إدارة المخاطر في المدن تفرض نفسها على المشهد العمراني بعد حادثة الزلزال
دمشق- لينا عدره
أشارت عميد المعهد العالي للتخطيط الإقليمي الدكتورة ريدة ديب إلى ضرورة الانتباه بشكل حاسم إلى الحالة الجيولوجية لمكوّنات الأرض التي بدأت تتفاعل بعد الزلزال الذي ضرب البلاد مؤخراً، ما قد ينذرُ لاحقاً بحدوث زلازل أخرى كوننا على خط الزلازل الأساسي عالي الخطورة، وبالتالي لا بدّ من البدء بالعمل على مبدأ الوقاية خير من العلاج ولاسيما خلال المرحلة المقبلة لإعادة الإعمار، بحيث يتم اعتماد الإجراءات اللازمة الكفيلة بتقلّيل الخطر وتخفّيف من الخسائر قدر الإمكان في حال وقوع كارثة محتملة.
ولفتت ديب إلى أن إدارة المخاطر في المدن تبدأ من التفكير في موقعها ومخططاتها وحركة سكانها أثناء وقوع الخطر، لأنها أمور حاسمة يجب على المخطّط أن يأخذها بالحسبان، وأنه لا بدّ من اختيار المكان المناسب والأكثر أماناً، وذلك من خلال استبعاد إقامة التجمعات العمرانية على المناطق النشطة زلزالياً، التي حدّدتها خرائط الحركات المحتملة للقشرة الأرضية، والاهتمام بالتربة الحضرية التي نقيم عليها تجمعاتنا، فلا نلجأ إلى تخريب خصائص التربة ومكوناتها أثناء عملية تهيئة الأراضي، وخاصة في المناطق التي من المفترض أن تبقى خضراء، ما يعزّز تماسك التربة وقوتها.
وتؤكد ديب أن اختيار شكل التجمّع العمراني المناسب للطبيعة الطبوغرافية وارتفاعات الأبنية والكثافة السكانية المناسبة، واستخدام المباني المنتظمة ذات الهياكل الإنشائية المتينة المتوافقة مع الكودات المعتمدة للزلازل (التي هي من اختصاص المهندسين الإنشائيين)، كلها أمور لا بدّ من مراعاتها لتخفيف المخاطر ما أمكن عند حدوثها.
نقطة أخرى يجب على مخطّط المدن الانتباه إليها -تضيف ديب- تتعلق بالتفاصيل التخطيطية التي من شأنها تسهيل تفريغ المناطق العمرانية لحظة حدوث الكارثة، كالمخارج السهلة والمتاحة بسرعة والمتعدّدة والمناطق المفتوحة التي تدعم أمان السكان لحظة الكارثة، حيث يلجأ الكثير من المخطّطين في ظل المساحات المحدودة للمدن إلى عدم الاهتمام بهذه المساحات المفتوحة، مؤكدةً أهميتها البيئية والإغاثية والإنسانية، ومشدّدة على عدم اختصارها أو توزيعها، بل يجب أن تكون بمساحات كافية ومناسبة وقابلة للوصول بسرعة وسهولة، خاصةً وأن تلك المساحات ليست رفاهية أو ترفاً عمرانياً للمدينة، كما ينظر لها البعض، بل هي ضرورة لا يمكن التخلي عنها.
وتضيف ديب: نقطة مهمّة لا بدّ من الإشارة إليها تتعلق بمنع المخالفات، منوهةً بضرورة أن تكون من خلال إدارة الإسكان، كون تلك المخالفات لا تسيء أو تضرّ فقط بالشكل والمظهر الحضاري للمدينة، بل إن ضررها يشمل المجتمع ككل، علماً أن إقامة تلك المخالفات في أحيان كثيرة يكون سببه الحاجة الملحة وصعوبة تأمين منزل للسكان، ما قد يدفع البعض إلى قبولها على الرغم من أن المنطق والعقل يحتّم علينا أن نقف ضدها، فهي من جهة تشوّه المدينة، كون تلك المخالفات لن تسمح لنا بالقيام بأي وظائف لمصلحة المدينة، ما يضطرنا لاحقاً لاستغلال المساحات المفتوحة، ومن جهة أخرى قيامها على أراضٍ غير معدّة للبناء وبعيدة كلياً عن الأسس التخطيطية، وعدم مراعاتها لشروط البناء، لتكون خطراً على أصحابها وجيرانهم في حال حدوث أي كارثة.
وأشارت إلى أن السياسات الإسكانية الملائمة التي تقودها الإدارات المعنية تجنبنا اللجوء للمخالفات من خلال تأمين السكن اللائق والصحيح، وتقديم الدعم اللازم، سواء عن طريق قروض سكنية أو سياسات تمويلية داعمة للشباب، إضافةً للتنسيق والتعاون ما بين الإدارات والمجتمعات لمنع أو الحدّ من تلك المخالفات.
وتشير ديب إلى الدور الكبير للمجتمع المحلي، منوهةً بالأهمية الكبيرة للتشاركية في القرارات بين المجتمعات والإدارات، واعتبارها حقاً ومسؤولية، والبدء بتفعيل دور لجان الأحياء استناداً إلى ما منحه قانون الإدارة المحلية رقم 107، علماً أن لجان الحيّ يجب أن تعمل بالشكل الصحيح وأن تنقل متطلبات الحيّ الضرورية والملحة، حتى لا تتحول إلى مجرد مقاعد لا أكثر، كما ترى ديب.
نقطة أخيرة تحدثت عنها ديب تتعلق بالكوادر المتخصّصة وأصحاب الكفاءات والخبرة، الذين يتوجّب على الجهات المعنية الاستفادة منهم، مشددةً على ضرورة تطعيم الخبرات الموجودة في الإدارات والتي تعمل منذ سنوات بالعلوم والاختصاصات الجديدة، والعمل على إيفادهم للاطلاع على تجارب الغير، وطريقة وكيفية تعاملهم مع المشكلات، مؤكدةً افتقارنا لبرامج التطوير المستمرة، لافتةً إلى قيام المعهد في الوقت الحالي بزمالة إدارة الجودة بالتخطيط، لدعم التدريب المهني بجانب الأكاديمي، وهو برنامج مستمر يستهدف المعنيين بالعمليات التخطيطية، وقد لاقى قبولاً وترشيحاً من قبل الكثير من الإدارات التي تعمل بالتخطيط.