايا، فمثلاً إصلاح شبكات المياه والكهرباء أقلّ أهمية من الأولويات الأخرى المتمثلة بالتعويض على عائلات الضحايا ومعالجة الجرحى وتدعيم كل البنايات وهدم ما يجب هدمه ومن ثم إعادة بناء البنية التي انهارت.

ضعاف نفوس

عامر ديب نائب المدير العام لمؤسّسة رجال الأعمال العرب والسوريين تحدث عن حاجتنا اليوم لتضافر الجهود واستنفار جميع الجهات الحكومية والشعبية والفردية، والعمل المتسارع على تشكيل لجان ضمن الجمعيات والمؤسّسات المرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ورفع الجاهزية وانتشارها في المحافظات والمدن السورية التي تضرّرت خلال الزلزال، إضافة إلى رفد جهود الدفاع المدني وجيشنا في إنقاذ ضحايا الزلزال. واستنكر ديب قيام مجموعات أو أفراد غير مرخصين من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بجمع التبرعات لوجود بعض ضعاف النفوس، لافتاً إلى أن ما نسمعه عن تأخر وصول المساعدات لأصحابها يجعلنا نطالب الجهات المختصة بمتابعة آلية التنفيذ بالتعاون مع الوزارة، فمؤسّسة رجال الأعمال العرب والسوريين تتعاون مع غرفة الصناعة بهذا الملف بحيث يتمّ إيصال أي شخص يريد التبرع بغرفة الصناعة وهناك يتمّ التعاون معه بشكل كبير.

تعميم مهم

ديب تحدث عن أهمية التعميم الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل برقم 2100 كونه يعطي المجتمع المدني دوراً كبيراً في تخفيف حدة الأزمات، لافتاً إلى جاهزية مؤسسة رجال الأعمال لتكوين فرق تطوعية في المناطق المتضررة وإيصال المساعدات لمستحقيها، فالمؤسسة تمتلك كوادر مؤهلة لإيصال الدعم لمستحقيه، كذلك يجب أن يقوم عدد من مندوبي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بمراقبة عمل الجمعيات التابعة لها، ومراقبة إيصال المساعدات لضمان توزيع الدعم القادم من الداخل السوري ومن الخارج والذي وصل إلى أرقام كبيرة لا تتناسب مع بقاء الكثير من أهالي حلب في الشوارع. وتحدث ديب عن حاجتنا اليوم للعمل المباشر الفعلي على الأرض بعيداً عن استغلال الأزمات وبناء أموال قذرة من دماء من سقطوا ضحايا تحت الأنقاض، فمن المعيب جمع مال أو منفعة على أكتاف من شرّدوا، لذا من المهمّ تنحية مصالحنا الضيّقة والعمل لنهضة البلد والخروج من هذه المحنة مثلما خرجنا من الحرب.

ميس بركات