التفاف التشكيليين حول نكبة الزلزال في معرض “الفنّ لسورية”
ملده شويكاني
“لوحة الوطن” بتدرّجات حروفية باللون الأبيض وتماوجات الأزرق والألوان الشفافة على خلفية اللون الأحمر، يتوسّطها بريق الأمل بانعكاس اللون الأصفر، بريشة الفنان د. محمد غنوم، كانت إحدى لوحات المعرض التبرعي الذي أقامته صالة زوايا في حيّ القصاع بعنوان “الفنّ لسورية”.
وتأتي هذه المبادرة الجماعية لمساندة متضرري الزلزال المدمّر الذي أصاب سورية، باقتناء اللوحات من داخل سورية وخارجها وتحويل ثمنها إلى المنظمات الإنسانية المساهمة بإنقاذ المنكوبين، وسيتمّ التبرع بكامل المبلغ عن طريق الحسابات البنكية.
جاءت هذه المبادرة الجماعية التي حفلت بأسماء لامعة بالمشهد التشكيلي، منهم د. محمد غنوم ومصطفى علي ولطفي الرمحين ونبيل السمان.. وغيرهم، وضمت ثمانية وخمسين فناناً من أجيال مختلفة بعد مجموعة من المبادرات الفردية، فمنذ الساعات الأولى كان التشكيليون حاضرين مع الأشخاص والجهات الرسمية والخاصة، يعملون لمساعدة المنكوبين بعرض بعض أعمالهم على صفحاتهم الخاصة لاقتنائها والتبرع بثمنها للمتضررين.
رسالة للبشرية
“البعث” تحدثت مع د. محمد غنوم المشارك مع ابنته يمام بمعرض “الفنّ لسورية”، ويرى أن الزلزال في سورية لم يكن حدثاً مؤثراً في البشر والحجر فقط، ولم يكن ليحدث فاجعة لأبناء الوطن أيضاً، ولم يكن بمثابة الخطب الجلل الذي يضيف لمعاناة أهلنا ألماً جديداً، كان دروساً للبشرية في عمق إنسانية الإنسان التي يمتلكها أبناء سورية المكافحة الأبية صانعة الجمال والخير والحضارة التي أهدت العالم طريق العلم والمعرفة وغيّرت مسار الكون بأبجديتها.
فأبناء الشعب السوري بأكمله هبوا لمحو آثار الزلزال بالسواعد والمال ولم ينتظروا أحداً، ولم يصرخوا استجداء لأحد وقفوا في الضراء وقفة الأباة، فكشفت يا وطني عن صفحة سوداء كالحة في سجل معظم دول الغرب المدّعي التقدم والحضارة والرقي، وحدّدت الصديق عند الضيق، ومن الطبيعي أن يكون للفنان التشكيلي السوري دور في محو صورة الخراب القبيحة لتحلّ مكانها ألوان الوطن وخطوطه.
لمن يدعي الإنسانية
قال الفنان عصام المأمون المشارك بلوحتين من أعماله التي تُعنى بالإنسان، إحداهما لوحة الأم التي تحمل أطفالها بجسد متعب نافر من اللوحة المصنّعة من خيزران النخيل، عن قوة وعظمة الأشخاص الذين حفروا بأظافرهم محاولين إنقاذ المنكوبين تحت الأنقاض، وعن هذه النكبة التي أثبتت أن الشعب السوري شعب واحد.
وأوضح المأمون أنه تمّ اقتناء بعض الأعمال والمعرض مستمر، فيعدّ خطوة أولى ستلحقها خطوات تحمل رسالة للدول التي تدّعي الحضارة والإنسانية ولم تساهم بأية مساعدة أو معونة، بأن الشعب السوري قادر على النهوض بتعاون كلّ أطرافه.
واجب إنساني
كما شارك الفنان الكبير مصطفى علي بمنحوتة تعبّر عن حالة إنسانية، وأشار إلى دور الفنان بالمجتمع، معرباً عن أهمية مشاركته كواجب تجاه بلدنا سورية وتجاه المتضررين، مبيّناً أن دور الفن يجب أن يكون إيجابياً وإنسانياً.
قلب واحد
الفنانة النحاتة نجود الشومري شاركت بالمعرض بمنحوتتين، تظهر إحداهما الانكسار الذي أصاب الكثير من الأطفال جراء الحرب الإرهابية، وترى أن الفنان حاضر في كل الأحداث التي تلمّ بوطنه، فدوره فعّال ومهمّ كونه الأقدر على عكس الواقع وتجلياته، متمنية أن نبقى جميعاً يداً واحدة وقلباً واحداً ينبض بحب الوطن بأكمله.
ومن الفنانات الشابات المشاركات بالمعرض آيات الزعبي التي قدّمت أربع لوحات من أعمالها من مجموعة الخير، ومن تصوير دمشق بأسلوب تجريدي بالاعتماد على قصاصات الكولاج، تحدثت عن رسالة السلام التي يحملها الفن، فمن الضروري أن نكون يداً واحدة لنخرج من هذه النكبة ونساند المتضررين، وكلنا أمل أن نخفّف عنهم جزءاً من مصابهم.
أحياء الأرمن
أما الفنانة تمار شاهينيان فقد شاركت بعمل يدمج بين التصوير الضوئي والتطريز من تجربتها الخاصة بهذا المسار في لوحة تعكس جمال أغصان الأشجار في الخريف، معربة عن حزنها لما أصاب سورية وأحياء الأرمن في حلب ودير الزور مثل الآخرين جراء نكبة الزلزال، مشيدة بالعمل الجماعي للتخفيف من مصابهم.
شعب محبّ ومعطاء
ومن المبادرات الفردية ساهم فنانون من اللاذقية وحلب ودمشق، فمن حلب تبرّع الفنان سعد يكن الملقب بالمايسترو بعشرة ملايين ليرة لمتضرري الزلزال في حلب، كما تبرّع الفنان خلدون أحمد من حلب أيضاً بأربعة أعمال من أعماله المتعلقة بالحروفية والتناغم اللوني الجميل، أحدها من مجموعة الضاد، ونوّه بأن سورية شعب واحد وروح واحدة، والشعب السوري شعب عاطفي ومحب ومعطاء، وما رأيناه من الالتفاف الشعبي ومساعدة الناس بعضها البعض بتقديم المعونات بأنواعها، يؤكد أن شعب سورية شعب واحد، ويدلّ على القيم والشهامة السورية المزروعة داخل كل سوري، إذ انتشر الناس مع المنظمات لمساعدة المنكوبين تحت الأنقاض وبالساحات لتوزيع الإعانات، ما يقدّم للعالم صورة عن شعبنا الأصيل بوقوفنا جميعاً يداً واحدة.
وشكر كلّ من يعمل بهذه النكبة إلى جانب المنظمات والجمعيات الخيرية، وعقب بأنه تمّ اقتناء الأعمال وسيشارك بريعها بموجب إيصال رسمي عن طريق اتحاد الفنانين التشكيليين أو جمعية خيرية.
النهوض يداً بيد
ومن فناني دمشق ساندت الفنانة نجوى الشريف بعدة أعمال من لوحاتها التعبيرية بشكل فردي على صفحتها الخاصة، والتي جسّدت حالة سكون وتأمل لأنثى حزينة برمزية إلى ما أصاب سورية، وأشارت إلى دور الفنان بالمجتمع كونه يرصد من خلال لوحاته سيكولوجيا النفس البشرية وتقلباتها، ويحمل رسالة إنسانية، ومن واجبه مشاطرة الآخرين مشاعرهم وهمومهم ومساندتهم بالسراء، وتضميد جراحهم حينما يمسّهم الضر، مبيّنة أننا في هذه الأوضاع الصعبة نحن بأمسّ الحاجة لبعضنا، لأننا أبناء وطن عانى الكثير خلال الحرب الإرهابية، والكارثة التي حلّت بسورية جعلت كل فئات المجتمع تسارع لتقديم ما تستطيع عليه، ونتمنى أن نقدم شيئاً لواقع نعجز أن نحتويه كأفراد، لكن يداً بيد نستطيع أن نكون جميعاً أقوى وننهض من جديد.
ومن خارج سورية تبرّع الفنان والشاعر المغترب في فرنسا عنايت عطار بثمن لوحتين من أعماله الرائعة التي صوّر فيها عوالم المرأة في بيئات متعدّدة بعرضها على صفحته والتواصل معه بشكل خاص.