الزلزال.. دعوة للتضامن البشري
ترجمة: عناية ناصر
تسبّب الزلزال القوي الذي ضرب جنوب تركيا مؤخراً بخسائر فادحة في كلّ من تركيا وسورية، وبالتالي كشف المجتمع البشري عن جوانبه الهشّة وقدرته على الصمود والمقاومة في مواجهة الكوارث الطبيعية الخطيرة.
بعد الزلزال، أعربت دول ومناطق عديدة حول العالم عن تعازيها، لكن تبقى سورية هي المفصل هنا، إذ لطالما كانت مطمعاً للصراع في الجغرافيا السياسية الدولية، حيث عانت الكثير من الآلام المزمنة لسنوات بسبب الحرب، ليأتي الزلزال القوي ويزيد من حدة الألم. وفي ظلّ هذا الوضع الكارثي يجب على المجتمع الدولي أن يسعى للوصول إلى الهدف المشترك المتمثل في تقديم المساعدة في الوقت المناسب للضحايا، ومنع وقوع كارثة إنسانية أكثر خطورة بسبب الزلزال.
يحتاج المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى، إلى تحقيق الوحدة والتنسيق على مستوى أكبر، فغالباً ما تتميّز الكوارث الضخمة بمشاهد مروعة تخلق إحساساً قوياً بالمصير المشترك في فترة زمنية قصيرة، فضلاً عن توقع ودعوة للتضامن الإنساني. وهذا النوع من الفهم والإدراك، الذي تمّ اكتسابه بتكلفة مأساوية، لا يقدّر بثمن ويجب أن يمارس على نطاق واسع، وحازم في المجتمع البشري. ولكن مع ذلك، هناك فجوة كبيرة بين الواقع والمثل، والتي تتسع بسبب بعض القوى. ففي الآونة الأخيرة، واجهت البشرية تحديات مشتركة، واحدة تلو الأخرى، تتراوح من جائحة كوفيد-19 إلى النزاعات الإقليمية إلى تغيّر المناخ، لكنها لم تسهل تشكيل التضامن الحقيقي الضروري للتعامل مع القضايا العالمية.
إن الخلل في العلاقات بين القوى الكبرى، وفوضى النظام الدولي، وعدم توازن الحوكمة العالمية هي الأزمة الأكثر عمقاً في المجتمع البشري في الوقت الحاضر.
ينتاب الكثير من الناس الشعور ذاته، بأنه منذ دخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يبدو أن العلاقات الدولية قد سقطت في مستنقع الانحدار المتسارع، سواء كانت الشعوبية والحمائية التجارية في المجال الاقتصادي، أو لعبة محصلتها الصفرية والصراعات الجيوسياسية في المجال السياسي الدولي، فإنها كلها تتصاعد وتزداد حدّتها.
في ظلّ هذه الخلفية، يكون الأمر الأكثر قيمة بالنسبة للبلدان في جميع أنحاء العالم هي أن تدعم بشكل مشترك البلدان التي تواجه الكوارث، لكن هذا النوع من الوحدة لا يجب أن يكون قصير الأمد فقط، في مواجهة أزمة عالمية مفاجئة، بل أن يستمر. لكن ليس هناك الكثير من التفاؤل بشأن المدة التي يمكن أن تستمر فيها الوحدة أو الانسجام الحالي، فمن المتصوّر أنه في المناطق التي وقع فيها الزلزال، قد تواجه الإغاثة من الكوارث وإعادة الإعمار بعد الكارثة عقبات ومقاومة على المستوى الجيوسياسي.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن سورية الدولة عانت من حرب تسبّبت بأضرار أكثر من الزلزال الذي أصابها. ومع ذلك، من المؤسف أن الولايات المتحدة لا تزال غير قادرة على التخلي عن هوسها الجيوسياسي وعنجهيتها في هذه اللحظة، متجاهلة الدعوات إلى رفع العقوبات عن سورية بشكل فوري حتى يمكن تقديم المساعدة لها في عمليات الإنقاذ بعد الزلزال التي تقوم بها وحدها.
إن تحقيق الوحدة الحقيقية والتعاون يتمّ عندما يكون الجنس البشري بأكمله في منعطف حرج من الحياة والموت، وسيتمّ تدميره في حال لم تتحد البشرية. ونأمل في العالم الحقيقي ألا ننتظر حتى اللحظة الأخيرة لنضطر إلى الاختيار، بل أن يتخذ خطوة للأمام، ويتخذ زمام المبادرة في أقرب وقت ممكن.
في كلّ مرة بعد وقوع كارثة، يتعاطف الناس مع الضحايا من أعماق قلوبهم، ويأملون مخلصين في تقديم المساعدة قدر الإمكان، وهو جزء ساطع من الإنسانية العالمية يسمح برؤية القوة العميقة لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، على أمل أن العالم سيصبح في النهاية مكاناً أفضل وأكثر دفئاً.